في ديوانه الشعري “منتصف الليل” الصادر عام 2005، يقدّم الشاعر الفلسطيني الراحل مريد البرغوثي مادة شعرية دسمة بالنوع، قليلة بالكم، تشبه إلى حد بعيد تجربته الشعرية في قصيدة “غرف الروح” التي جاءت في 27 صفحة من ديوان “طال الشتات” للشاعر نفسه.
“منتصف الليل” قصيدة واحدة في ديوان، أو مجموعة قصائد وحّدها العنوان في الديوان، رغم التنوع الفكري وغنى الصور الشعرية التي قدمها النص في فقراته المتصلة، وهو ما ينطبق أيضًا على “غرف الروح” التي تنوعت فيها المواضيع بصورة تجعل منها أكثر من قصيدة واحدة، رغم أنها جاءت كذلك.
وانطلاقًا من العنوان الذي جاء خادمًا مطيعًا للموضوع، يحمل “منتصف الليل” إيقاعًا نفسيًا مظلمًا إلى حد بعيد، فالشاعر يتحدث عن “الموت مرتديًا قلائد من أقفال”، وعن “ضفتي الحزن والمسرة”، و”الحياة المخبأة”، وسكون الغموض وسكون الاحتمالات و”سكون يشبه مرور العين على سطور رسالة من مجهول”.
ينجو النص لدى مريد البرغوثي من سجن القافية، ويحافظ على تمرده وحريته بما يمنح مساحة بين الشعر والنثر دون نفي للشاعرية، فيبدو مناخ النص فلسطينيًا وإن لم يبُح الشاعر بذلك صراحة، بالنظر إلى حياة طويلة عاشها الشاعر في المنفى.
في أحد مقاطع الديوان، يقول مريد البرغوثي، “الحياة مخبأة في مكان قريب، أعرف، لكن هل أبحث عنها كالدبوس؟ كالزر الساقط من ثوب؟ كخاتم في التراب؟ هل أستأنف نومي ساعة أخرى لأكمل رؤيتها في الحلم؟”، وفي هذا السرد غير القصير عن الحياة وكينونتها غير الواضحة بنظر الشاعر تناص أدبي مع نص آخر للشاعر بعنوان “الشهوات” حمل شهوة ورغبة وتعطشًا للحياة ووصفها بـ”إبريق ماء تبلل فخاره بالندى”.
مريد البرغوثي شاعر وأديب فلسطيني، من مواليد عام 1944 قرب رام الله في الضفة الغربية، درس اللغة الإنجليزية قبل أن يتجه للكتابة ويصدر ديوانه الشعري الأول عام 1972 بعنوان “الطوفان وإعادة التكوين”.
جمعت مريد البرغوثي علاقة صداقة عميقة مع الرسام الفلسطيني الراحل ناجي العلي، والكاتب الراحل غسان كنفاني، كما بدأ مشواره الشعري في وقت مبكر، وكتب أولى قصائده الموزونة وهو لا يزال طفلًا.
توفي مريد البرغوثي في شباط 2021، تاركًا خلفه إرثًا أدبيًا وشعريًا يصل إلى نحو 18 كتابًا يتراوح مضمونها بين الشعر والنثر، وتميل بمعظمها نحو بلاده وقضيتها التي تحضر في مسموع ومرئي ومقروء بوسائل إعلام العالم منذ أربعينيات القرن الماضي، وتكتسح نشرات الأخبار منذ عام على الأقل، حين بدأت إسرائيل حربها على غزة في 7 من تشرين الأول 2023، موقعة منذ ذلك الوقت أكثر من 43 ألف قتيل.