عنب بلدي – جنى العيسى
يشعر بائع المنظفات أنور بالحيرة بعد أن اكتشف أن المادة التي استوردها لصناعته في إنتاج المنظفات غير مطابقة للمواصفات المتفق عليها مع التاجر التركي، مع عدم قدرته على التصرف بها، فلا يمكن إعادتها للتاجر ولا يمكنه استخدامها في صناعته.
قال أنور الحسين، الذي يعمل في مجال صناعة المنظفات منذ 30 عامًا، إن معظم منتجي المنظفات يتعرضون للغش بشكل متكرر من المعامل التركية التي تورد لهم مواد أولية نصف مصنعة بنسبة شوائب عالية جدًا، خلاف المتفق عليه، وبعد وصول الطلبية وتسلمها، لا يمكن إعادتها للمنتج التركي، إذ لا توجد جهة تحمي التجار وتدافع عن حقوقهم في هذا السياق.
ويعاني منتجو مواد المنظفات في إدلب من نقص حاد في المواد الأولية التي تعتمد عليها الصناعة، وصعوبة في تأمين بدائل، ومحاولات إدخال بعض المواد عبر طرق التهريب، ما يؤدي إلى تعرضهم لغش واستغلال في الأسعار.
مواد مغشوشة
تعتبر مساحيق الغسل من أهم منتجات مصانع المنظفات لكثرة الطلب عليها في الأسواق المحلية، مقارنة بالأصناف الأخرى، وتعتمد صناعة تلك المساحيق بالدرجة الأولى على المادة المبيضة والحبيبات الفعالة المستوردة التي يتم خلطها بكميات كبيرة بالملح.
أوضح أنور الحسين لعنب بلدي أن مادتي حمض السيلفاميك والتريبولي تمثلان 95% من المواد الأولية التي تعتمد عليها مصانع المنظفات، وتستوردها من المعامل الموجودة في تركيا.
أضاف أنور أن التجار يحاولون التواصل مع المعامل التركية لطلب هذه المواد دون وجود الملح فيها، لكن المعامل توردها بخلاف المواصفات المتفق عليها.
ويؤدي استخدام هذه المواد المخلوطة بالملح إلى “عدم تطابق منتجاتنا مع المواصفات القياسية المقررة من الجهات المختصة”، إذ يعتبر وجود الملح نوعًا من أنواع الغش، بحسب المنتج أنور.
من جانبه، قال كرم كرم، العامل في مجال صناعة المنظفات، إن 80% من المواد الأولية المستوردة ذات تركيز غير سليم، لافتًا إلى أنه يستورد المواد الأولية على ألا تتجاوز نسبة الملح فيها 5%، لكن بعد إدخالها من المعبر وتحليلها يتبين أن نسبة الملح فيها 40%.
وبحسب كرم، توجد في الأسواق منتجات أولية مصرية، لكن أسعارها مرتفعة جدًا، ويصل سعر الطن الواحد منها إلى 900 دولار أمريكي، بينما سعر الطن التركي 300 دولار، أما المنتجات الصينية فلا يمكن استيرادها، لأن هذه المواد لا تتحمل النقل البحري لمدة طويلة من الزمن، وتتعرض للتلف مع مرور الوقت.
وأضاف كرم، “كنا سابقًا نحضر هذه المواد من المعامل السورية” مثل معمل “السيلفاميك” التابع لشركة “مدار” للمنظفات ومعمل “ناسا” في دمشق، وهما ينتجان المواد الأولية لصناعة المنظفات بجودة عالية.
جودة منخفضة
يمنع الجانب التركي إدخال بعض أنواع المواد الأولية لصناعة المنظفات، بحجة أن هذه المواد تستخدم في الصناعات الحربية، لذلك يسعى منتجو المنظفات للحصول على بدائل عبر طرق التهريب، ما يؤدي إلى ضعف جودة المنظفات في إدلب.
رئيس الجمعية الحرفية للمنظفات في إدلب، يوسف عيدان، قال إن بعض المواد الأساسية لتصنيع المنظفات “محظور علينا استيرادها من الجانب التركي”، مثل الكلور السائل وهيبوكلوريد الصوديوم وروح الخل.
وأضاف رئيس الجمعية لعنب بلدي، أن الحل البديل دخول بدائل لهذه المواد، مثل الحصول على هيبوكلوريد الكالسيوم بدلًا عن هيبوكلوريد الصوديوم بطرق غير شرعية (التهريب)، لكن هذا يؤدي إلى تضاعف الثمن وانخفاض الجودة ما ينعكس بشكل سلبي على المستهلك.
وضعت الجمعية مديرية الصناعة ووزارة الصناعة في إدلب بصورة هذا الوضع عدة مرات، موضحة أن عدد المواد التي يحتاج إليها الشمال السوري للتصنيع يصل إلى 200 صنف محظور في مختلف الصناعات مثل الغذائية والدوائية، وهناك تواصل مع الجانب التركي لحل هذه المشكلة.
