عنب بلدي – ديان جنباز
بعد أن تلقاهما كهدية من أحد أصدقائه بمناسبة عيد ميلاده، منذ ثلاث سنوات، يرتدي الشاب العشريني أحمد بيوش سوارًا (بلاك) في يده وسلسلة معدنية في رقبته، وباتا جزءًا من مظهره اليومي.
الشاب الجامعي المقيم في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، يرى أن ارتداء “الإكسسوارات” بين الشباب لا يرتبط فقط بالمظهر الجذاب، بل أصبح جزءًا من “الموضة” الرائجة التي يتبعها العديد من أقرانه، مشيرًا إلى أن هذه الظاهرة تعكس تأثر الشباب بتطورات العصر.
واعتبر أحمد أن هذه “الإكسسوارات” أكثر من مجرد زينة، إذ إنها تحمل قيمة معنوية خاصة، تذكّره بصديقه الذي أهداه إياها، وتعزز من روابط الصداقة بينهما، حسب قوله لعنب بلدي.
لا تغيب عن الأنظار مشاهدة “الإكسسوارات” من سلاسل وقلائد بين الشبان في مناطق الشمال السوري، ويعتبرها بعضهم مواكبة لـ”الموضة” التي لا تقتصر على اللباس، كما يرى آخرون
أنها تعكس أسلوب حياتهم ومظهرهم الخارجي، وفيها تعبير عن حرية شخصية، ووسيلة لإبراز الهوية الفردية، ولا يخلو الأمر من انتقادات على اعتبار أن ارتداء الشباب لـ”الإكسسوارات” فيه تجاوز للعادات والمعايير الاجتماعية والثقافية.
حرية شخصية وذكرى
يمان السيد (27 عامًا)، صاحب صالون حلاقة في ريف إدلب، قال لعنب بلدي، إنه يجد في ارتداء السلاسل وسيلة للتعبير عن شخصيته، وإنها تضيف لمسة من الأناقة إلى مظهره الخارجي، وتبرز ذوقه.
استلهم يمان هذه العادة من بعض الفنانين والمؤثرين الذين يتابعهم، معتبرًا أن ارتداء السلاسل هي حرية شخصية، وأصبحت جزءًا من “موضة” الشباب، ولا تعد سلوكًا سيئًا.
وذكر أن “الإكسسوارات” صارت هدايا بين الأصدقاء، وتقدم في المناسبات والأفراح، وهي تذكار مميز بين الأشخاص.
من جانبه، يرتدي الشاب وليد (29 عامًا) في مدينة سرمدا “سُبحة” في رقبته منذ أربع سنوات، لا تظهر بشكل واضح إلا في حال الاقتراب منه، معتبرًا أنها ذكرى “غالية” على قلبه من والدته التي توفيت عقب نزوحهم من معرة النعمان إلى شمالي إدلب.
قال وليد لعنب بلدي، إنه لم يواجه انتقادات من وضعها في رقبته، لكنه لا يحب إظهارها على أنها “موضة” أو “إكسسوار”، فقيمتها تتعدى المظهر الخارجي.
أما الشاب وائل (24 عامًا) من ريف إدلب الشرقي، فيرى أن “الإكسسوارات” تعطي إضافة إلى مظهر الشاب، لكن دون أن يصل الأمر إلى التشبه بالنساء، معتبرًا أن النظارات الشمسية أو الساعة أو الخاتم “إكسسوارات” كافية لإطلالة مميزة، دون وجود أساور أو سلاسل في الرقبة.
أخلاقيات المجتمع
يلقى ارتداء “الإكسسوارات” بعض الانتقادات، خاصة من قبل الأجيال الأكبر سنًا، الذين يرون في هذا التوجه تمردًا وتعديًا على القيم الاجتماعية التقليدية، وابتعادًا عن أخلاقيات المجتمع.
يرفض علي شهاب (46 عامًا) فكرة ارتداء “الإكسسوارات” بين الشباب، وقال لعنب بلدي، إن ارتداءها هو شكل من أشكال التشبه بالنساء، وهو أمر لا يتماشى مع قناعاته الدينية.
وأضاف أن هذه “الإكسسوارات” تشكّل نوعًا من الإسراف في المال على أمور يعتبرها غير ضرورية، حسب قوله.
من جانبه، تحدث أحمد الجاسم (26 عامًا) عن رفضه القاطع لارتداء الرجال السلاسل، معتبرًا أنها غير مقبولة من الناحيتين الدينية والاجتماعية.
وقال لعنب بلدي، إن هذه “الإكسسوارات” تعد زينة مخصصة للنساء، وإن ارتداءها من قبل الرجال يؤدي إلى تداخل بين مظهر الرجل والمرأة.
