يترقب المزارعون بريف حمص هطول الأمطار ليبدؤوا بالتحضير لزراعة الموسم الشتوي، لكن الأحوال الجوية لا تدعو للتفاؤل، خاصة مع تأخر هطول الأمطار حتى الآن.
تأخر هطول الأمطار ولّد مخاوف لدى المزارعين مع توقع تراجع الموسم الزراعي الشتوي، وحرمانهم من تعويض خسارتهم العام الماضي، فذلك يعني تكاليف إضافية على المزارعين من ناحية الري، وأيضًا تأثر كميات الإنتاج.
مزارعون يتخوفون
حسان، مزارع من ريف حمص، قال لعنب بلدي، إنه لن يتمكن من زراعة العدس والشعير في أرضه قبل هطول كميات وفيرة من الأمطار.
الأمر ذاته عند محمد وشقيقه، فأرضهما مزروعة بالزيتون، ويحتاجان حاليًا إلى هطولات مطرية جيدة قبل البدء بجمع المحصول (إذ يتوقع زيادة في إنتاج الزيت بعد هطول الأمطار)، وفق قوله.
أما “أبو أيمن”، وهو أيضًا مزارع من ريف حمص، فينوي زراعة أرضه بالقمح هذا العام، ويحتاج إلى كميات وفيرة من الأمطار كي ترتوي التربة قبل زراعته.
وذكر “أبو أيمن” لعنب بلدي، أنه في حال تأخر المطر حتى منتصف تشرين الثاني المقبل، سيسقي أرضه باستخدام مياه الآبار، ليبدأ بعدها بالزراعة، الأمر الذي يكلفه مجهودًا ومبالغ إضافية، فمحرك الديزل المستخدم لسحب مياه البئر وضخه إلى الأراضي، يستهلك حوالي ليترين من المازوت في الساعة، وسعر الليتر 16 ألف ليرة، لكنه يصل إلى 20 ألف ليرة في السوق السوداء، نتيجة التصعيد العسكري الإسرائيلي في لبنان.
يحتاج “أبو أيمن” إلى حوالي عشر ساعات ليروي أربعة دونمات، وبذلك يستهلك 20 ليتر مازوت، سعرها 320 ألف ليرة (21 دولارًا أمريكيًا)، وقد يحتاج لري أرضه من سبع إلى تسع مرات خلال العام حتى يحصل على محصول جيد، لذلك ستنخفض الموارد المتوقعة من الزراعة نتيجة وجود تكاليف إضافية.
المهندس الزراعي مصطفى (بريف حمص)، قال لعنب بلدي إن المحاصيل الاقتصادية كالبصل والثوم وحتى القمح واليانسون، تستحق أن يتكلف المزارع لريها حتى هطول الأمطار، فهذه المحاصيل مردودها جيد ويمكن أن يعوض أجور للسقاية.
ويمكن للمزارع ري تلك المحاصيل بشكل منتظم أسبوعيًا أو كل 15 يومًا حسب الصنف المزروع، وبعدها سيهطل المطر حتى لو تأخر.
وعن تأثير تأخر هطول الأمطار على المياه الجوفية، أوضح مصطفى أن الآبار في حمص بالغالب سطحية، فالمياه الجوفية تكون على عمق يفوق 200 أو 300 متر، أما في حمص فعمق الآبار بين 50 و100 متر، لذلك من الممكن أن تتأثر المياه السطحية وستعوض عندما يتم ضخ مياه الري من بحيرة قطينة الذي يبدأ عادة مطلع آذار، ويروي جميع حقول حمص وحماة.
خسائر الموسم الماضي
رغم الهطولات الجيدة للأمطار في الموسم الماضي، كان الإنتاج ضعيفًا نسبيًا، وتعرض فلاحون لخسائر نتيجة عدة أسباب، منها الأجواء التي رافقت الأمطار كالضباب وارتفاع الحرارة المفاجئ، ما أدى إلى كثير من الأمراض في المزروعات منها “اللفحة” والفطريات وتساقط الأزهار.