مدير العلاقات العامة في وزارة الاقتصاد بحكومة “الإنقاذ”، مضر العمر، قال في تصريح لعنب بلدي، إن المواد الأولية لصناعة المنظفات تدخل بشكل دوري من تركيا، وجميع المواد اللازمة لصناعة المنظفات متوفرة، على حد تعبيره.
وأضاف العمر أن الحكومة تعمل على ضبط جودة هذه المواد من خلال منع استيراد المواد الأولية الرديئة، والاستعاضة عنها بإدخال مواد أولية بنوعية مناسبة، للحصول على المنتج بجودة عالية.
وبحسب العمر، أصدرت الوزارة مواصفات قياسية لجميع أنواع المنظفات، وعمّمتها على مصنعي المنظفات، للحصول على منتج بجودة عالية وسعر يتناسب مع الأهالي، قائلًا، إن أي مادة لها ضرر مباشر على المستهلك “قمنا بمنعها واستبدلناها بمواد بديلة عنها وبالسعر نفسه تقريبًا”.
مطالب بإنشاء معمل
تمر صناعة المنظفات بمرحلتين، الأولى إنتاج المواد النصف مصنعة، ثم يأتي دور المنتج لإكمال عملية التصنيع في معمل المنظفات، وكانت معامل المنظفات في سوريا تحصل على المواد النصف مصنعة من معمل “السيلفاميك” التابع لشركة “مدار” ومعمل “سانا” في دمشق.
المنتج أنور الحسين قال، “مشكلتنا الأساسية هي الحصول على المواد النصف مصنعة”، ويمكن حل هذه المشكلة بإنشاء معمل بالتعاون بين منتجي المنظفات والحكومة.
بدوره، قال رئيس الجمعية الحرفية لصناعة المنظفات، يوسف عيدان، إنه يمكن إنتاج المواد الأساسية “النصف مصنعة” في الشمال السوري، إذ تتوفر الخبرات والمواد الأولية، لكن تكلفة إنشاء هذه المعامل مرتفعة جدًا ولا يغامر المستثمرون بمثل هذه الاستثمارات في مثل هذه الأوضاع التي نعيشها.
أدت حالة الحرب التي تعاني منها سوريا إلى ضعف البنى التحتية في الصناعة، وغياب بيئة آمنة للاستثمار، وصعوبة الحصول على المواد الأولية التي تعتمد عليها مختلف الصناعات، ما عرقل عمليات الإنتاج، وأدى إلى الاعتماد على طرق غير شرعية للحصول على المواد الأولية، ما سمح بالتلاعب بمواصفات هذه المواد.
المستوردات غير مضبوطة.. الجودة متأثرة
لا تعد صناعة المنظفات الوحيدة التي تعاني من تدفق مواد أولية بجودة سيئة، إذ يشتكي صناعيون في مجالات مختلفة من الأمر نفسه، دون حلول من شأنها تخفيف تكلفة الإنتاج والحفاظ على جودة المنتج النهائي في وقت واحد.
تؤثر جودة المواد الأولية على جودة المنتجات النهائية بشكل مباشر، وفي حال كانت المواد الأولية ذات جودة منخفضة، فإن هذا قد يؤثر على سمعة المنتج النهائي وقدرة تسويقه والعملية التجارية بشكل عام، بالإضافة إلى وجود آثار صحية لبعض المنتجات، وفق ما أكده الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر.
وفيما يتعلق بالشمال السوري على وجه الخصوص، من الملاحظ تراجع في جودة بعض المواد الأولية المستوردة، وهذا الأمر يمكن أن يعود لغياب مؤسسات رسمية تعنى بجودة المستوردات.
وأوضح السيد عمر لعنب بلدي، أن ضمان جودة المستوردات على اختلاف أنواعها يكون من مسؤولية وزارة التجارة الخارجية، والمؤسسات المتخصصة في المقاييس والمعايير.
ونظرًا إلى غياب مؤسسات كهذه في الشمال السوري أو تراجع فاعليتها، فإن ذلك انعكس على سهولة استيراد أي منتجات بغض النظر عن جودتها، وفق الباحث.
بسبب ضعف الرقابة الحكومية، قد تباع المواد الأولية منخفضة الجودة بسعر عالية الجودة، والمسؤولية النهائية تتحملها المؤسسات الحكومية.
يحيى السيد عمر
باحث في الاقتصاد السياسي
فيما يتعلق بآثار استيراد المواد منخفضة الجودة، فإنها تمتد لتشمل خسائر اقتصادية تتمثل بمنتجات نهائية منخفضة الجودة، وقد يسيء ذلك إلى سمعة منتجات الشمال السوري، ما يؤثر سلبًا على تسويقه، إضافة إلى دفع التجار لاستيراد منتجات نهائية ذات جودة عالية، وبالتالي تضرر قطاع الصناعات التحويلية في المنطقة، بحسب السيد عمر.
شارك بإعداد هذا التقرير مراسل عنب بلدي في إدلب أنس الخولي