تصفية حسابات أم تغيير وإصلاح؟

إسقاط عضويات ورفع حصانة في مجلس الشعب السوري

القاعة الداخلية لمبنى مجلس الشعب السوري فارغة (مجلس الشعب في سوريا)

camera iconالقاعة الداخلية لمبنى مجلس الشعب السوري فارغة (مجلس الشعب في سوريا)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – موفق الخوجة

تثير الإجراءات الأخيرة التي اتخذت بحق نواب من مجلس الشعب التابع للنظام السوري، التساؤلات حول خلفيتها ودوافعها، وما إذا كانت رسائل يراد توجيهها أم إجراءات قانونية روتينية.

وكان مجلس الشعب التابع للنظام السوري أصدر سلسلة قرارات خلال الأشهر الماضية بحق أعضاء فيه، تراوحت ما بين سحب للعضوية وتجميدها ورفع للحصانة وبدء الملاحقة القضائية.

أحدث هذه القرارات كان السماح بالملاحقة القانونية للعضوين أيهم جريكوس ومدلول العزيز، في 4 من تشرين الثاني الحالي.

ولم تتضح أسباب الملاحقة، إلا أن مدلول العزيز صدرت بحقه دعوى قضائية، في نيسان 2023، بتهم تتعلق بتهريب بضائع ممنوعة (وقود، دخان، أغنام، أسلحة، مواد غذائية، أجهزة طبية)، بلغت قيمتها 16 مليار ليرة سورية.

وتمت تبرئة العزيز إلى جانب اثنين آخرين وجهت لهما نفس التهمة، بحسب منشور له على “فيس بوك” في 25 من حزيران الماضي.

أما جريكوس فهو من مواليد اللاذقية، وترشح لمجلس الشعب عن حزب “البعث” الحاكم في سوريا، وكان نائبًا في المجلس لدورته 2016 و2020.

وجاء الإجراء المطبق بحق العضوين المذكورين بعدما أسقط النظام عضوية ثلاثة نواب من مجلس الشعب، على خلفية امتلاكهم جنسيات أخرى غير السورية.

وكان أحدث إسقاط للعضوية متعلق بحيازة جنسية أخرى، في 3 من تشرين الثاني الحالي، بحق أنس الخطيب، النائب عن مدينة دمشق، وأسقطت عضويته بسبب امتلاكه الجنسية الأردنية إلى جانب السورية.

وسبقه إسقاط عضوية اثنين آخرين بسبب امتلاكهما الجنسية التركية، الأول شادي دبس في 10 من تشرين الأول الماضي، وكان ترشح عن دائرة حلب في الدورة الأخيرة، والثاني محمد حمشو في 22 من تشرين الشهر نفسه.

حمشو هو واجهة اقتصادية ومقرب من ماهر الأسد قائد “الفرقة الرابعة” وشقيق رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وكان عضوًا في مجلس الشعب في الدورة ما بين 2016 و2020.

المحامي غزوان قرنفل قال في حديث سابق لعنب بلدي، إن إسقاط عضوية مجلس الشعب جاء بموجب المادة “152” من الدستور السوري، التي تنص على منع من يحمل جنسية أخرى غير السورية أن يتولى مناصب قيادية في سوريا، ومنها عضوية مجلس الشعب.

المادة “152” من الدستور السوري

لا يجوز لمن يحمل جنسية أخرى، إضافة إلى الجنسية العربية السورية، أن يتولى مناصب رئيس الجمهورية أو نائبه أو رئيس مجلس الوزراء أو نوابه أو الوزراء أو عضوية مجلس الشعب أو عضوية المحكمة الدستورية العليا.

ماذا وراء الإجراءات

الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أيمن الدسوقي، قال لعنب بلدي، إن الإجراءات الأخيرة بحق نواب مجلس الشعب يمكن تفسيرها بعدة قراءات.

أحد هذه التفسيرات أنها تصفية حسابات بين تيارات داخل النظام السوري، مشيرًا إلى دور جهات من خارج قبة المجلس في القرارات الأخيرة.

ونوه الدسوقي إلى وجود أسماء نواب محسوبين على شخصيات نافذة في النظام السوري، أبرزهم محمد حمشو، المقرب من ماهر الأسد “صاحب العلاقات المميزة مع إيران و(حزب الله)”.

كما ينتمي بعض هؤلاء المبعدين من المجلس إلى الحزب الحاكم في سوريا (البعث)، وآخرون محسوبون على إيران ورجال أعمال، بحسب الدسوقي.

وقد تندرج هذه الإجراءات تحت إطار عملية التغيير أو الإصلاح التي يروج لها النظام السوري، إذ إن بعضهم “متسلقون”، على حد تعبير الدسوقي.

ويعتقد الباحث أن تنوع خلفيات هؤلاء النواب الذين أجريت بحقهم قرارات المجلس، يحمل رسائل يسوّق لها النظام، وحددها الباحث بشكلين.

الأول للداخل، ويفيد بأن النظام لن يستثني أحدًا من التغيير مهما كان موقعه وعلاقاته.

ويرتبط الثاني بمطالب خارجية تتعلق بإزاحة النفوذ الإيراني داخل سوريا، عبر إزالة شخصيات لها علاقات بطهران من داخل قبة المجلس.

