عنب بلدي – هاني كرزي
رغم الإنجازات الكبيرة التي حققوها في كرة القدم، يغيب مدربون كبار عن الساحة، بعضهم بلا عمل منذ سنوات ويقضون حياتهم بعيدًا عن ضجيج “المستديرة”، وهناك من اتجه إلى نوع آخر من النشاط خارج نطاق التدريب، بينما ينتظر آخرون عقودًا تعيدهم إلى دائرة الضوء.
وتختلف الظروف التي تسببت في رحيل المدربين، فمنهم من ترك منصبه لخلاف مع الإدارة حول سياسة الفريق، وآخرون طالبت الجماهير برحيلهم، بسبب تراجع النتائج.
أبرز الغائبين
موقع “فوتبول 365” استعرض قائمة أبرز المدربين الكبار الغائبين عن الساحة الكروية مع انطلاق الموسم الجديد في الدوريات الأوروبية الكبرى، بعضهم بسبب نهاية عملهم مع أنديتهم في الموسم الماضي، وآخرون ما زالوا دون وظيفة جديدة منذ فترة ليست بالقصيرة.
يتصدّر الفرنسي زين الدين زيدان، المدير الفني السابق لفريق ريال مدريد الإسباني، قائمة أكثر المدربين الذين استمروا دون وظيفة، منذ رحيله عن تدريب النادي الملكي للمرة الثانية، في صيف عام 2022.
زيدان حقق إنجازًا مع النادي الملكي، حين فاز معه بلقب دوري أبطال أوروبا لثلاث سنوات متتالية، إضافة إلى فوزه بلقبين في الدوري الإسباني، وبالتالي فإن سجله لا تشوبه شائبة، ورغم ذلك ما زال بلا عمل.
ويبدو أن زيدان انتقائي للغاية، وفق ما ذكره موقع “فوتبول 365″، حيث حصل على عدة عروض للتدريب مع باريس سان جيرمان ومانشستر يونايتد وتشيلسي، لكنه رفض تلك العروض، وبالتالي فإن احتمال عودته إلى عالم التدريب يضعف، كلما طال رفضه للعودة إلى مقاعد البدلاء.
ماسيميليانو أليجري، أقيل من منصبه في أيار الماضي، بعد فوز يوفنتوس بكأس إيطاليا أمام أتالانتا بسبب “بعض السلوكيات في أثناء وبعد نهائي كأس إيطاليا”، التي اعتبرها النادي غير متوافقة مع قيم يوفنتوس، والسلوك الذي يجب على أولئك الذين يمثلونه أن يتبنوه.
ومع ذلك، يبقى أليجري مدربًا كبيرًا فاز بستة ألقاب في الدوري الإيطالي كمدير فني، إلى جانب العديد من البطولات الأخرى.
المدرب الألماني الشهير توماس توخيل، أصبح أيضًا عاطلًا عن العمل، بعد أن وقع ضحية للعنة هاري كين، وفشل في تحقيق أي لقب الموسم الماضي مع نادي بايرن ميونيخ.
يعد الألماني يواكيم لوف واحدًا من 21 مدربًا فقط فازوا بكأس العالم، لكن ذلك لم يشفع له للعودة إلى كرة القدم على مستوى الأندية أو المنتخبات حتى الآن، بعد تنحيه في عام 2021 عن منصبه مع منتخب ألمانيا، الذي شغله لمدة 15 عامًا، وهي أطول فترة لمدرب مع منتخب أوروبي.
ورغم دخول لوف في دائرة اهتمامات عديد من الأندية والمنتخبات لتولي مسؤوليتها، فإنه حتى الآن لم يعثر على وظيفة جديدة.
جاريث ساوثجيت ما زال أيضًا عاطلًا عن العمل، حيث رحل عن تدريب المنتخب الإنجليزي، بعد خسارة نهائي بطولة كأس أمم أوروبا “يورو 2024” أمام المنتخب الإسباني، بهدفين مقابل هدف، وهو الذي تولى المهمة منذ عام 2016، ولكنه فشل في التتويج بأي لقب مع منتخب الأسود الثلاثة، وخسر نهائيين في كأس أمم أوروبا.
