من أدرنا إلى دورتموند.. سوري يروي تفاصيل “رحلة الموت”

مهاجرون في مركز استقبال أولي في مدينة آيزنهوتن شتات الألمانية (Patrick Pleul/DPA)

camera iconمهاجرون في مركز استقبال أولي في مدينة آيزنهوتن شتات الألمانية (Patrick Pleul/DPA)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسن إبراهيم

منهك الجسد، رث الثياب، أشعث الشعر، منحني الكتفين، جالسًا على مقعد في محطة قطارات “دورتموند” شمالي ألمانيا، بجانبه كيس بلاستيكي فيه خبز وماء، وصل الشاب السوري “محمد” إلى بر “الأمان الألماني”، بعد رحلة “موت” استمرت 28 يومًا، بطريق “غير نظامي” بدأ من تركيا مرورًا بغابات أوروبا.

خوف الموت والبرد والخطف والسرقة، شعور لازم الشاب منذ بدأت رحلته مع قطع “التيل الحدودي” بين أدرنا التركية وبلغاريا حتى وصوله إلى محطة “دورتموند”، حين استقبله أحد معارفه وانتقل به إلى مركز لاستقبال اللاجئين.

وعود “المهرّب” للشاب صاحب الـ19 عامًا بأن “الطريق ذهب وأمان، والوصول إلى ألمانيا يكون عبر شاحنة خلال ثلاثة أيام” لم تكن صادقة، وكانت لحظات الموت والرعب لا تفارقه، كما أن طول الطريق والوقت أرّق عائلته النازحة إلى ريف حلب.

قصة الشاب الواصل إلى ألمانيا منتصف تشرين الأول الماضي واحدة من قصص لسوريين جازفوا ولا يزالون يجازفون بحياتهم للوصول إلى ألمانيا، بعيدًا عن شمال غربي سوريا الذي لا تهدأ نيران التصعيد فيه، وعن تركيا حيث ضاقت بهم سبل استخراج الأوراق الثبوتية، وطالهم التضييق وخطاب الكراهية.

طريق الموت.. مخاوف وألم

كانت نقطة الانطلاق من أدرنا التركية الحدودية مع بلغاريا، حيث قطع “المهرّب” السلك الحدودي، ليعبر “محمد” برفقة 13 شخصًا (بينهم ثلاثة أطفال 12 و13 و17 عامًا)، ويواصلوا طريقهم في غابات بلغاريا لمدة ثلاثة أيام، كانت الأصعب خلال الرحلة، وفق الشاب.

“سمعنا أصوات وحوش لم أسمع بها في حياتي، كان شبح الموت يطاردنا في كل لحظة، وكانت التساؤلات تدور بيننا، هل نموت هنا؟ كيف يموت الناس في الغابات؟ من البرد؟ أم من الوحوش؟ أم من الجوع والعطش؟”، قال الشاب لعنب بلدي.

بعد الأيام الثلاثة، كانت تنتظرهم سيارة نقلتهم إلى صوفيا عاصمة بلغاريا، ثم سيارة أخرى نقلتهم إلى رومانيا، والقاسم المشترك بين السيارتين أنهما تتسعان لأربعة أشخاص، بينما حملتا 13 شخصًا تكدسوا فوق بعضهم.

قال الشاب الذي طلب عدم ذكر اسمه الحقيقي، إنهم اضطروا في رومانيا لعبور نهر عبر قارب مطاطي (بلم) مدة 20 دقيقة، ثم مشوا إلى قرب حدود دولة المجر، والتحق بهم ثمانية أشخاص، ليصبح العدد 22 شخصًا.

وخلال محاولة الدخول عبر شاحنة إلى المجر، ألقت الشرطة الرومانية القبض عليهم، ونقلتهم إلى مركز للاجئين، لكن الشاب هرب من المركز (الكامب) وحاول الدخول إلى المجر مرة ثانية مع تسعة أشخاص.

بالتنسيق مع “المهرّب” وعبر رقم دولي يمتلكه الشاب، وصلت سيارة وأدخلتهم إلى المجر ثم النمسا، ثم سيارة أخرى إلى ألمانيا، بتكلفة دفعها “محمد” وصلت إلى 12500 يورو (نحو 465 ألف ليرة تركية)، معظمها ديون راكمها على عائلته.

بعد وصوله إلى ألمانيا، وتلقي المساعدة من بعض الأشخاص عبر حجز بطاقات مواصلات له للانتقال إلى دورتموند، لا يزال الشاب يشعر بألم في رجليه، من أثر التكدس داخل السيارات التي أقلت المجموعة خلال تنقلها.

استقر الشاب لمدة يومين عند أحد أقربائه، واستطاع التواصل مع أهله وطمأنتهم، لأن رقمه الدولي لم يكن يعمل في كثير من الأوقات خلال رحلة “التهريب”، كما توجه إلى مركز استقبال اللاجئين، ليبدأ “حياة جديدة من نقطة الصفر”.

“لا أوراق ولا أمان”

تفكير “محمد” بالهجرة إلى ألمانيا وطلب اللجوء فيها، جاء بعد أربع سنوات قضاها في تركيا، فشل خلالها في الحصول على أوراق ثبوتية تبقيه بشكل قانوني على أراضيها، إذ لم يستطع استخراج بطاقة “حماية مؤقتة ” (كملك)، كما حاول ثلاث مرات التقديم للحصول على تصريح عمل، لكن طلباته قوبلت بالرفض، دون معرفة الأسباب.

