جريدة عنب بلدي – العدد 55 – الأحد – 10-3-2013
«العقاب الجسدي يولد الرياء الاجتماعي»
كثيرًا ما نسمع هذه العبارة «التربية فنّ» كما هو معروف في مجال التربية والتعليم. ومن هنا يأتي السؤال الذي يخالج أفكارنا: كيف لهذا الفن أن يتحقق فعليًا في ظل الصعوبات التي يواجهها التربويون والعاملون في مجال التربية والتعليم؟ خصوصًا مع صعوبة طباع بعض الأطفال وصعوبة ما يواجهون في هذه الأيام.
أما السؤال الأهم، والذي طالما يهزّ مضاجع البعض ويشغل تفكير البعض الآخر، ما هو الطريق الأنسب للتعامل مع التلاميذ والأطفال في المدرسة أو في المنزل وما هو الطريق الأفضل والأكثر فاعلية في هذا النطاق الحساس؟
يجيب البعض: إن أفضل الطرق وأقصرها والتي تعطي مفعولًا واضحًا وناجعًا، العقاب الجسدي! أما البعض الآخر: فهو يرحب بالطرق الأطول، الاستماع، الصبر والإرشاد.
قد يكون العقاب البدني هو وسيلة فعالة، لا بل وسيلة ناجعة وفاعلة في زمن قياسي لا تسابقه عليه أي وسيلة أُخرى، ولكن هذه الوسيلة أثبتت فشلها، لأن الطفل الذي عُوقب خلال سنة كاملة، مازال يتابع الفعل نفسه، والمربي لم يزل يستعمل هذه الوسيلة التي اتخذها لحظية ليس إلا.
وإن كان العقاب بأشكاله المختلفة يعطي في بدايته نتائج إيجابية سريعة، لكن علينا أن نعرف أن ما نزرعه على هذه الأرض اللينة التي هي الطفل، لن تُعطي إلا ثمر العنف والتمرد، إن لم يكن في الوقت ذاته سيظهر في وقت آخر وبشكل أكثر عنفًا مستقبلًا. فهذه الطريقة ليست هي الأمثل، بل هي التي تعلّم الطفل المكر والكذب وفنون التحايل. فمن يلمس الألم لا يستطيع بسهولة نسيانه، خصوصًا إن كان طفلًا. أما «الطريق الصعب»، فهو ذلك الذي يؤدي في آخر المطاف إلى وعي حقيقي بأن التهذيب ما هو إلا لتعليم التلميذ وتربيته. ولذلك لزامًا علينا أن ننتهج مبدأ التعزيز الإيجابي في التصرف كمربين، والابتعاد قدر المستطاع عن التعزيز السلبي الغير فعّال، لا بل علينا أن ننهج نحن الكبار نهجًا يقتدي به الطفل، نهج الناضج، فنكون كصورة جميلة وقدوة صالحة كي يساعده ذلك على الحذو على الخطى الصحيحة.
أما سؤالنا اليوم فهو: مَن مِن واجبه القيام بتوعية الآخرين لهذه السبل الأكثر أمانًا؟ ومن سيحمي الطفل ويحمل الرسالة إلى الذين يمارسون العنف كغذاء يومي لأطفالهم؟
علينا اليوم أن نقف أمام أنفسنا وأمام تطور فنون التربية والتعليم، وأن نتأمل ما يُعاش حولنا وما يعيشه الطفل من ناحيته. دورنا اليوم هو أكبر من أن نكون معلمين أو مدرسين للمواد بل مربين لأطفالنا، دورنا هو أوسع من أن نكون تربويين على صفحات الورق ليس إلا. إن دورنا الحقيقي ينجلي بأن نصنع من الطفل طفلًا يعيش واقعه بسلام دون خوف، إنسانًا فاعلًا وفعّالًا في المجتمع وأخيرًا مواطنًا قادرًا على تحدي الواقع دون مراوغة أو تحايل.
نستشعر من خلال هذه الكلمات الفرق بين التفهم والرعاية من ناحية وبين العنف من ناحية أُخرى: فكيف لنا أن نتخطّى هذه الهوة بالطرق الأسلم؟ كيف نتبين أن الطفل يظل الفريسة السهلة للعنف التربوي بسبب مرض اسمه «العقاب الجسدي» الذي يمهد للرياء الاجتماعي؟