رغم معرفة ساوثجيت الجيدة بالكرة الإنجليزية، ووجود كثير من الأندية التي تحتاج إلى خدماته، وعلى رأسها مانشستر يونايتد الذي أقال مدربه الهولندي، إريك تين هاج، قبل أيام، فإن الشياطين الحمر أو أي نادٍ آخر لم يفكروا بالتعاقد مع ساوثجيت رغم خبرته الطويلة في عالم التدريب.
تشافي هيرنانديز بعد عامين ونصف قضاهما في تدريب النادي الكتالوني، غادر منصبه في برشلونة الإسباني خلال الصيف الماضي، بعد خلاف مع إدارة النادي، على الرغم من اتفاقه في البداية على الاستمرار في الموسم الجديد، ولكن في النهاية أقيل من منصبه بسبب اختلاف وجهات النظر.
قائمة المدربين الكبار الذين ما زالوا بلا عمل تطول، ومنهم أيضًا رافا بينيتيز، وسيرجيو كونسيساو، وإدين ترزيتش، وجراهام بوتر، وديفيد مويس، وروجر شميدت.
كيف يقضون حياتهم؟
في الوقت الذي ما زال فيه كبار المدربين بلا عمل، يتساءل كثيرون كيف يقضي هؤلاء وقتهم، وكيف هي حالتهم النفسية وهم عاطلون عن العمل.
صحيفة “الجارديان” البريطانية قابلت عددًا من المدربين الذين ما زالوا بلا عمل، حيث قالوا إن محنة المدرب العاطل عن العمل ظاهرة غريبة، فهي تنتقل من خسارة المنصب إلى الوحدة، وكثيرًا ما يخوض المدرب كفاحًا طويلًا يائسًا للعودة إلى العمل، وقد تستمر هذه المحنة إلى الأبد، ولكنها دائمًا صعبة، وعادة ما تبدأ بالطرد من العمل.
مارك ماكجي، درب العديد من الأندية الإنجليزية خلال فترة التسعينيات، ومنها وولفرهامبتون، وريدينغ، وليستر سيتي، ليصف شعوره بعد أسبوع من إقالته من تدريب وولفرهامبتون بـ”القاسي”.
وقال المدرب ماكجي لـ”الجارديان”، “كنت أقود سيارتي على طول الطريق المزدوج الذي يمر خلف ملعب مولينيو معقل نادي وولفرهامبتون، وعندما مررت بالسيارة، كانت هناك مباراة قائمة، لقد جعلني ذلك أبكي، فقبل أسبوع واحد فقط، كنت ملك القلعة هناك، وها أنا ذا أقود السيارة، وكل شيء يحدث في غيابي. لقد كان الأمر مؤثرًا للغاية وأنا أسمع هتافات الجماهير للنادي وأنا بعيد عنه”.
وختم المدرب ماكجي قائلًا، “كلما طالت فترة غيابك، زادت احتمالات نسيانك في عالم التدريب”.
وأضافت “الجارديان”، “هكذا إذًا يشعر المدربون السابقون بعد إقالتهم وبقائهم بلا عمل، حيث يعانون من الحزن والإحباط والخيال، فالهوس المستمر على مدار الساعة باختيار اللاعبين وكيفية تحسين الفريق، يتحول في صباح اليوم التالي إلى المشي مع الكلب، ومشاهدة التلفاز بعيدًا عن عالم كرة القدم”.
على المستوى الذهني، قد يكون الأمر أسوأ من ذلك، فقد اختفت روح الرفقة مع اللاعبين، والعمل المستمر للمدرب على مدار الأسبوع العمل، ودخل المدرب في مرحلة الصدمة والاكتئاب، حيث اعتبر بعض المدربين أن ترك التدريب أشبه بالانسحاب من المخدرات فجأة بعد إدمان طويل.
سلبيات بقاء المدرب بلا عمل لا تقتصر على الجانب النفسي بل تشمل المادي أيضًا، حيث قالت “الجارديان”، إن المدربين الذين لم يجمعوا مبالغ ضخمة، سيواجهون مشكلات بعد إقالتهم، فهم بحاجة إلى سداد الرهن العقاري وإطعام أسرهم.
