ينتظر عبد المجيد الأحمد موسم الزيتون في تشرين الأول من كل عام، حتى يبدأ عملية “التعفير”، مع أفراد عائلته تأمين مونتهم من الزيت والزيتون ويبيع الزيادة في الأسواق.
“التعفير” (العفارة) هو المرحلة الأخيرة من قطاف المحصول من الأشجار سواء الزيتون أو غيرها، فبعد انتهاء ورشات القطاف، تبقى بعض الثمار في الأشجار، وتحتاج لجهد كبير وتكاليف إضافية إذا أراد صاحب الأرض قطفها، لذلك تترك على الشجر أو حتى يأتي أحد الأشخاص لقطفها ويأخذها دون أن يدفع أي مقابل.
أوضاع مادية متردية
عبد المجيد (50 عامًا)، مهجر من ريف حماة إلى ناحية بلبل بريف عفرين شمال غرب حلب، وأب لستة أطفال قال لعنب بلدي، إنه يعمل بـ”تعفير” الزيتون مع أبنائه بسبب الأوضاع المادية، وقلة فرص العمل.
يخرج مع أبنائه من ساعات الصباح الأولى للعمل ويعود مع غروب الشمس، وكل فرد من أسرته يقطف ما يقارب خمسة كيلوجرامات من الزيتون.
يؤمّن عبد المجيد بذلك مونة الزيتون والزيت بعد جمع الزيتون وأخذه إلى المعصرة، وما يزيد عن ذلك يباع في السوق، ويصل سعر الكيلوجرام إلى 30 ليرة تركية (0.88 دولار أمريكي).
علي الشايش (45 عامًا)، مهجر من مدينة حماة ومقيم حاليًا في مخيمات كللي بريف إدلب الشمالي، يذهب خلال موسم الزيتون مع أسرته المكونة من خمسة أفراد إلى قرية سعر نجاك بريف عفرين، ويجلس عند أقربائه من أجل “عفارة الزيتون”.
يعمل علي مع أسرته يوميًا حوالي عشر ساعات في بساتين عائدة لأهالي المنطقة، ويستطيع جمع 20 كيلوجرام يوميًا، معظمه يجري عصره، والثمار الجيدة يحتفظ بها كمونة للشتاء، وفق قوله لعنب بلدي.
يقطن شمال غربي سوريا قرابة 5.1 مليون شخص، منهم 4.2 مليون بحاجة إلى مساعدة، و3.6 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، 3.5 مليون منهم نازحون داخليًا، ومليونان يعيشون في المخيمات، وفق الأمم المتحدة.
عقبات
يواجه العاملون في “تعفير الزيتون” بمناطق عفرين عقبات لم تتغير خلال الأعوام الماضية، على رأسها مضايقة الفصائل العسكرية العاملة في المنطقة، فبعضها اشترط مقاسمتهم ما يجمعونه، وفصائل أخرى تمنعهم من الدخول إلى الأراضي.
وتسيطر فصائل “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا على المنطقة منذ العام 2018، ويختلف تعامل الفصائل مع المدنيين أو عمليات قطاف الزيتون سواء من أبناء عفرين أو العاملين في “التعفير”.
بعض الفصائل تفرض ضريبة على الزيتون يجب أن يدفعها لهم صاحب الأرض،
وتتفاوت الضريبة المفروضة على الأراضي باختلاف المنطقة والفصيل المسيطر عليها، ووصل بعضها إلى فرض إتاوات على كل مرحلة من مراحل جني المحصول، وصولًا إلى مرحلة العصر وبعضها يفرض على الشجرة الواحدة.
أكد عاملون في “التعفير” لعنب بلدي، اشتراط بعض الفصائل اقتسام نصف ما يجمعونه، بينما منتعتهم فصائل أخرى من دخول البساتين، ما أجبرهم على “العفارة” ببساتين عائدة لمدنيين أو بساتين بعيدة وجبلية من الصعب الوصول إليها.
بعض الفصائل تتحكم بالبساتين، وتصادر في بعض الأحيان ثمار الزيتون بعد “تعفيرها” بحجة عدم أخذ الإذن الرسمي من الفصيل المسؤول عن القطاع.
وتعتبر شجرة الزيتون أحد أهم الموارد الأساسية التي يعتمد عليها السكان في الشمال السوري، ومصدر رزق لمالك المحصول وللعمال أيضًا.
وتشتهر مدينة عفرين بكثرة أشجار الزيتون التي تغطي معظم المساحات الزراعية، واحتلت هذه الزراعة المرتبة الأولى في المنطقة، من حيث المساحة والإنتاج.
ويبلغ عدد أشجار الزيتون في مدينة عفرين ونواحيها 14 مليونًا و225 ألف شجرة زيتون، وفق ما قاله مدير مكتب رئيس المجلس المحلي في عفرين، أحمد حماحر، في وقت سابق لعنب بلدي.
وتقسم منطقة عفرين إلى سبع نواحٍ هي: عفرين، شيخ الحديد، معبطلي، شران، بلبل، جنديرس، راجو.
أثر الاشتباكات
لم يكن عبد المجيد الأحمد راضيًا عن أوضاع “العفارة” هذا الموسم مقارنة بالسنوات السابقة، نظرًا للاشتباكات التي دارت قبل أيام بين “القوة المشتركة” من جهة و”لواء صقور الشمال” و”الجبهة الشامية” من جهة أخرى.
الاشتباكات أجبرت علي وعبد المجيد وعائلتيهما على التزام البيوت، أو اختيار بساتين بعيدة عن أماكن الاشتباكات.
الاشتباكات اندلعت بين الطرفين واستمرت ليومين تخللها هدنة، وذلك بعد هجوم لـ”القوة المشتركة” على مقرات “الصقور” بمنطقة حوار كلس بريف اعزاز، لكنها امتدت إلى مختلف أرياف حلب خاصة عفرين.
انتهت الاشتباكات في 17 من تشرين الأول الحالي، بعد حل “الصقور” نفسه.
“القوة المشتركة” تضم “فرقة السلطان سليمان شاه” المعروفة بـ”العمشات” ويقودها محمد الجاسم (أبو عمشة)، و”فرقة الحمزة” المعروفة باسم “الحمزات” ويقودها سيف أبو بكر.