عاش الشاب في حالة قلق دائمة، فكان حريصًا على عدم الخروج أو التجول إلا ضمن الأحياء القريبة من مكان سكنه في مدينة اسطنبول، خشية توقيفه من عناصر الشرطة أو طلب أوراق ثبوتية منه، أو خشية تعرضه لأي حادث عنصري، بعد تكرار وقوع حوادث اعتداء على سوريين بدوافع عنصرية.

وأضاف “محمد” أن تدني الوضع الاقتصادي وقلة الراتب الذي لم يتجاوز 28 ألف ليرة تركية (815 دولارًا أمريكيًا)، مقابل عمل 12 ساعة في مصبغة للملابس، وارتفاع تكاليف المعيشة، وعدم قدرته على تحويل مبلغ لإعالة عائلته، كلها أسباب دفعته للتفكير في الهجرة رغم المخاطر.

وذكر أنه في حالات المرض، لم يستطع زيارة المستشفى لأنه لا يملك أوراقًا ثبوتية، ويلجأ إلى شراء أدوية من الصيدليات تساعده في تسكين وتخفيف الألم.

لفت الشاب إلى أنه اختار ألمانيا لأنها قبلة اللاجئين الباحثين عن حياة آمنة ومستقرة، إضافة إلى ما توفره من بيئة حاضنة للسوريين، ودعمها لهم بدءًا من السكن إلى اللغة إلى التدريس والتدريب المهني، وضمان حقوقهم.

ويقدّر عدد اللاجئين السوريين في ألمانيا بنحو 972 ألف لاجئ حتى نهاية عام 2023، وفقالمكتب الإحصائي الاتحادي في ألمانيا، بينما يبلغ عدد سكان ألمانيا نحو 82 مليون نسمة، ويعيش فيها حوالي 13.9 مليون أجنبي، وفق إحصائية حتى كانون الأول 2023.

وتعد ألمانيا من الدول التي رحبت باللاجئين السوريين على أراضيها، ومنحتهم حق العمل والوصول إلى الفرص التعليمية والمهنية، وقدمت لهم دورات اندماج ومشورات قانونية ومساعدات عدة.

وتتعدد وجهات السوريين للبحث عن حياة أفضل، رغم المخاطر في طرق البر والبحر، وكان تحقيق لعنب بلدي و”سيريا إنديكيتور”، وثّق الظروف غير الإنسانية للاحتجاز التعسفي بمراكز احتجاز المهاجرين في ليبيا، وتعذيب المحتجزين جسديًا ونفسيًا بشتى الوسائل، من دون إحالتهم إلى القضاء، إضافة إلى ابتزازهم قبل وفي أثناء الاحتجاز، وصولًا إلى مساومة ذويهم لإطلاق سراحهم مقابل المال.

الشمال السوري خارج الحسابات

رفض “محمد” فكرة العودة إلى الشمال السوري لأن المنطقة منهكة حسب قوله، لافتًا إلى أن عائلته تقطن في منزل بريف حلب الشمالي، منذ مطلع 2020، بعد نزوحها من ريف إدلب الشرقي، عقب سيطرة قوات النظام على المنطقة، ومنذ ذلك الحين، فقدوا مصدر الدخل وهو ما تنتجه أرضهم الزراعية من محاصيل موسمية.

وذكر أن أشقاءه الثلاثة يعملون بأجور يومية لا تتجاوز الـ120 ليرة تركية بالزراعة أو بالإنشاءات وهي غير ثابتة، وبالكاد يسدون احتياجات العائلة، من مواد غذائية ولباس وتدفئة وطبابة، مضيفًا أن فرص الحصول على عمل مستقر معدومة.

ويعيش قاطنو الشمال السوري أوضاعًا اقتصادية ومعيشية متردية، فـ30% منهم يعتمدون على العمل اليومي (غير المنتظم) كمصدر دخل أساسي وثانوي، وفق دراسة أجرتها “وحدة تنسيق الدعم“.

وفق الدراسة، فإن 20% من السوريين في تلك المناطق يدفعون إيجارات سكن تفوق ثلث متوسط الرواتب، و61% من العائلات لديها ديون، بينما 75% من الأسر لا يمكنها توفير أي مبالغ خلال الشهر.

يسكن شمال غربي سوريا 5.1 مليون شخص، منهم 4.2 مليون بحاجة إلى مساعدة، و3.6 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، 3.5 مليون منهم نازحون داخليًا، ومليونان يعيشون في المخيمات، وفق الأمم المتحدة، في حين تتحدث إحصائيات محلية عن 5.5 إلى 6  ملايين شخص.

إلى جانب الأوضاع الاقتصادية المتردية، تشهد مناطق الشمال السوري وخاصة القريبة من خطوط التماس الفاصلة بين مناطق سيطرة قوات النظام السوري و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) حالة قصف شبه يومي بوتيرة غير ثابتة.

واستجابت فرق “االدفاع المدني السوري“، منذ بداية العام الحالي حتى 13 من تشرين الأول الماضي، لأكثر من 728 هجومًا من قبل قوات النظام وروسيا وحلفائهما على مناطق شمال غربي سوريا.

وتسببت هذه الهجمات بمقتل 67 مدنيًا، بينهم 18 طفلًا وثماني نساء، وإصابة 277 مدنيًا بينهم 114 طفلًا و34 امرأة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة