مشاتل إدلب تقاوم تحديات المناخ والدعم
يتجوّل محمد الراعي (35 عامًا) في مشتله ليتفقد مزروعاته التي بدأت أوراق بعضها تجف وتتساقط منذرة باقتراب الشتاء، متحسسًا عقبات انخفاض الحرارة في العناية بأنواع الشتول الصيفية.
ورث محمد مهنة الزراعة عن والده وأجداده وأتقنها في وقت مبكر، ليعتمدها مهنة ومصدر دخل لعائلته، وبدأ بإقامة مشتل في قريته، البارة، في جبل الزاوية بإدلب، ثم نقل المزروعات إلى أطراف مدينة إدلب بعد نزوحه.
ومع انخفاض درجات الحرارة، يواجه أصحاب المشاتل الزراعية مشكلات عدة متعلقة الشتول الصيفية ونباتات الزينة، كـ”الحبق والجلنار والعطرية والسجاد” وغيرها، فيفضل إتلافها وإعادة شرائها في موسمها، وفق ما أوضح محمد لعنب بلدي.
التدفئة وتوفير بيئة مناسبة لاستمرارية الشتول عملية مكلفة أكثر بأضعاف من إعادة شرائها في موسمها.
وترتفع أسعار المحروقات مع بداية الشتاء، ويبلغ سعر برميل المازوت (225 ليترًا) ما يتراوح بين 140 و155 دولارًا، كما يتراوح سعر طن الحطب الواحد بين 140 و180 دولارًا، أما البيرين (مادة قابلة للاشتعال، مصنوعة من بقايا الزيتون بعد عصره) فسعر الطن منه يصل إلى 125 دولارًا.
وبالنسبة للورقيات، أو “الصالونيات” مثل “قلب عبد الوهاب” و”الكاوتشوك” و”الشوفنيرة” و”زنبقة السلام” و”الملكي” وغيرها من النباتات، فيجري تصريفها خلال موسمها لأن تلفها في المشتل بسبب برودة الطقس يشكل عبئًا ماديًا، باعتبارها مرتفعة السعر وتتطلب تكاليف عالية للعناية بها.
يرى محمد الراعي أن العائق الأكبر أمام المهنة مسألة توفير مياه السقاية، في ظل عدم توفر ضخ دائم للمياه في مدينة إدلب.
ويضطر محمد لشراء المياه من الصهاريج التي تشهد حاليًا أزمة خانقة وزيادة طلب، بسبب توقف ضخ شبكة المياه عن المدينة، ما يعني انخفاض نسبة الربح.
أصناف مستوردة وأخرى محلية
يستورد أصحاب المشاتل أنواعًا من المزروعات الأوروبية، تركية المنشأ، يرتفع عليها الطلب، كالليمون والبرتقال القزمي وأنواع معينة من الزيتون.
كما يشتلون الكثير من المزروعات محليًا، كالتفاح والإجاص وغيرها من الفواكه والخضروات الموسمية.
ويسعى محمد الراعي لإدخال مزروعات جديدة إلى مشتله، متلائمة مع مختلف الظروف المناخية، فبدأ زراعة وشتل “الببايا” الاستوائية.
وتجمع “الببايا” بمذاقها بين المانجو والشمام، وهي سريعة النمو والإثمار (أقل من عام تقريبًا)، وتعد فاكهة غالية الثمن.
ومن الفواكه التي نجحت زراعتها مؤخرًا في الشمال السوري “التنين”، من فصيلة الصباريات.
وتعد أراضي سهل الغاب مناسبة لزراعتها بسبب طبيعتها الدافئة، وتمكن محمد الراعي من إكثارها عبر الشتول.
أماكن مختلفة للتسويق
رغداء الحسن، سيّدة نازحة من ريف معرة النعمان تقيم في مدينة إدلب، قالت لعنب بلدي، إنها حوّلت شرفة منزلها لحديقة من نباتات الزينة كـ”المكحلة” و”عطر الليل” و”قطر الندى” وغيرها.
