عنب بلدي – هاني كرزي
بعد غارات وقصف روسي للشمال السوري، منتصف تشرين الأول الماضي، وُصف على أنه الأعنف منذ أكثر من ثلاثة أشهر، انتشرت، خلال الأيام الماضية، صور وفيديوهات عبر صفحات موالية للنظام السوري، تتحدث عن إرسال الأخير تعزيزات عسكرية إلى محاور ريفي حلب وإدلب، ما فتح باب التساؤلات حول احتمالات عمل عسكري، وسط غياب أي توضيح رسمي من الأطراف الفاعلة على الأرض.
بالمقابل، تحدث مراقبون عن ضغط محلي على فصائل المعارضة في الشمال السوري، لاستغلال ظروف الضربات الإسرائيلية الموجهة إلى “حزب الله”، والقيام بعمل عسكري ضد قوات النظام، وانتشرت أنباء على مواقع التواصل الاجتماعي عن استنفار ورفع جاهزية لفصائل المعارضة.
وليس واضحًا ما إذا كانت التحركات الروسية أو تعزيزات النظام مرتبطة بخطوات استباقية، وتخوف من قيام الفصائل في الشمال بمبادرة لاستغلال الظروف المضطربة على جبهة لبنان، أو أن هناك نيات فعلية من أحد الطرفين للتصعيد.
تحركات على فترتين
الحديث عن عمل عسكري في الشمال السوري جرى تداوله على فترتين، الأولى مطلع تشرين الأول الماضي، وذكرت صحيفة “الوطن“ المحلية حينها، أن النظام رفع الجاهزية العسكرية على جبهاته في منطقة “خفض التصعيد” بأرياف إدلب وما حولها، تحسبًا لهجوم من “الإرهابيين”، على حد وصفها.
في المقابل، نزح 4280 شخصًا من مناطق في إدلب وريف حلب شمال غربي سوريا، بحسب ما وثقه “فريق منسقو الاستجابة” في الشمال السوري.
وأوضح الفريق الإنساني عبر بيان، في 3 من تشرين الأول الماضي، أن حركات النزوح تأتي “وسط مؤشرات احتمالية عملية عسكرية في المنطقة”.
أما الموجة الثانية من الأنباء عن احتمالات حدوث عمل عسكري فكانت نهاية الشهر نفسه، حيث تناقلت قنوات على “تلجرام” ومجموعات على “واتساب” معلومات عن تحضيرات لفصائل المعارضة لشن عمل عسكري باتجاه ريفي إدلب الشرقي وحلب الغربي.
كذلك شهدت الأيام الماضية تحركات عسكرية لقوات النظام شمال غربي سوريا، ما أسهم في تعزيز تلك الأنباء.
وذكر المشرف على “المرصد 80“ المتخصص برصد التحركات العسكرية، “أبو أمين”، لعنب بلدي، أنه جرى رصد إرسال النظام معدات عسكرية، تشمل قذائف مدفعية وصاروخية، إضافة إلى حركة كثيفة لطيران الاستطلاع والمسيّرات الانتحارية، مشيرًا إلى أنه لم يجرِ رصد إرسال قوات مشاة جديدة للنظام.
وأضاف مشرف المرصد أن النظام أرسل المعدات العسكرية باتجاه ريفي إدلب الشرقي والجنوبي على محاور سراقب ومعرة النعمان، إضافة إلى رصد تعزيزات باتجاه قرى وبلدات عنجارة وعاجل وعويجل وكفرناها وايكاردا والطلحية والكسيبية والبوابية، وكفر حلب في ريفي حلب الجنوبي والغربي.
ولفت إلى أن تلك التعزيزات وصلت إلى “الفوج 46″ و”الفرقة 25″ و”الحرس الجمهوري” و”لواء القدس” بريف حلب.
من جهته، قال الباحث في مركز “حرمون للدراسات” نوار شعبان، إن مصادر عسكرية على الأرض، أكدت رصد تحركات عسكرية للنظام لم يقم بها منذ ستة أشهر، وتحديدًا على جبهات سراقب والأتارب والأبزمو، مشيرًا إلى أن تلك التعزيزات هدفها رفع الجاهزية لدى النظام في حال فُرض عليه عمل عسكري، وبنفس الوقت هناك تجهيزات عسكرية لفصائل المعارضة.
وأضاف شعبان، لعنب بلدي، أن النظام أرسل، قبل شهر، تعزيزات عسكرية لتأمين خطوط التماس، وسد الفراغ الناجم عن انسحاب ميليشيات إيران و”حزب الله” باتجاه لبنان أو الحدود السورية، لكن قبل أيام “بدأنا نلاحظ على حسابات النظام والمواقع الموالية نشر صور وفيديوهات لحشود عسكرية.
وتابع أن قوات النظام قامت بردم بعض الخنادق لتتيح لها التقدم البري، ما يعني أن النظام غيّر خطط تعزيزاته من الحالة الدفاعية إلى الهجومية.
ما علاقة حرب لبنان؟
بعد ساعات من إعلان إسرائيل بدء العملية البرية جنوبي لبنان، مطلع تشرين الأول الماضي، تحدثت أخبار عن تحضيرات لفصائل المعارضة لشن عمل عسكري باتجاه مواقع قوات النظام في الشمال السوري.
قال الخبير العسكري العقيد عبد الجبار العكيدي، إنه عقب بدء الحرب الإسرائيلية على لبنان، وجدت فصائل المعارضة أن الفرصة سانحة أمامها لشن عمل عسكري، مستغلة حالة الضعف لدى النظام السوري، عقب انسحاب أعداد كبيرة من ميليشيات “حزب الله” من جبهات ريفي حلب وإدلب باتجاه لبنان أو الحدود السورية، والتي كانت تعتبر داعمًا عسكريًا لقوات النظام.
وأضاف العكيدي لعنب بلدي أن “حزب الله” لجأ إلى التخفي في سوريا خوفًا من استهدافه، كما أن مقتل كبار قادة “الحزب” أثر على الحالة النفسية لدى عناصره الذين بقوا في سوريا، إضافة إلى تلقي النظام السوري وميليشياته ضربات عسكرية استهدفت مستودعات الأسلحة وخطوط الإمداد والمعابر الحدودية.
وأشار العكيدي إلى أن السبب الثاني الذي عزز أنباء العمل العسكري، أن هناك ضغطًا شعبيًا من الحاضنة على الفصائل لفتح معركة ضد النظام، واستعادة السيطرة على القرى والبلدات في ريفي إدلب الشرقي وحلب الغربي، أملًا في العودة لبيوتهم والتخلص من الخيام قبل دخول الشتاء.
عقب بدء الهجوم البري الإسرائيلي على جنوبي لبنان، أعاد “حزب الله” عددًا من قواته العاملة في عدة بلدان عربية، على رأسها مجموعات من فرق النخبة ووحدات المهام الخاصة في سوريا، في حين شهدت ثكنات عسكرية تابعة للنظام ومواقع مستقلة في المحافظات السورية الجنوبية انتشارًا لمجموعات من “حزب الله”، وإعادة تموضع في مواقع كانت قد أخلتها خلال العام الحالي.
وقال موقع “صوت العاصمة“، في 19 من تشرين الأول الماضي، إن “حزب الله” أخلى جميع المقار والمستودعات من معسكري “الطلائع” و”الخُميني” في الزبداني بريف دمشق، وانسحب عناصرها إلى مكان مجهول.
كما قالت وكالة “الأناضول” التركية، في 18 من تشرين الأول الماضي، إن “حزب الله” نقل المئات من عناصره من سوريا باتجاه لبنان، مشيرة إلى أن عناصر “الحزب” انسحبوا من دير الزور وريف دمشق وحماة وحمص.
معركة مرتبطة بتفاهمات دولية
في آذار 2020، توصلت روسيا وتركيا إلى اتفاق جديد لـ”خفض التصعيد” في الشمال السوري، نص على وقف إطلاق النار على طول خط المواجهة بين النظام والمعارضة.
الاتفاق تضمن حينها إقامة ممر أمني على بعد ستة كيلومترات شمال الطريق الدولي السريع الرئيس في إدلب (4M) وستة كيلومترات جنوبه، وهو الطريق الذي يربط المدن التي يسيطر عليها النظام السوري في حلب واللاذقية، إضافة إلى نشر دوريات روسية- تركية مشتركة على طول الطريق، ابتداء من 15 من آذار من العام نفسه.
سبق هذا اتفاق آخر وقعته روسيا وتركيا ضمن اتفاقية “أستانة” عام 2017، لـ”خفض التصعيد”، تبعته اتفاقية “سوتشي” في أيلول 2018، ونصت على وقف إطلاق النار في محيط إدلب، لكن هذه الاتفاقيات تُنتهك بشكل متكرر.
ويرى الباحث السياسي والعسكري في مركز “جسور للدراسات” عبد الوهاب عاصي، أن مسار “أستانة” نجح فعليًا في إرساء تهدئة طويلة الأمد، وبناء نظام لوقف إطلاق النار وعرقلة أي عمل عسكري، وهو ما تعثّرت به سابقًا جميع التفاهمات الدولية السابقة.
وأكد عاصي، لعنب بلدي، أن هذه التهدئة لم تنجح إلا بعد توقيع اتفاق “موسكو” في آذار 2020، أي بعد أكثر من محاولة لتعزيز نظام وقف إطلاق النار بتفاهمات ثنائية بين تركيا وروسيا دون إيران، ثم إلحاق هذه التفاهمات بمذكرة “خفض التصعيد” التي تعد من المخرجات الرئيسة للمسار.