وأضاف أن ارتداء السلاسل قد يكون أحيانًا وسيلة للتفاخر، والتشبه بأمور لا تتماشى مع القيم التي تدعو إلى التواضع والاعتدال.
الفضة أكثر رواجًا
تنشط في مناطق الشمال السوري محال و”بسطات” وحتى صفحات تواصل اجتماعي تبيع “الإكسسوارات” الرجالية والنسائية، سواء المحلية ويدوية الصنع أو المستوردة.
مدين دربالة، صاحب محل لبيع “الإكسسوارات” الرجالية في مدينة اعزاز، قال لعنب بلدي، إن الإقبال على شراء سلاسل الفضة هو الأكثر رواجًا بين الشباب، مشيرًا إلى وجود أنواع تقليدية من “الإكسسوارات” مثل “الذهب الروسي” و”الروديم”.
وأضاف أن المحل يوفر “بلاكات” وسلاسل تباع بالوزن، ويقارب سعر الغرام 2.5 دولار أمريكي، بالإضافة إلى وجود طقم كامل (بلاك وسلسلة) يتراوح سعره بين 30 و100 دولار أمريكي.
ويعادل الدولار الواحد 34.5 ليرة تركية، وهي العملة المتداولة في المنطقة، بينما يعادل الدولار نحو 15200 ليرة سورية.
ولا تعد الأسعار في المتناول، إذ لا تتجاوز الأجرة اليومية للعامل في المنطقة بأحسن الأحوال 100 ليرة تركية (ثلاثة دولارات)، وسط قلة في فرص العمل.
وذكر مدين أن اختيارات الزبائن تختلف بناء على تفضيلاتهم الشخصية، وإمكانياتهم المادية، حيث يفضّل بعضهم “الإكسسوارات” المصنوعة من مواد معينة أو بتصاميم خاصة تعكس ذوقهم، مشيرًا إلى أن الطلب عليها متوسط.
وبحسب تقرير نشرته شركة “panaprium” الألمانية، فإن السلاسل أو القلائد من “الإكسسوارات” الشعبية التي يرتديها العديد من الرجال لأسباب مختلفة، منها تعزيز المظهر، أو التعبير عن الشخصية، أو ترمز إلى شيء مهم بالنسبة لمرتديها.
ومن أسباب ارتداء السلاسل تعزيز الثقة، والشعور والتعبير عن الانتماء لقضية أو دين أو مذهب، مثل علامات التعريف أو الشارات أو الخواتم، التي تحدد هوية مرتديها كعضو في منظمة معينة (مثل جيش أو فريق رياضي أو جمعية) وكذلك لجذب الانتباه، والتباهي والشعور بالفخر، وفق التقرير.
زينة قديمة
تعد زينة الرجال مثار جدل وتساؤلات على خلفية دينية، فهناك ما هو حرام وحلال في الدين الإسلامي، إذ يحرم على الرجال التحلي بالذهب، ويباح لهم اتخاذ خاتم من فضة، ولا مانع شرعًا من لبس الرجل سلسلة من الفضة، لما ورد من إجازة جماعة من الفقهاء، إذا كان مما لا يختص بالنساء عُرفًا، وليس فيه دلالة على التّخنث، وإلا فلا، ويتأكد الجواز إذا كان لحاجة معتبرة، كأن يكون فيها تعريفه وعنوانه لمن يحتاج إلى ذلك، وفق “دار الإفتاء المصرية“.
وظهرت مجوهرات الرجال منذ حوالي 30 ألف عام عندما قام الناس بربط الأصداف وأسنان الحيوانات، ومع الاكتشافات، تغيرت المواد المستخدمة يوميًا إلى معادن غنية وأحجار، وما إلى ذلك.
وكان الملوك والأباطرة يرتدون المجوهرات الذهبية على شكل قلائد وخواتم و”إكسسوارات” أخرى للجسم، كما أن الرجال في الماضي كانوا يحبون ارتداء طبقات من المجوهرات، وبعض الكتب واللوحات والقصص القديمة دليل على ذلك.
ويمكن ملاحظة المجوهرات الرجالية في المنحوتات الكهفية والكتب واللوحات والاكتشافات الأثرية، وكان المصريون أول من استخدم الذهب والفضة والأحجار الكريمة في صناعة المجوهرات بين الحضارات المختلفة، ولعل أقدم مثال على استخدام المجوهرات الرجالية هو خاتم “الفراعنة الكلاسيكي”، ومع ذلك، فإن التاريخ اليوناني استخدم على نطاق واسع صناعة المجوهرات.