بقيت ساعات على معرفة نتيجة الانتخابات الأمريكية المقررة اليوم، الثلاثاء 5 من تشرين الثاني، والتي يتنافس فيها على كرسي الحكم كل من دونالد ترامب المرشح عن الحزب الجمهوري، وكامالا هاريس المرشحة عن الحزب الديمقراطي.
ومع وصول الرئيس الأمريكي للحكم يقوم بتعيين وزراء حكومته وغيرهم من كبار المسؤولين، الذين يجلبون معهم أولويات وأفكارًا جديدة تتناسب مع إيديولوجية الرئيس وخططه.
وبعد ذلك يحاولون ترجمتها إلى سلوك سياسي يحققون من خلاله الأهداف التي يسعون لتحقيقها.
ويفتح ذلك باب التساؤلات حول كيف ستنعكس الإدارة الأمريكية الجديدة على المشهد السوري، وهل ستقدم شيئًا جديدًا عن الإدارات التي سبقتها خلال سنوات الثورة السورية.
خلال 13 عامًا من الثورة السورية تعاقب ثلاثة رؤساء على الإدارة الأمريكية، اثنان منهم من الحزب الديمقراطي، وهما باراك أوباما وجو بايدن، وواحد من الحزب الجمهوري وهو دونالد ترامب، وكان لكل منهم مواقف متباينة تجاه سوريا.
خط أوباما الأحمر
باراك أوباما كان أول رئيس أمريكي عاصر الثورة السورية، حيث استلم مهامه منذ 20 من تشرين الثاني 2009 واستمر لفترتين رئاسيتين حتى 20 من تشرين الثاني 2017.
أولى مواقف أوباما عقب بدء الثورة السورية، كانت حين صرّح في 13 من تموز 2011، أن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، “فقد شرعيته في نظر شعبه”، وذلك بعد هجوم لموالي النظام على مقر السفارة الأمريكية في دمشق، وفق ما نقلته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.
في 20 من آب 2012، وجه أوباما تحذيرًا للأسد من أن قيامه باستخدام أسلحة كيماوية أو بيولوجية في الصراع ضد فصائل المعارضة سيكون “خطًا أحمر”، ولكن ذلك لم يمنع النظام من تنفيذ عدة مجازر بالسلاح الكيماوي ضد المدنيين، بحسب “البيت الأبيض“.
أعنف هذه الضربات الهجوم الكيماوي على الغوطة الشرقية في 21 من آب 2013، وتسبب بمقتل 1144 شخصًا اختناقًا، منهم 1119 مدنيًا بينهم 99 طفلًا و194 سيدة (أنثى بالغة)، و25 من مقاتلي المعارضة، إضافة إلى إصابة 5935 شخصًا بأعراض تنفسية وحالات اختناق، وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
عقب تجاوز الأسد الخطر الأحمر لأوباما، خرج الأخير مهددًا بتوجيه ضربة عسكرية “محدودة” للأسد، لكنه في النهاية تراجع عن ذلك، واكتفى بالقبول بتدمير ترسانة النظام من السلاح الكيماوي بناء على قرار ملزم من مجلس الأمن، في 27 من أيلول 2013.
لم يكترث الأسد لقرار مجلس الأمن ولا لإدارة أوباما، بل استمر باستخدام الأسلحة الكيماوية، حيث نفذ 217 هجومًا كيماويًا على مختلف المحافظات السورية، منذ أول استخدام موثَّق لهذا السلاح في 23 من كانون الأول 2012 حتى 7 من نيسان 2024.
وتسببت بمقتل 1514 شخصًا بينهم 214 طفلًا و262 سيدة، إضافة إلى إصابة 11080 آخرين، وفق ما وثقته “الشبكة السورية لحقوق الإنسان“.
في تشرين الأول 2013، قال عضو مجلس الشيوخ، جون ماكين، إن مواقف أوباما في سوريا فصل مخزي في تاريخ أمريكا.
واتهم ماكين إدارة أوباما بعدم تنفيذ وعود قطعها الرئيس بتسليح المعارضة السورية، وخفض القدرات العسكرية للنظام السوري، والتي كانت ستؤدي لقلب ميزان القوى على الأرض، الأمر الذي سيقود لمفاوضات لفض النزاع ورحيل بشار الأسد عن السلطة.
في 10 من أيلول 2014، أعلن الرئيس أوباما عن تشكيل تحالف دولي للقضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق وسوريا.