من جانبه، رجّح العضو السابق بمجلس الشعب علي البش، أن سبب إسقاط العضوية بحق النواب الثلاثة عائد إلى طبيعة هذه الدول التي حصل هؤلاء على جنسيتها، في إشارة إلى تركيا والأردن.

وأضاف البش في حديث إلى عنب بلدي، أن تركيا والأردن كانتا داعمتين للثورة السورية منذ انطلاقها في 2011.

وقال العضو السابق في مجلس الشعب، “عندما تثار مسألة بحق أحد النواب، تُعمم على كل الحالات المشابهة لحالة العضو الأول”.

كما يقدم النظام رسالة بأن كل أعضاء المجلس تحت طائلة المساءلة، وبالتالي يمكن أن تطول عصا النظام الجميع، بحسب البش.

الإسقاط والتجميد ورفع الحصانة

تنوعت القرارات الأخيرة بحق نواب مجلس الشعب ما بين إسقاط للعضوية وتجميدها ورفع الحصانة.

وأوضح المحامي الدكتور عبد الرحمن علاف لعنب بلدي، أن تجميد العضوية للنائب في مجلس الشعب يعني بقاءه تحت القبة مع إيقاف عمله.

وترتبط أسباب التجميد باعتبارات قانونية وإجرائية، أو انتقال النائب إلى السلطة التنفيذية.

في المقابل، يعني سحبها إيقاف عمل العضو في المجلس بالكامل وإخراجه، ويعود إسقاط العضوية إلى سببين، بحسب ما أفاد المحامي علاف.

يتعلق السبب الأول بالقوانين التي تمنع ترشحه بالأصل، كما حدث مع الذين أوقفت عضويتهم بسبب حصولهم على جنسيات غير السورية.

والسبب الثاني إجراءات قانونية كارتكابه “الجرم المشهود”، وبهذه الحالة ترفع عنه الحصانة ويلاحق قضائيًا.

ويشترط على طالب الترشح لعضوية مجلس الشعب أن يكون عربيًا سوريًا لمدة لا تقل عن 10 سنوات، متمًا الـ25 من عمره، بحسب حديث رئيس اللجنة القضائية العليا للانتخابات، جهاد مراد، لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) في أيار الماضي.

كما يجب على المترشح لمجلس الشعب أن يكون متمتعًا بحقوقه المدنية والسياسية، وألا يكون محكومًا بجناية أو جنحة شائنة، ويجيد القراءة والكتابة، وفق ما أضاف مراد.

وبحسب ما أوضحه المحامي علاف لعنب بلدي، تتم عملية الموافقة على طلب الترشح لمجلس الشعب بعدة مراحل، أولاها أن يتم النظر بقانونية الطلب والتأكد من صلاحيته للترشح للمجلس.

أما المرحلة الثانية فهي للاعتراضات على طلب العضوية، ويحق للجنة في المجلس أو أي عضو فيه الاعتراض على طلب المترشح للعضوية، وفق ما أوضحه علاف.

تعديلات على الحصانة

كان النظام أجرى تعديلات على مواد تتعلق بالحصانة والملاحقة القانونية لأعضاء مجلس الشعب، في 8 من أيار الماضي.

ومنحت هذه التعديلات وزير الدفاع تقديم طلب رفع الحصانة عن عضو المجلس في حال كان الادعاء مرتبطًا بالقضاء العسكري، في حين كان يرتبط سابقًا بالقضاء المدني ويصدر عن وزير العدل فقط.

ووفق التعديلات، يلتزم المجلس بالبت في طلب رفع الحصانة خلال شهرين من تاريخ وصول الطلب، وتتم عملية النظر في رفعها على مراحل، ولا تتجاوز كل مرحلة عشرة أيام “بهدف تسريع الإجراءات”.

الباحث المساعد في مركز “عمران” محسن المصطفى، نشر دراسة، في 30 من تموز الماضي، حول هذه التعديلات قال فيها، إن النظام يقدم رسالتين من خلال هذه الإجراءات.

الرسالة الأولى بأن النظام يحارب الفساد وأن “القانون فوق الجميع”، والثانية موجهة لأعضاء المجلس الجدد بأنهم تحت المراقبة ويمكن ملاحقتهم قانونيًا.

واعتبر المصطفى أن هذه التعديلات “تسلّط القضاء العسكري على رقاب أعضاء المجلس”.

وتأتي هذه التعديلات على خلفية قضية عضو المجلس فؤاد علداني المتهم بمخالفات تتعلق بقضايا فساد وتهريب محروقات وهدر المال العام.

وكان مجلس الشعب رفع الحصانة عن علداني، في 29 من آذار الماضي، بطلب من وزير العدل.

وبحسب الباحث في مركز “عمران”، تسببت هذه القضية بفرض عقوبة تخفيض مستوى العضوية في حزب “البعث” لأعضائه الذين لم يصوتوا على رفع الحصانة عن علداني.

وأصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، مرسومًا يقضي بتحديد موعد لإجراء انتخابات لمقعدين شاغرين في مجلس الشعب، في 7 من كانون الأول المقبل.

وشمل المرسوم مقاعد الأعضاء الذين سقطت عضويتهم عن دائرتي حلب وطرطوس، فيما لم يتحدث عن المقاعد الشاغرة الأخرى لمن أسقطت عضويتهم.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة