عنب بلدي – حسن إبراهيم
تمكنت السيدة السورية جمانة المقيمة في ألمانيا من شراء سيارة بعد جمعها نحو 2700 يورو، عبر “جمعية” مشتركة مع جاراتها وصديقاتها، معتبرة أنها كانت الطريقة الأنسب لادخار المال، وقضاء بعض الاحتياجات المالية المكلفة.
لم تستطع جمانة ادخار المال بنفسها، وتعذّر عليها جمع المال في حصالات نقود منزلية، إذ كسرت العديد منها بعد فترات زمنية قصيرة، وتنظم “الجمعيات” أو تشترك فيها، في تقليد اعتادته خلال السنوات الماضية.
السيدة التي تشرف على “جمعية”، قالت إنها وسيلة لحل الأزمات، وفك الضائقة المالية للأشخاص، وفيها التزام ومسؤولية، بعيدًا عن الاستدانة أو القروض التي قد تؤرق وتربك العائلات، وترتب عليهم فوائد ومبالغ إضافية تعقّد حالة الخروج من ديونهم.
“الجمعية” تطلق على نشاط بين مجموعة من الأشخاص، يدفعون بموجبة مبلغًا من المال، بشكل متساوٍ، ويحصل أحدهم على المبلغ بحسب قرعة أو اتفاق مسبق، وتكون “الجمعية” أسبوعية أو شهرية أو سنوية، بحسب رغبة المشتركين.
وتعد “الجمعية” تقليدًا يتبعه السوريون في بلدهم وخاصة الموظفين، وهدفها تلبية احتياجات كبيرة وإنجاز مشاريع تحتاج إلى تكلفة مالية، منها تجهيز منزل أو فتح محل تجاري أو شراء بضائع أو مقتنيات مرتفعة الثمن أو ذهب الادخار، ونقلوا هذا التقليد إلى بلدان اللجوء والاغتراب.
التزام وحافز
قالت السيدة، إنها اشتركت وأدارت عدة “جمعيات” في ألمانيا، مضيفة أن أقلها يجب أن تتضمن عشرة أشخاص، حتى يكون المبلغ “جيدًا”، وأكثرها 15 شخصًا حتى لا تكون مدتها طويلة وحساباتها مربكة.
السبب الأبرز لإنشاء هذه “الجمعيات” هو صعوبة التوفير لدى الأشخاص، وفق جمانة، فهناك سيدات لا يستطعن ادخار المال، أو التحكم بالمصروف، وفي حال توفرت مبالغ بين أيديهن، فإنهن يصرفنها على الملابس أو الأحذية أو العروض والتنزيلات، لذلك فإن “الجمعية” تلزمهن وتضع عليهن مسؤولية الدفع في الوقت المحدد، وتشكل لهن حافزًا بعدم الإفراط في المصروف.
وأوضحت أن الدفع يختلف بين “جمعية” وأخرى، تبعًا لحالة الشخص المالية وعمله وراتبه، ويبدأ مبلغ الدفع من 100 حتى 1000 يورو، لافتة إلى أن ازدياد المبلغ مرتبط بحجم الهدف المنشود لكل شخص.
وذكرت أمثلة عن هدف سيدات في دخول “الجمعية” معها، منها شراء “موبايل” أو سوار ذهب للادخار، أو تجديد غرفة نوم أو أثاث منزل، أو استخراج رخصة قيادة سيارة، أو شراء سيارة كما فعلت جمانة.
ويكون توقيت دفع المبلغ من كل شخص وفق الاتفاق، فمنها يكون في 5 أو 15 من كل شهر، مؤكدة أن كل الأشخاص يجب أن يكونوا محل ثقة وعلى معرفة ببعضهم، لافتة إلى أن وجود أشخاص يتأخرون في الدفع يجعل “الجمعية” مربكة ومكروهة.
من الأمثلة التي طرحتها جمانة، أن سيدة طلبت الاشتراك في “الجمعية”، لأن مشروعها التجاري خسر وترتبت عليها ديون، وأرادت إيفاءها عبر “الجمعية” معتبرة أن ذلك أفضل من سحب قرض ما يضع عليها فوائد ويزيد ديونها.
الثقة أساس “الجمعية”
حسين (32 عامًا)، شاب سوري يقيم في لبنان، اعتاد الاشتراك في “جمعيات” مع أصدقائه الذين يعملون معه في مطعم، معتبرًا أن الثقة عنصر أساسي لإنشاء أي “جمعية”، بعد التأكد من قدرة الأشخاص على الوفاء بالالتزام حتى لو توقفت أعمالهم، خاصة في بلد يعيش منذ سنوات حالة عدم استقرار اقتصادي أو عدم ثبات في فرص العمل.
ويشترك الشاب في “جمعية” مؤلفة من ستة أشخاص، مجموعها 1200 دولار أمريكي، يدفع كل واحد منهم مبلغ 200 دولار شهريًا، وتنتهي في ستة أشهر، لافتًا إلى أنه يعرف أربعة أشخاص منهم جيدًا، والشخص الخامس مشترك بضمانة وكفالة أحد الأربعة.