في السياق ذاته، قال عبد الجبار العكيدي، إنه لم يطرأ أي تغيّر بحسب المعلن على التفاهمات الروسية- التركية في أستانة وسوتشي، وبالتالي بقاء تلك الاتفاقيات على حالها يمنع أي عمل عسكري، إذ إن حدوث ذلك مرتبط بالتفاهمات الإقليمية والدولية وليس بقوة الفصائل العسكرية أو بضعف النظام السوري وميليشياته.
وأضاف العكيدي أن الطرف الروسي ما زال حاضرًا بقوة في سوريا، وهو يعتبر أحد العراقيل التي تحد من قدرة فصائل المعارضة على تنفيذ عمل عسكري، وبالتالي فإن بدء تلك المعركة من طرف الفصائل يتطلب حصول اتفاق تركي- روسي، يُفضي إلى تحييد الطيران الروسي عن تأمين الغطاء الجوي للنظام، لأن أي عمل عسكري تشارك فيه روسيا ستكون له نتائج قاسية على المدنيين.
وأكد العكيدي أن أي عمل عسكري في الشمال السوري مرتبط بتفاهمات دولية تمتد من الجنوب إلى الشمال ومن الغرب إلى الشرق، وسيكون مرتبطًا حتى بمستقبل لبنان ومصير “حزب الله” في سوريا ولبنان، وبالتالي قرار العمل العسكري ليس بيد فصائل المعارضة وحدها.
بدوره، قال نوار شعبان، إنه لا نية لأحد الطرفين (النظام والمعارضة) أن يكون هو المبادر بالعمل البري، لأنهما يدركان أن ذلك سيكون مجهدًا جدًا لهما في ظل الظروف الأمنية الحالية، ولكن كلا الجانبين رفع الجاهزية للتحرك في حال فُرضت عليه أي معركة.
ولفت شعبان إلى أن فصائل المعارضة لديها تحديات تمنعها من فتح عمل عسكري، فالدعم العسكري غير موجود، والعامل السياسي لا يقف لمصلحة شن العمل البري، والقدرة على التعامل مع الطيران الروسي من قبل الفصائل غير موجودة.
رسائل روسية
في منتصف تشرين الأول الماضي، شهد الشمال السوري تصعيدًا عسكريًا هو الأعنف منذ أكثر من ثلاثة أشهر، إذ شنت المقاتلات الحربية الروسية أكثر من 25 غارة جوية خلال 24 ساعة على مناطق متفرقة من شمال غربي سوريا.
وبحسب “المرصد 80“، المتخصص برصد التحركات العسكرية، حصل التصعيد الأعنف في 14 من تشرين الأول، حين تناوبت سبع طائرات حربية روسية على قصف أرياف شمال غربي سوريا، عبر 15 غارة استخدمت خلالها 21 صاروخًا فراغيًا.
وذكر مشرف المرصد لعنب بلدي أن المواقع المستهدفة كانت قريبة من المخيمات، ولم تكن نقاطًا عسكرية كما يدّعي النظام السوري.
التصعيد الروسي جاء بعد هدوء لأكثر من ثلاثة أشهر، وقبلها، كانت آخر غارة روسية على شمال غربي سوريا، في 10 من تموز الماضي، استهدفت حينها بالصواريخ الفراغية محيط قرية الحمامة بريف جسر الشغور غربي إدلب.
ومنذ ذلك الحين، كان الطيران الروسي يقتصر على طلعات جوية استطلاعية، بينما كانت قوات النظام السوري وميليشياتها تقصف بشكل شبه يومي الشمال السوري، عبر المدفعية والمسيّرات الانتحارية.
تعليقًا على التصعيد الروسي، قال الباحث في الشؤون العسكرية بمركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني، إن الهدف توجيه رسائل تحذيرية لفصائل المعارضة، بألا تستغل الظرف الذي يعاني منه النظام في ظل التصعيد الإسرائيلي، وتحاول التقدم والاستيلاء على مناطقه، حيث تعتبر موسكو أن “الفصائل ستواجه حينها ردًا روسيًا عنيفًا”.
وأضاف حوراني لعنب بلدي، أن روسيا تريد من وراء هذا توجيه رسالة لتركيا، أنها (أي موسكو) على استعداد لتقديم الدعم لحماية النظام والدفاع عنه ضد أي تحرك عسكري للفصائل، وبأنها غير راضية عن أي عمل يخل بالاتفاقيات المتعلقة بشمال غربي سوريا بين أنقرة وموسكو.
ووصفت صحيفة “الوطن” المحلية المقربة من النظام السوري، استهداف روسيا بكثافة لريفي إدلب واللاذقية، أنه بمثابة رسالة تحذير لفصائل المعارضة من مغبة الإقدام على “أي تهور”، وخصوصًا أن “هيئة تحرير الشام” تعمد إلى حشد مقاتليها على جبهات القتال بهدف شن عمل عسكري واسع باتجاه نقاط قوات النظام.