خلال عشر سنوات من عمل التحالف في سوريا، نجح في تقليص نفوذ تنظيم “الدولة” للحدود الدنيا، لكن خطره بقي مستمرًا، إذ قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) في آب الماضي، إن تنظيم “الدولة الإسلامية” لا يزال يشكل خطرًا في المناطق التي تنتشر فيها مجموعاته، وخاصة في سوريا.
وذكر السكرتير الصحفي لـ”البنتاجون”، بات رايدر، خلال إحاطة صحفية، أن التنظيم لا يزال يشكل تهديدًا، لكنه بالتأكيد لا يملك نفس القدرة التي كان عليها قبل عشر سنوات، في حين أنه لا يزال يشكل تهديدًا اليوم.
في 9 من تشرين الأول 2015، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أن وكالة الاستخبارات المركزية في إدارة أوباما أنفقت نصف مليار دولار لخطة تقضي بتدريب 15 ألف مقاتل من فصائل المعارضة، لكنها لم تنجح إلا في تدريب العشرات، ثم أوقفت جهود تدريب تلك الفصائل لمحاربة تنظيم الدولة.
تعليقًا على سياسة أوباما تجاه سوريا، قال الإعلامي والسياسي السوري- الأمريكي، أيمن عبد النور، إنه كان أسوأ رئيس أمريكي خلال الثورة السورية، مشيرًا إلى أن أوباما لو كان جادًا في مواقفه ولم يسمح للأسد بتجاوز الخط الأحمر، لكان النظام السوري قد انتهى منذ عام 2013.
وأضاف عبد النور، لعنب بلدي، أن الضرر الذي ألحقه أوباما بالثورة السورية، لم يقتصر على فترة ولايته بل امتد لسنوات، فالرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، تابع سياسة أوباما، والمرشحة كامالا هاريس ستتابع سياسة أوباما أيضًا في حال فوزها بالرئاسة، لأن “نفس فريق الموظفين عمل لدى أوباما وبايدن، وسيستمر مع هاريس”.
ترامب أزعج الأسد
في الوقت الذي تغافلت فيه إدارة أوباما عن انتهاكات الأسد، كان دونالد ترامب أكثر صرامة مع النظام السوري، ففي 7 من نيسان 2017 أمر الرئيس الأمريكي حينها بقصف مطار الشعيرات العسكري في حمص بـ59 صاروخًا من طراز توماهوك، وهو المطار الذي يُعتقد أن النظام نفذ من خلاله هجومًا كيماويًا على المدنيين في خان شيخون بريف إدلب، بحسب بيان وزارة الدفاع الأمريكية.
جاء القصف بعد أقل من شهرين ونصف من وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وهو أول استهداف أمريكي مباشر لقوات النظام السوري، الأمر الذي اعتبره عضوا مجلس الشيوخ جون ماكين وليندسي غراهام دليلًا يثبت أن إدارة ترامب تستطيع اتخاذ القرارات المناسبة في سوريا بعكس سلفه أوباما.
في نيسان 2018، وصف ترامب بشار الأسد بالحيوان في تغريدة على “إكس“، ووعد بأنه سيدفع ثمنًا باهظًا، وذلك بعد مجزرة الكيماوي التي ارتكبها في دوما.
ترامب مارس سياسة صارمة ضد النفوذ الإيراني، واعتبر أن طهران أساس مشكلات المنطقة، وهي الخطر الأول الذي تجب مواجهته بقوة، وبالفعل قام بتشديد العقوبات عليها.
في 8 من أيار 2018، قرر ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران الذي وُقع في عهد أوباما، وأكد ترامب أن الاتفاق لم ينجح في وقف المساعي الإيرانية للحصول على السلاح النووي، أو ردعها عن مواصلة تطوير برنامجها للصواريخ البالستية.
لم يكتفِ ترامب بتشديد العقوبات على إيران، بل وجّه ضربة قوية لها، حين قام في 3 من كانون الثاني 2020، باغتيال القائد السابق لـ”فيلق القدس”، قاسم سليماني، في غارة جوية أمريكية قرب مطار بغداد، وهو ما كان له تأثير على الميليشيات الإيرانية في سوريا التي كان يقودها سليماني.
في 19 من كانون الأول 2018، أعلن ترامب أنه سيسحب قواته من كل الأراضي السورية، معتبرًا أنها حققت هدفها القاضي بإلحاق “الهزيمة” بتنظيم “الدولة الإسلامية”.
وبعد يوم واحد، تقدم وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس باستقالته من منصبه، وعقب أسبوعين قال مسؤولون في واشنطن إن ترامب تراجع عن قراره، وقرر تمديد خطة الانسحاب.