قال حسين لعنب بلدي، إن سبب دخول “الجمعية” يختلف بين شخص وآخر، فهناك من يريد شراء سيارة ليعمل عليها، أو شراء أرض في سوريا، مضيفًا أن سعر الدونم في قريته التي يسيطر عليها النظام بريف حلب يبلغ 1000 دولار، ومن خلال “الجمعية” يمكن شراء دونم من أجل البناء عليه لاحقًا.
وصف حسين “الجمعية” بـ”الطمرة” (الحصالة)، ولها إيجابيات عدة في تحقيق انفراجات مالية أو قضاء ديون، أو تنفيذ مشاريع لأصحابها غير القادرين على توفير مبالغ أو ادخار نقود بأنفسهم، وأعطى مثالًا أن أحد مشتركي “الجمعية” دخل من أجل توفير مبلغ لإنهاء أوراق ثبوتية في سوريا (تثبيت زواج واستخراج دفتر عائلي)، وشخص آخر للتجهيز لعرسه.
وفق حسين، لـ”الجمعية” جانب اجتماعي وفيها نوع من التكافل أو المساعدة المعنوية، إذ توزع أدوار القبض وفق قرعة، لكن في حال كان الشخص محتاجًا للمبلغ، فيمكن أن يكون اسمه أولًا بالتوافق، ثم تجري القرعة دونه، فيشعر الشخص أن رفاقه وقفوا إلى جانبه في أزمته أو احتياجه، وقدّروا ظرفه.
أما الشاب محمد المقيم في تركيا، فيرفض فكرة “الجمعية” بعد تجربة فاشلة خاضها، ووقوعه ضحية نصب في واحدة منها، إذ دخل بقيمة 50 دولارًا يدفعها كل 15 يومًا مع 20 شخصًا (مجموعها 1000 دولار)، دعاه صديقه إليها دون معرفته بالبقية، فهو يعرفهم من خلال العمل بمطعم وسوق تجارة الأجهزة الإلكترونية.
الشخص الذي حصل على المبلغ الأول على اعتبار أنه محتاج، ترك عمله وسافر، واكتشف البقية أنها حالة نصب، ولم يستطيعوا تحصيل مبالغهم، لكنها كانت خسارة غير مرهقة، وفق ما قاله الشاب لعنب بلدي، لأنها اتضحت من الدفعة الأولى.
ترتيب أولويات
اشتركت ماريا، وهي سيدة سورية تقيم في ألمانيا، بـ”جمعية” مع صديقاتها مؤخرًا، بدافع توفير مبلغ يلزمها لتغطية جزر من نفقات “معمودية” ابنتها في كنيسة للروم الأرثوذوكس، إذ تحتاج “المعمودية” إلى مصاريف من أجور كنيسة وضيافة وشموع توزع للضيوف تبقى معهم تذكارًا (سوفنيرات).
“المعمودية” هي طقوس لأتباع الديانة المسيحية، تقوم على غمس جسم الطفل أو جزء منه في الماء أو رشه، وبعضها يكون ذلك عنده بالتغطيس ثلاث مرات، ويقوم به الكاهن، ويقال إنه يطهر الطفل ويبرئه من الخطايا، ولا يفعل “المعمودية” بعض أتباع الديانة المسيحية.
وفق ماريا، تتألف “الجمعية” من عشرة أشخاص، بمبلغ كلي يصل إلى 1000 يورو، يدفع كل واحد منهم 100 يورو أسبوعيًا، وترى فيها وسيلة لترتيب الأولويات، وتوفير المال، لأنها من النوع الذي يصرف في حال توفرت النقود لديها.
مبلغ 1000 يورو عبر الالتزام بـ”الجمعية” أسهم بإزاحة هم مصاريف “المعمودية” وأراح ماريا من حسابات معقدة، ودفع عنها ضغط توفير المبلغ بنفسها، حسب قولها.
حملوا تقاليدهم معهم
تعد “الجمعية” واحدة من العادات والتقاليد التي نقلها سوريون من بلدهم إلى بلدان اللجوء والاغتراب، ويتوزع اللاجئون بغالبيتهم في تركيا (أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ)، تليها دول عربية وأوروبية منها لبنان والأردن والعراق وألمانيا.
وفي أحدث إحصائيات الأمم المتحدة، فإنه يوجد أكثر من 13 مليون سوري مهجر قسرًا، وفي عام 2023، نزح 174 ألف شخص آخرين داخل سوريا، ليصل العدد الإجمالي إلى 7.2 مليون نازح داخليًا، و6.5 مليون لاجئ وطالب لجوء في الخارج.
وشكّل السوريون في تلك البلدان مجتمعات تحمل خصوصيتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وأطلق بعضهم مشاريع تحمل هوية بلدهم الأم، كما اندمجوا مع المجتمع المضيف، رغم معوقات الاندماج وخطاب الكراهية في بعضها، وتسييس قضيتهم وشيطنتها في أخرى.
من الأمثلة على تلك العادات والتقاليد، افتتاح مطاعم بصبغة عربية في تلك الدول، أو مضافات وخيام عربية، أو إقامة حفلات زواج وأعراس شعبية، وحتى الصناعات والأعمال التجارية وغيرها.