يقدم المسلسل المصري “جزيرة غمام” مجموعة من وجهات النظر حول قراءة دور الدين في الحياة اليومية، وقراءة الحياة نفسها من الزاوية الدينية، لأهالي الجزيرة المصرية المطلة على البحر قبل عقود مضت.
وفي سبيل نقل وجهات النظر هذه، تظهر في الجزيرة مجموعة من المشايخ أو من يعتبرون أنفسهم رجال دين، كل منهم يفسر القضايا من منظوره الشخصي.
والقضية أن الشيخ مدين، إمام الجزيرة، يوزع قبل موته تركته على تلاميذه الثلاثة، فيمنح بيته ليسري، ولمحارب مكانه في إمامة الجامع، بينما يحظى عرفات بالسبحة (المسبحة) الخاصة بالشيخ.
ومع مرور الأيام، يمعن كل واحد من التلاميذ الثلاثة في تطبيق وجهة نظره، ويغرق في ذاته، فيتجه محارب، إمام الجامع الجديد، لتشكيل شبه تنظيم مسلح ليفرض على الناس دينهم، ويتدخل في حياتهم اليومية، وبيعهم وشرائهم وسهرهم ولباسهم، بحجة تطبيق الشريعة، رغم أن الغرض الحقيقي الذي لا يخفيه العمل، التعطش للقوة والنفوذ، فالشيخ غير زاهد بمتاع الدنيا، ويروم زعامة الجزيرة.
في هذا الوقت، ينهمك يسري في الأعمال وكتابة “الحجُب” وتقديم المشورة للسيدات بسبب حبه المكبوت للنساء، فيجالسهن ويستمع إلى قضاياهن تحت غطاء الدين.
بينما يذهب عرفات، التلميذ الثالث للشيخ الراحل، بعيدًا عن هذه الأساليب، فيزهد في الحياة، ولا يتمسك بحرفية الخطاب، على اعتبار أنه يستمد التأويل من قلبه، ورؤيته الذاتية للدين والدينا، فيغلب عليه التسامح والود، وتغيب العدائية الظاهرة لدى رفيقي دربه.
كل هذه الأحداث، تسبق قدوم جماعة من الغجر تستقر على الشاطئ، وتشتغل في إلهاء الناس وإبعادهم عن حياتهم، والتحكم بمصايرهم بالسحر والشعوذة، ما يضع الرفاق الثلاثة أمام تحدٍ يتجلى في هزيمة الغرباء “طرح البحر”.
وإن بدا موجهًا نحو آلية تفسير خطاب ديني وتمييزه عن غيره، فمسلسل “جزيرة غمام” لا يخلو من الرسائل السياسية، على اعتبار أن الغرباء الذين حلوا بالمكيدة على الجزيرة، يمثلون بصورة أو بأخرى احتلالًا كما يبدو في العمل، ويطمعون في السيادة، ويسعون لتقسيم الجزيرة، كما أن الانسياق خلف الغريب على حساب الأهل وأبناء الجزيرة الذين يتشاركون ما لا يحصى من القواسم المشتركة، لن يعود بالخير على الجزيرة وأهلها.
بالإشارة إلى النص المكتوب بعناية، والحوارات الجذابة التي لا تغيب عن حلقة من حلقات المسلسل الـ30، والموسيقا التصويرية الملائمة لبيئة العمل النفسية، فـ”جزيرة غمام” يبدو للمشاهد كرحلة، لا يمضي بها ويعيشها عرفات فقط، لكنها توقظ أفكار المشاهد، الرقيب على صراعات يعرضها العمل مع النفس الأمّارة بالسوء، والشيطان، والملذات والشهوات، وتخلق تساؤلًا في مكان ما، وتمنح جوابًا في الآخر دون خروج أو إنكار لسنن الحياة.
مسلسل “جزيرة غمام” من تأليف عبد الرحيم كمال، وإخراج حسين المنباوي، وبطولة كل من أحمد أمين، ومي عز الدين، وفتحي عبد الوهاب، وطارق لطفي، ومحمد جمعة، ووفاء عامر، ومتاح للمشاهدة عبر منصة “شاهد”.