في آذار 2019، اعتبر الرئيس ترامب، أن على واشنطن الاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية المحتلة منذ 1967، في خطوة خطيرة لم يعترف بها المجتمع الدولي، وبرر ذلك بأن هذه المرتفعات ذات أهمية استراتيجية وأمنية بالغة لإسرائيل واستقرار المنطقة.
وتعليقًا على خطوة ترامب، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو عبر “إكس“، “في وقت تسعى فيه إيران لاستخدام سوريا منصة لتدمير إسرائيل، يعترف ترامب بشجاعة بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان”.
النقطة الأبرز في عهد ترامب في الملف السوري هي توسع تدخل القوات التركية في سوريا بعد قيام أنقرة بعمليتين عسكريتين ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، الأولى عملية “غصن الزيتون” عام 2018 في مدينة عفرين، والثانية في عام 2019 في منطقتي رأس العين وتل أبيض.
جاء ذلك عقب إعلان تركيا والولايات المتحدة في آب 2019، أنهما اتفقتا على إقامة “مركز عمليات مشتركة” لتنسيق وإدارة إنشاء “منطقة آمنة” شمالي سوريا.
في 17 من كانون الأول 2019، وافق مجلسا النواب والشيوخ في “الكونجرس” الأمريكي على تمرير قانون “قيصر”، وفي 21 من الشهر ذاته، أصبح قانونًا نافذًا بعدما وقع عليه ترامب، وبالتالي صار القانون جزءًا من قانون موازنة الدفاع الوطني الأمريكية للسنة المالية 2020.
واعتبر الإعلامي أيمن عبد النور، أن قانون “قيصر” الذي وقع عليه ترامب حقق أهدافًا كثيرة، فلو افترضنا عدم وجود القانون، لكانت دول الخليج تضع إيداعات مالية في المصرف المركزي السوري بقيمة خمسة مليارات دولار على سبيل المثال، كما فعلت مع تركيا ومصر، ما يسهم في إعادة إنعاش اقتصاد النظام المنهار، ولوجدنا الدول الأوروبية تعيد افتتاح سفاراتها مع النظام وتفتح أبواب التبادل التجاري معه.
وأضاف عبد النور أن وجود قانون “قيصر” منع النظام من تقوية قدراته العسكرية بالذخائر والأسلحة، وبالتالي بقي جيشه ضعيفًا وعاجزًا عن فتح أي معركة في شمال شرقي أو شمال غربي سوريا، مشيرًا إلى أنه رغم المفاعيل القوية للقانون، فإنه كان بحاجة للتطوير، لذلك طُرح قانون “مناهضة التطبيع مع الأسد”.
اقرأ المزيد: قانون “قيصر” على بعد خطوة من التمديد
بايدن يطيل عمر النظام
في الوقت الذي اتخذ فيه ترامب سياسة صارمة تجاه النظام السوري، اكتفى الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، بالتركيز على محاربة الإرهاب، بينما اتخذ في المقابل سلسلة قرارات أسهمت في إطالة عمر الأسد.
وذكر مركز “عمران” في دراسة تحليلية، أن استراتيجية إدارة بايدن تجاه الملف السوري، انحصرت في ثلاثة محددات: ملف الإرهاب، مكافحة الهجرة الجماعية، وتموضع سوريا في السياسة الخارجية التوسعية لروسيا، ما يعطي دلالة لانخفاض درجة أهمية الملف السوري للولايات المتحدة في عهد بايدن.
ولفتت الدراسة إلى أن بايدن ركز على التعاون مع الحكومات الإقليمية وتقديم الدعم للشركاء المحليين، لـ”منع تصدير الإرهاب من سوريا، والحد من الهجرة الجماعية، دون التطرق لملف التسوية السياسية، على عكس إدارة ترامب التي أعلنت عن نيتها لإنشاء “تسوية للحرب في سوريا تؤمن الظروف لعودة اللاجئين”.
من المواقف البارزة في عهد بايدن، أنه مهد الطريق أمام التطبيع مع الأسد، حيث أعادت الكثير من الدول العربية وعلى رأسها السعودية علاقاتها مع النظام السوري، الذي عاد كذلك للجامعة العربية.
في نيسان 2024، عرقل بايدن قانون مناهضة التطبيع مع النظام السوري، بعدما وافق الكونجرس عليه بأغلبية ساحقة، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل سعى بايدن لتخفيف حدة العقوبات التي كانت مفروضة على النظام السوري بموجب قانون “قيصر” في عهد ترامب.
وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، أن بايدن ترك الأسد بعيدًا عن المصيدة وبلا عقاب، رغم الانتهاكات التي قام بها، مشيرة إلى أن السياسة الرسمية لإدارة بايدن تتمثل في معارضة التطبيع مع الأسد، وخاصة من خلال العقوبات، حتى يتوقف عن الانتهاكات، لكن وراء الكواليس، تقوم الإدارة بتخفيف هذا الضغط بهدوء وعن عمد.
وقال المدير التنفيذي لـ”المنظمة السورية للطوارئ”، بكر غبيس، لعنب بلدي، إن إدارة بايدن لم تطبق الكثير من بنود “قيصر”، حيث تراجعت كثافة العقوبات المفروضة ضد النظام السوري وحلفائه، والتي يُفترض أن تصدر أسبوعيًا أو شهريًا على الأقل.
وبنفس الوقت، فإن قانون “قيصر” يؤكد على الوقوف ضد أي تطبيع مع النظام، لكن بايدن تغافل عن ذلك، بحسب غبيس، “لذلك نعمل مع وزارات الدفاع والخزانة والخارجية الأمريكية على ضمان تطبيق قانون (قيصر) وليس الاكتفاء بتمديده فقط”.
من جهتها قالت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية في نيسان 2024، إن الولايات المتحدة في عهد بايدن فتحت قنوات اتصال أمنية مع النظام السوري، حيث بات الأسد يعقد بين حين وآخر لقاءات مع ممثلي الإدارة الأمريكية رغم عدم وجود علاقات رسمية بين البلدين.
ما موقف الرئيس الجديد من سوريا؟
تتجه الأنظار اليوم الثلاثاء إلى الانتخابات الأمريكية، والتي قد تعرف نتائجها بعد ساعات من إغلاق صناديق الاقتراع، والمرشح الذي سيفوز بالانتخابات الرئاسية التي توصف بأنها الأكثر أهمية في الآونة الأخيرة، سيؤدي اليمين الدستورية في 20 من كانون الثاني 2025، ليغدو الرئيس الـ47 للولايات المتحدة.
السوريون يترقبون كذلك ما ستسفر عنه الانتخابات الأمريكية، التي سيكون لها انعكاس كبير على المشهد السوري، والذي زاد تعقيدًا عقب اندلاع حرب لبنان.
وحول السياسة المتوقعة للرئيس الأمريكي القادم، يرى أيمن عبد النور، أن كامالا هاريس نائبة الرئيس بايدن، هي جزء من الإدارة الحالية، وشاركت في جميع قرارات بايدن تجاه سوريا ولبنان وغزة والشرق الأوسط، وبالتالي فإن فوزها بالرئاسة يعني استمرارها على نفس سياسة بايدن، القائمة على تجميد الصراع في سوريا، والإبقاء على أربع حكومات منفصلة تدير المناطق في سوريا، وأيضًا عدم إقرار قانون مناهضة التطبيع.
وأضاف عبد النور، أن الأخطر من ذلك، أن هاريس ستصطحب معها في حال فوزها بالرئاسة، مستشارها فيليب غوردون، الذي سيصبح مستشار الأمن القومي الأمريكي، وهو شخص معروف أنه ضد الثورة السورية.
أما في حال فوز دونالد ترامب، فقال أيمن عبد النور، إن تغييرًا سيحصل في السياسات الأمريكية تجاه سوريا، لأنه سيقوم بتخصيص مبعوث رئاسي خاص للأزمة السورية، كما فعل خلال فترة رئاسته الأولى، على عكس بايدن الذي لم يعيّن مبعوثًا أمريكيًا إلى سوريا، وبالتالي يمكن في عهد ترامب إقرار قانوني “قيصر” (التمديد) ومناهضة التطبيع، ما يؤدي لمزيد من الضغط على النظام السوري.
وأشار عبد النور إلى أنه في حال فوز ترامب، فلن يرتكب الأخطاء التي وقع فيها خلال الدورة الأولى، حين قرر سحب الجيش الأمريكي من سوريا قبل أن يعيد إبقاءه، حيث أدى ذلك إلى تغيّر الخارطة العسكرية على الأرض.
وتوقع عبد النور أن يضغط ترامب أكثر لإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط، إضافة للضغط على إيران، وهو ما سيؤدي بشكل غير مباشر لتحجيم نفوذ “حزب الله” و”حماس”، ما ينعكس سلبًا على النظام السوري.
اقرأ المزيد: ما مواقف هاريس من سوريا.. مرشحة الديمقراطيين لرئاسة أمريكا