عنب بلدي – حسام المحمود
في 20 من تشرين الأول الحالي، أجرى وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، زيارة إلى العاصمة السورية، دمشق، والتقى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ونظيره، بسام الصباغ.
الزيارة الثالثة للصفدي إلى دمشق منذ 2011، والأولى خلال العام الحالي، جاءت مختلفة عن سابقتيها، على مستوى التوقيت وحساسيته وظروف المنطقة من تصعيد إسرائيلي متواصل في غزة والجنوب اللبناني، واحتمالية امتداد مسرح الصراع إلى سوريا، بالإضافة إلى ما تضمنته الزيارة من رسائل معلَنة.
وذكرت وزارة الخارجية الأردنية، عبر “إكس”، أن الرئيس السوري، بشار الأسد، استقبل الصفدي، الذي ينقل رسالة شفوية من الملك الأردني، عبد الله الثاني، حول جهود حل “الأزمة السورية” ومعالجة كل تبعاتها، وعدد من القضايا الثنائية والأوضاع في المنطقة.
وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، قالت إن وزير الخارجية السوري، التقى نظيره الأردني، والوفد المرافق له في مقر الوزارة بدمشق، ونقلت الوكالة عن “رئاسة الجمهورية” أن الأسد التقى الصفدي وبحث معه العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها، وملف عودة اللاجئين السوريين، وناقش التطورات الراهنة والخطيرة في المنطقة.
في الجانب المعلَن من الزيارة، سجل ملف اللاجئين السوريين حضورًا في مباحثات الجانبين، إذ قال الأسد إن تأمين متطلبات “العودة الآمنة” للاجئين السوريين أولوية لـ”الدولة السورية”، مشددًا على أن سوريا قطعت شوطًا مهمًا في الإجراءات المساعدة على العودة، لا سيما البيئة القانونية والتشريعية المطلوبة.
الحديث عن عودة “آمنة” للاجئين، يتعارض مع التقارير التي تصدرها منظمات حقوقية توثق الانتهاكات التي يتعرض لها السوريون المقيمون داخل سوريا أو العائدون إليها، كما لا ينسجم مع الظرف الحالي الذي استقبلت به مناطق سيطرة النظام بشكل مفاجئ جراء التصعيد الإسرائيلي في الجنوب اللبناني نحو نصف مليون سوري ولبناني، دون تجهيزات وتحضيرات مسبقة، ما يجعل استقبال قادمين من بيئة لا تشهد تهديدًا عسكريًا مستبعدًا.
بعد تراجع نشاط
زار الصفدي سوريا، في 15 من شباط 2023، في أعقاب زلزال 6 من شباط المدمر، الذي طال أربع محافظات سورية وعشر ولايات تركية، وكانت أول زيارة أردنية رفيعة المستوى بعد الثورة السورية.
وفي 3 من تموز 2023، التقى الصفدي في زيارته الثانية إلى دمشق، الأسد، كما في الزيارة الأولى، لكن هذه الزيارة أعقبت عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية من بوابة سعودية تجلت بمشاركة الأسد في قمة جدة (19 من أيار في العام نفسه).
بعد زيارتين في 2023، تراجع النشاط الأردني الدبلوماسي تجاه النظام السوري، أمام عدم تحقيق تقدم ملموس في بنود “المبادرة الأردنية” للحل في سوريا، فالمطلوب من النظام لم يبقَ معطلًا فحسب، بل سلك مسارًا عكسيًا تجلى بتفاقم تهريب المخدرات إلى الأردن، وغياب خطوات إصلاحية على مختلف المستويات أو تغيير في سلوك النظام وتعاطيه مع الملف السوري، وهو ما ولّد حالة إحباط عربي عبّرت عنها تقارير إعلامية غير رسمية في تلك الفترة، وصولًا إلى اتهام الأردن بشكل غير رسمي بتعطيل حضور النظام السوري سياسيًا على أكثر من مستوى.
صحيفة “الأخبار” اللبنانية، التي تعكس وجهة نظر النظام السوري وحليفه اللبناني “حزب الله”، نشرت، في 24 من آب الماضي، تقريرًا اتهمت فيه وزير الخارجية الأردني بعرقلة عمل “لجنة الاتصال العربية” الخاصة بسوريا، وشن حملة دبلوماسية لتشويه موقف النظام.