ورغم تراجع الإنتاج، كانت الأسعار منخفضة في الأسواق، بسبب قلة الطلب من الأسواق الخارجية، لا سيما بعض المحاصيل كالكزبرة واليانسون.
وبلغت خسارة حسان (المزارع بريف حمص) في الموسم الشتوي الماضي نحو 100 مليون ليرة سورية (6780 دولارًا أمريكيًا)، بسبب تضرر محصول يمتد على مساحة 150 دونمًا من الكمون والعدس، نتيجة ارتفاع الحرارة بشكل مفاجئ بعد أمطار وفيرة.
وتعرض محمد مع أخيه لخسارة بحدود 90 مليون ليرة (6100 دولار)، من زراعة حوالي 100 دونم كمون وعدس وشعير ولذات الأسباب، إذ لم يتجاوز إنتاج دونم الكمون ثلاثة كيلوغرامات، بينما كان من المتوقع أن ينتج الدونم 30 كيلوغرامًا على أقل تقدير، وفق حديث محمد لعنب بلدي.
“أبو سليمان” (56 عامًا) تاجر محاصيل زراعية، قال لعنب بلدي، إن التجارة بالمحاصيل الزراعية كانت ضعيفة خلال العام الماضي، نتيجة ضعف المحصول من حيث الجودة والكميات وما رافقها من انخفاض في الأسعار.
اقرأ أيضًا: الدعم الزراعي في حمص.. وعود متقدمة وواقع متراجع
تداخل بين الفصول
بحسب ما نقلته إذاعة “شام إف إم” المحلية” عن نائب رئيس “الجمعية الفلكية السورية”، عبد العزيز سنوبر، في 15 من تشرين الأول الحالي، فإنه فلكيًا، تم دخول فصل الشتاء في سوريا، لكن هناك تداخلًا بين الفصول، أي الصيف ضمن الشتاء أو الخريف بسبب الاحتباس الحراري، وهناك أيضًا خسارة أجزاء من الربيع والخريف.
أدى ذلك إلى تغير في المناخ بأماكن معينة، وتحولت المناطق الجافة إلى ماطرة وبالعكس، وهو ما أسهم بصعوبة توقع حالة الطقس بدقة.
وذكرت “الأرصاد الجوية السورية”، أن خسارة كبيرة شهدتها سوريا بين 7 و14 من تشرين الأول الحالي، بعد وصول الكتلة الهوائية الباردة إلى قبرص وبقائها شمال شرقي تركيا.
وفي حال وصول الكتلة إلى قبرص وتحركها شرقًا، كانت سوريا حصلت على “فعالية ماطرة مميزة”، بسبب دفء مياه البحر ومنشأ الكتلة الهوائية باردة وارتفاع الرطوبة، وذلك يحدث فروقات حرارية كبيرة في جميع طبقات الجو، وهو أمر إيجابي لغزارة الأمطار واتساع شموليتها.
مؤشرات تغير المناخ
جاء في تقرير حالة المناخ العالمي لـ”المنظمة العالمية للأرصاد الجوية” أن عام 2023 هو العام الأكثر سخونة منذ بدء التسجيل بهامش واضح.
الأرقام القياسية لحرارة المحيطات، وارتفاع مستوى سطح البحر، وفقدان الجليد البحري في المنطقة القطبية الجنوبية وتقلص مساحات الأنهار الجليدية، حطمت خلال 2023.
وأدى ذلك إلى ظواهر جوية متطرفة، تقوِّض التنمية الاجتماعية والاقتصادية، لكن “التحول إلى الطاقة المتجددة يبعث الأمل من ناحية تخفيف الانبعاثات الناتجة عن الوقود الأحفوري والصناعات التقليدية، وتبقى تكلفة التقاعس عن العمل المناخي أعلى من تكلفة العمل المناخي”، وفق التقرير.
وتتوقع منظمة الصحة العالمية أن يتسبب تغيُّر المناخ بوفاة 250 ألف شخص سنويًا في الفترة بين عامي 2030 و2050.