قال آلان باردو، وهو مدرب إنجليزي مخضرم، لـ”الجارديان”، إن إعادة التأهيل للمدرب بعد الإقالة تتألف من ثلاث مراحل، الأولى هي عطلة طويلة أو انقطاع كامل عن كرة القدم للابتعاد عن الضغوطات، ثم هناك فترة من التأمل الصادق، إذ تسأل نفسك عما قد تفعله بشكل أفضل في المرة المقبلة، وأخيرًا مرحلة البحث عن فريق وهي بحاجة إلى جهد.
وفي هذا السياق، قدّم ستيوارت ماكجريجور، المدير الإداري لشركة “Football Careers”، وهي شركة تعمل على تقديم خدمات استشارية للأندية والمدربين، ثلاث توصيات رئيسة للمدربين العاطلين عن العمل.
أولًا، يجب على المدرب تسويق نفسه جيدًا، ثانيًا، يجب عليه أن يُشغل نفسه بالعمل الذي سيثبت أنه مفيد، مثل زيارة الأندية وحضور المباريات واستكشاف المواهب، ثالثًا، يجب عليه أن يتعلم كيف يقدم نفسه بشكل جيد أمام إدارة النادي التي تطلب التعاقد معه.
عمل من نوع آخر
في الوقت الذي ابتعد فيه كثير من المدربين عن عالم التدريب، اتجه بعضهم للعمل في أمور أخرى، فالمدرب الألماني يورجن كلوب، ترك عالم التدريب، وقرر أن يصبح مدافعًا عن حقوق اللاعبين.
في نهاية تموز الماضي، أعلن كلوب اعتزاله التدريب رسميًا بعد تسع سنوات قضاها مع ليفربول الإنجليزي، وعقب ذلك قرر الاتجاه نحو عمل من نوع آخر.
وقال موقع “فلاش سوكر” الرياضي، إن شركة مشروبات الطاقة “ريد بول” تعاقدت في تشرين الأول الماضي مع المدرب كلوب، الذي سيصبح مستشارًا للإشراف على مجموعة من الأندية في لايبزيج ونيويورك وسالزبورغ، اعتبارًا من كانون الثاني المقبل.
وقال كلوب (57 عامًا)، إنه يأمل أن يكون صوتًا للاعبين في دوره الجديد مع “ريد بول”، من خلال تسليطه الضوء على قضايا رعاية اللاعبين.
ووصف كلوب وظيفته الجديدة بأنها “رائعة”، وقال إنه يتوقع أن يتولى مجموعة واسعة من المسؤوليات، بما في ذلك الدعوة إلى رعاية اللاعبين، مشيرًا إلى أنه سيضغط بقوة لتخفيف ضغط المباريات الذي يرهقهم.
بدورها، قالت صحيفة “التايمز” البريطانية، إن المدرب زين الدين زيدان انتقل من عالم التدريب إلى توجيه أبنائه.
وأضافت “التايمز” أن زيدان يعمل على تطوير مستوى أولاده في كرة القدم، فابنه لوكا يحرس مرمى إيبار الإسباني، وابنه الآخر ثيو في خط الوسط لفريق ريال مدريد كاستيا.
الابن الثالث لزيدان يدعى إلياس، يوجد مع فريق الشباب لريال مدريد في مركز الظهير الأيسر، وفي دفاع منتخب فرنسا تحت 19 عامًا، أما ابنه الرابع والأكبر إنزو فكان لاعبًا في ريال مدريد وألافيس، قبل أن يقرر الاعتزال في أيلول الماضي.
في المقابل، اتجه بعض المدربين الذين لم يجدوا عملًا في مجال التدريب نحو التحليل، وتعاقدوا مع بعض وسائل الإعلام الرياضية للقيام بتحليل المباريات ضمن الدوريات التي كانوا ينشطون فيها، وبالتالي استطاعوا تأمين مصدر دخل لهم، وبنفس الوقت بقوا في دائرة كرة القدم ريثما يعودون لعالم التدريب.