وبحسب “الأخبار”، فإن الصفدي لعب دورًا بارزًا في التشويش على الانفتاح العربي وبعض الغربي على دمشق، فبعد انعقاد أول اجتماعات “لجنة الاتصال العربية” (تضم وزراء خارجية الأردن ومصر والسعودية والعراق وسوريا ولبنان)، وتأخر انعقاد الجولة الثانية منها، استمرت الحملات الإعلامية المكثفة لتجويف دور اللجنة، عبر تسريبات متعمدة عن عدم التزام دمشق بتعهداتها أمام اللجنة.
كما تحدثت الصحيفة عن شن الدبلوماسية الأردنية أمام الدبلوماسيين العرب والأوروبيين حملة تشويه لموقف النظام، بالقول إن دمشق لم تلتزم بما تعهدت به، لا سيما في ملفي مكافحة تهريب المخدرات واللاجئين.
وفي 10 من أيلول الماضي، اجتمعت “لجنة الاتصال العربية” للمرة الثانية، وانتهى اجتماعها بلا بيان ختامي، لكن مع اتفاق على تشكيل فريق من الخبراء لدراسة الموضوعات التي تتابعها اللجنة مع سوريا (في إشارة إلى النظام السوري) وعقد اجتماعها المقبل في بغداد.
رسالة شفهية وتوقيت حساس
أمام التزام النظام السوري، وهو جزء من “محور المقاومة”، بوضع “المشاهد” للحرب المستمرة في غزة منذ أكثر من عام، ودخول التصعيد ضد الجنوب اللبناني طورًا مختلفًا منذ أيلول الماضي، وعدم التعاطي بجدية مع تحركات إسرائيلية في القنيطرة، جنوبي سوريا، وصلت إلى التوغل وتجريف بعض الأراضي وإزاحة السياج الفاصل على الحدود بين سوريا والجولان السوري المحتل، جاء الصفدي برسالة شفهية من الملك الأردني لم يتم التطرق لمضمونها.
الخبير الاستراتيجي والباحث غير المقيم في معهد “ستيمسون” بواشنطن عامر السبايلة، أوضح لعنب بلدي أن زيارة الصفدي إلى دمشق زيارة أردنية بامتياز، ولم يكن مبعوثًا للعرب بهذه الزيارة، فعمّان قلقة من المرحلة المقبلة والتداعيات على حدود الأردن، ومحاولات اختراق جبهة الجولان السوري المحتل، والوجود الكثيف للميليشيات في سوريا.
كما أن الأردن يرغب في المرحلة المقبلة بدخول وساطة بالملف اللبناني، وهذا يتطلب التواصل مع النظام السوري، مع رغبة أردنية بمنع تحويل حدوده لجبهة تصعيد مقبلة، وفق السبايلة.
من جانبه، استبعد الخبير الأردني بالأمن الاستراتيجي عمر الرداد، في حديث لعنب بلدي، أن يكون ملف تهريب المخدرات أو مسألة عودة اللاجئين محركين لزيارة الصفدي، كونها قضايا ثانوية يمكن طرحها بأي وقت، أمام التطورات الإقليمية الحالية.
ويرى الرداد أنه منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، لم يكن موقف النظام السوري منسجمًا مع موقف “محور المقاومة”، وهو ما يجعل موقف النظام أقرب للموقف العربي منه إلى موقف “تيار الممانعة”، ويكن القول إن الزيارة الأردنية جاءت في ظل هذا الفهم، ورغبة عمّان باستطلاع المسألة.
الخبير الأردني استبعد أن يكون الصفدي مبعوثًا من العرب أيضًا في هذه الزيارة، على اعتبار أن الأردن طرف أيضًا، مع الإشارة إلى عدم استقرار الموقف لدى النظام فيما يتعلق بالتخلي عن إيران أو البقاء في “محور المقاومة”، مع التركيز على أن رسالة الملك الأردني إلى الأسد بشكل شفهي تعكس حالة عدم ثقة بالنظام السوري.
وتشهد الحدود السورية على جبهة الجولان حالة هدوء تخالف الوضع على امتدادها نحو الحدود اللبنانية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، فهناك تشن إسرائيل عملية عسكرية انتقلت من الضربات الجوية إلى الزحف البري، لـ”تطهير” المنطقة من البنى التحتية لـ”حزب الله”، وفق المزاعم الإسرائيلية.
الضربات الإسرائيلية القاسية لـ”حزب الله”، والتي أودت بمعظم قادة الصف الأول فيه، من حسن نصر الله وهاشم صفي الدين وغيرهما، لم تحرّض النظام على تحرك لم يتخذه بالأصل لصد تهديدات بادية علنًا في القنيطرة، دون أن يمنع الضربات الإسرائيلية التي تحولت إلى حدث شبه يومي في مناطق متفرقة من سوريا، مستهدفة مواقع عسكرية أو شخصيات بعينها.