ويعيد عبق الورود رغداء إلى قريتها وأرضها حيث كانت تزرع فيها ما تريد.
تشتري رغداء شتول هذه النباتات وهي صغيرة الحجم، بسعر أرخص، فكلما كبرت الشتلة زاد سعرها، مع وجود أصناف مرتفعة السعر أصلًا، مثل شتلة الـ”غاردينيا” التي يتراوح سعرها بين 150 و200 ليرة سورية.
وشهد القطاع الزراعي في الشمال السوري تراجعًا بسبب ظروف الحرب وحركة النزوح المستمر للمزارعين وتعرض بنى الري التحتية للتدمير نتيجة القصف العشوائي والتغيرات المناخية غير المتوقعة، كموجات الحر والصقيع التي تسبب خسائر فادحة.
كما انقطعت بعض الأصناف الزراعية النقية والأصناف المنتجة من إكثار البذار، لذا لجأ المزارعون وأصحاب المشاتل لاستيراد أصناف بديلة تتلاءم مع البيئة المناخية والجدوى الاقتصادية.
وتؤمن الزراعة فرص عمل للكثيرين في ظل الواقع الاقتصادي المتردي في الشمال السوري.
وبحسب تقييم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) للاحتياجات الإنسانية في شمال غربي سوريا، فإن 5.1 مليون شخص يعيشون في شمال غربي سوريا، منهم 4.27 مليون بحاجة للمساعدات الإنسانية، ووصلت المساعدات إلى 920 ألف شخص فقط أي إلى 27% من المحتاجين.
تحديات صعبة
لفت المهندس الزراعي وسام عبد العال، إلى انتشار بعض الزراعات مؤخرًا، كالعصفر وحبة البركة والكمون والشمرة واليانسون، ماتسبب بانتكاسة في بعض الزراعات كالقمح.
المهندس الزراعي أوضح لعنب بلدي أن التحديات المناخية تعتبر من أبرز المشاكل التي تعترض المزارعين وتسبب الجفاف والأوبئة وتنشر الآفات الزراعية، معتبرًا أن الإرشاد الزراعي نشط في الآونة الأخيرة نسبيًا ضمن إمكانات محدودة لا تفي بالغرض.
ومن التحديات أيضًا ارتفاع تكلفة منظومة الطاقة الشمسية لاستجرار مياه الري في ظل غياب الدعم الحكومي، بعد أن كانت هناك منشآت تتيح تزويد المزارعين بمياه الري، كمحطة عين الزرقاء التي كانت تضخ مياه الري لسهل الروج.
واعتمد بعض المزارعين على نمط الزراعة المحمية لما لها من إيجابيات، فهي تحمي النباتات من الظروف المناخية وتؤمن مصدر دخل مستدام.
ويتراوح عمر الغطاء البلاستيكي من سنتين إلى ثلاث سنوات، ويؤمن زراعة على مدار العام بموسمين، خريفي وربيعي.
لكن دخول أصناف مستوردة أثر بشكل كبير على الإنتاج المحلي فتقلصت نسبة الربح.
ولضمان ديمومة عمل أصحاب المشاتل وجه المهندس عبد العال بعض النصائح كالاعتماد على أصناف مقاومة لدرجات الصقيع والبرودة تلبي احتياجات السوق المحلي بتكلفة إنتاجية مقبولة والابتعاد عن الأنواع المكلفة التي لا يوجد طلب كبير عليها.
إضافة إلى الاعتماد على التدفئة في البيوت البلاستيكية عن طريق التقنين، والاستفادة من حرارة الشمس في الخريف والربيع، واستخدام غطاء نايلون عازل من الداخل ويسمح بدخول الحرارة والتهوية اللازمة.
وفيما يخص زراعة بعض الأصناف الاستوائية وغيرها، فشدد المهندس على ضرورة إخضاع هكذا تجارب لدراسة من قبل أخصائيين، كدراسة المناخ والاحتياجات المائية والتربة، وتقبل السوق وحاجته لتلك الأصناف.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :