عشرة أيام تفصل الشارع السوري عن انتخابات مجلس الشعب التي دعا إليها النظام والتي ستجري في الثالث عشر من نيسان الجاري.
الانتخابات التي وصفها الكثيرون بـ “الأضحوكة” وبأن النظام يريد أن يوهم العالم بأنه يمسك بزمام الأمور في سوريا، جاءت خارج نطاق التفاهمات السياسية التي تجري في أروقة جنيف، خاصة وأن الإعلان عنها جاء بعد ساعات قليلة من إعلان اتفاق وقف إطلاق النار بين النظام والمعارضة بمباركة روسية أمريكية.
وبالرغم من معارضة الكثيرين لإجرائها قبل الوصول إلى اتفاق سياسي بين النظام والمعارضة يفضي إلى تعديل الدستور وإجراء انتخابات وفقه، إلا أن النظام ظل متمسكًا بقراره كون الانتخابات البرلمانيّة في سوريا تجري وفق الدستور، حسب قوله.
العسكريون يشاركون في الانتخابات
اللجنة العليا أعلنت أن عدد مرشحي مجلس الشعب في المحافظات كافة بلغ 11341 مرشحًا، منهم 1805 في دمشق، و2485 في حلب ومناطقها، كما بلغ عدد المراكز الانتخابية بالمحافظات 1468.
ولأول مرة في سوريا سمح للعسكريين المشاركة في الانتخابات البرلمانية، بعد تعديل قانون الانتخابات الحالي، الذي شمل أيضًا، نقل دائرة انتخابية من مكان لآخر، إذا كانت المنطقة الموجودة فيها الدائرة تشهد أعمالًا قتالية، وبناء على ذلك فتح النظام 450 مركزًا لأبناء المحافظات الساخنة، وهي: إدلب والرقة وحلب ودرعا في المناطق التي يسيطر عليها وأغلبها في دمشق وطرطوس واللاذقية، كما أعلن النظام أنه مستعد لفتح مراكز انتخابية في تدمر، الخالية من السكان بعد استعادتها من تنظيم “الدولة” في 28 آذار الشهر الماضي.
حملات انتخابية بنكهة “تشبيحية“
وما إن أعلن النظام عن بدء فتح الترشيحات حتى بدأت الحملات الانتخابية، التي تعددت أشكالها وأساليب أصحابها من أجل انتخابهم من قبل الشعب، فبعض المرشحين اعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي لإيصال برنامجه الانتخابي إلى الناس، وبعضهم الآخر اعتمد على حملات دعائية كلفت ملايين الليرات وكأن الحياة في البلاد طبيعية ولا تعاني من حرب منذ خمس سنوات مضت.
صحيفة الوطن المقربة من النظام ذكرت، في 30 آذار الماضي، أن بعض الحملات الانتخابية لبعض المرشحين المستقلين كلفت عشرات الملايين، وخصصت آلافًا من المندوبين لها للوقوف على مراكز الانتخابات.
ولكن أبرز الحملات الانتخابية التي اعتمدها المرشحون، كانت في حلب من قبل المرشح، حسن شعبان بري، الذي اعتمد على تخويف وترهيب الناس عن طريق شبيحته من أجل انتخابه، إذ نشرت صفحات موالية للنظام على مواقع التواصل الاجتماعي، أن شبيحة بري هجموا بالسكاكين على محل سوبر ماركت في شارع كلية الهندسة في حلب، الأحد 27 آذار، بسبب رفض صاحبه تعليق صورة المرشح على واجهة المحل.
وقام المهاجمون بتكسير المحل بكل ما فيه وسرقة محتوياته، بعد طعن صاحبه بالسكاكين والسيوف في وجهه وجسده، بحسب الصفحة، وفور خروجهم هدّدوا الأهالي بصوت عالٍ “كل من لا ينتخب معلمنا شعبان سيكون مصيره السكاكين”.
هذه الحادثة لاقت موجة غضب من قبل الأهالي، الذين طالبوا اللجنة الأمنية في حلب واللجنة القضائية للانتخابات، بحرمانه من الانتخابات والتحقيق معه ومع عصابته.
واختلفت ردود الفعل من المعلقين على الخبر، وقال أحدهم “مادام أنه من عصابات السكاكين، فمن المؤكد أن القيادة راضية عليه، وبالتالي فهو ناجح فلماذا هذه الأفعال التشبيحية”، وكتب آخر “وكأننا أصبحنا نعيش في غابة.. القوي يأكل الضعيف”، واصفًا الانتخابات بـ “المسرحية الهزلية”.
فنانون في طريقهم إلى مجلس الشعب
واللافت في الحملات وجود ظاهرة جديدة في الانتخابات، هي وجود عناصر نسائية لا تتجاوز أعمارهن الأربعين، حتى إن بعضهن لم يبلغ الـ 30 من العمر، وتسابقت المرشحات على إظهار جمالهن في صورهن الانتخابية، حتى ظهر أغلبهن في “جمال فتان”.
كما انضمت أسماء فنانين موالين للنظام السوري إلى قوائم المرشحين، ومنهم نقيب الفنانين السابق والممثل زهير رمضان عن اللاذقية، وعارف الطويل عن ريف دمشق، وتوفيق إسكندر عن حمص، الذين ضمنوا بشكل كبير وجودهم تحت قبة مجلس الشعب نتيجة ورود أسمائهم على قائمة “الوحدة الوطنية” التي يعدها حزب البعث الحاكم وأحزاب منضوية في “الجبهة الوطنية التقدمية”، إذ تعتبر تلك القائمة صاحبة الحظ الأكبر في الوصول إلى المجلس لأنها مدعومة من السلطات، في الوقت الذي ترشح فيه المخرج نجدت أنزور، المعروف بمواقفه إلى جانب النظام، بشكل مستقل في حلب.
كما يلفت المتتبع للقوائم الانتخابية صدور قائمة باسم “قائمة الوحدة الوطنية” بدل “قائمة الجبهة الوطنية التقدمية” التي كانت تصدر في الانتخابات الماضية، وكان ينجح جميع أعضاء هذه القائمة بشكل تلقائي.
النظام يسمح للسوريين بالعودة للتصويت
رئيس اللجنة القضائية العليا للانتخابات، هشام الشعار، قال لصحيفة الوطن المقربة من النظام، 8 آذار، إن “الدولة السورية” لن تمنع أي شخص خارج سوريا من العودة إليها للمشاركة في انتخابات مجلس الشعب، وإن الأبواب مفتوحة أمام كل مغترب يود العودة إلى سوريا للمشاركة بالانتخابات، مؤكدًا أن الدستور ضمن له أن ينتخب “بحرية مطلقة” على حد قوله.
وزعم الشعار أن اللجنة القضائية في سوريا تشرف بنزاهة تامة على الانتخابات، سواء كانت برلمانية أو رئاسية، وبالتالي ليست بحاجة إلى أحد لمراقبة الانتخابات.
الشعب آخر همه الانتخابات
وبالرغم من إنفاق ملايين الليرات على الحملات الانتخابية من قبل بعض المرشحين، وقيام البعض بتوزيع الحلوى على الناس في الشوارع، وإطلاق شعارات تعود السوريون عليها منذ زمن “كبناء الوطن” و”محاربة الفساد” و “يجب أن نكون يدًا واحدة في وجه الإرهاب”، إلا أن المتتبع لردود فعل السوريين، الباقي منهم في الداخل، على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر أنهم لا يعيرون اهتمامًا كبيرًا لهذه الانتخابات، فكل همهم تأمين حاجاتهم وقوتهم اليومي خاصة بعد ارتفاع الأسعار إلى مستويات عالية جدًا نتيجة تدني الليرة السورية.