تبدو اللحوم الحمراء بالنسبة لخنساء العلي سلعة بعيدة المنال، خارجة عن قدراتها الشرائية، بسبب ارتفاع أسعارها، في رأس العين شمال غربي الحسكة.
منذ أكثر من عام، لم تجلب خنساء المقيمة في بلدة تل حلف، اللحوم الحمراء لعائلتها، فاعتادت غيابها، وفق ما قالته لعنب بلدي.
لكن أطفالها الأربعة يطلبون لحم الغنم، إذ عزز غياب هذا النوع من الأطعمة شعورهم بالحرمان، فاتجهت الأم للبحث عن البديل.
تأثر عائلة خنساء بأسعار اللحوم مرتبط بارتفاعها المستمر منذ بداية العام الحالي في رأس العين، ليصل سعر الكيلوجرام من لحم الغنم إلى 160 ألف ليرة سورية (10.7 دولار تقريبًا)، ما أبعد المادة عن متناول شريحة واسعة من السكان، بعدما كانت متواترة الحضور على موائدهم.
ويعزى هذا الارتفاع إلى عوامل منها زيادة عمليات تصدير الأغنام إلى تركيا، وعودة نشاط تهريب الماشية إلى مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) حيث تباع بأسعار أغلى.
أمام ارتفاع الأسعار هذا اتجه الأهالي، نحو بدائل غذائية أقل كلفة لتلبية احتياجاتهم، كاللحوم المجمدة ولحم الفروج المخلوط مع دهن الغنم، فاستبدلت خنساء العلي اللحوم بالدجاج، أو البقوليات الغنية بالبروتين، لترتفع أسعار هذه المواد أيضًا.
خنساء أوضحت أن الوضع الاقتصادي الصعب في المدينة يتطلب تدخلًا عاجلًا من الجهات المعنية لضبط الأسعار، وتوفير الدعم للعائلات التي تواجه صعوبات في تأمين احتياجاتها الغذائية الأساسية.
كم الأسعار؟
وفق ما رصدته عنب بلدي، يبلغ سعر كيلوجرام من اللحمة المفرومة المجمدة المخلوطة بدهن الغنم والدجاج، 35 ألف ليرة سورية، كما أن سعر كبدة الدجاج تسعة آلاف ليرة للكيلوجرام.
وبالنسبة للدجاج المجمد، فيبلغ ثمن الكيلوجرام 19 ألف ليرة، أما كيلوجرام صدر الدجاج المجمد، فيبلغ سعره 22 ألف ليرة.
ويعادل كل دولار أمريكي في الحسكة 15310 ليرات سورية للشراء، و15410 ليرات سورية للمبيع، وفق موقع “الليرة اليوم” المختص بأسعار العملات الأجنبية.
يزن حسين، أحد سكان مدينة رأس العين، قال إن ارتفاع أسعار لحوم الأغنام المستمر أثر على نمط الغذاء له ولأسرته، إذ وصل سعر الكيلوجرام الواحد إلى 160 ألف ليرة، ما جعل شراء اللحوم شبه مستحيل بالنسبة له.
الرجل أوضح، لعنب بلدي، أن اللحوم تحولت لنوع من الرفاهيات التي لا يستطيع تحمل تكلفتها، فاتجه نحو البدائل، كما فعلت خنساء.
وأمام ارتفاع سعر المادة البديلة، من لحوم دجاج مجمد وأسماك، اضطر يزن إلى تقليل متواصل لاستهلاك اللحوم الحمراء، بسبب ارتفاع أسعار رابطها المستمر، ما أثر سلبًا على نوعية غذاء أسرته وصحتهم.
للمحال وجهة نظر
سمعو السيد، صاحب محل قصابة في مدينة رأس العين، قال لعنب بلدي إن الارتفاع المستمر في أسعار لحوم الأغنام أثر على نشاطه التجاري، موضحًا أنه كان يبيع يوميًا ما يعادل لحوم ثلاثة أغنام، قبل سنتين، لكنه يجد حاليًا صعوبة في بيع أقل من ربع تلك الكمية بسبب ضعف القدرة الشرائية لدى السكان.
كما أن ارتفاع الأسعار دفع كثيرًا من الناس للابتعاد عن شراء اللحوم، باحثين عن بدائل أرخص، أو مقللين من مستوى استهلاك اللحوم بالمجمل، ما انعكس سلبًا على حركة البيع، في دكان سمعو السيد، فبدأ يفكر في إغلاقه والبحث عن عمل آخر، بسبب عدم قدرته على تحقيق دخل يغطي الكلفة التشغيلية والمصروف اليوم لعائلته.
رغم توفر المراعي للأغنام جراء الأمطار الوفيرة التي تشهدها المنطقة خلال الشتاء الحالي، تواصل أسعار اللحوم الارتفاع بشكل كبير، ما يعني تراجعًا متواصلًا في حركة البيع بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة لدى شريحة واسعة من السكان، في مدينة لا حضور فيها للحم البقر أو الجاموس، لعدم رغبة السكان، وتفضيلهم لحم الأغنام.
التصدير يرفع الأسعار
قال مدير الزراعة والثروة الحيوانية في المجلس المحلي، مجد كسار، إن الأمطار الغزيرة وكثرة المراعي وزيادة الطلب من سكان المنطقة على تربية الأغنام، من أبرز العوامل التي أسهمت في ارتفاع أسعارها وأسعار لحومها.
وأوضح لعنب بلدي، أن انخفاض أسعار الأعلاف، سيما الشعير، أدى إلى ارتفاع أسعار الأغنام، إذ انخفض سعر الطن الواحد من الشعير منذ منتصف 2023، إلى 170 دولارًا أمريكيًا في رأس العين (وصل سعره إلى 400 دولار في عامي 2021، و2022، وكانت فترة جفاف حينها)، ما شجع المربين على شراء المزيد من الأغنام وتوسيع قطعانهم.
وأشار كسار إلى تصدير أكثر من 3200 رأس غنم منذ منتصف 2023، ما أسهم في زيادة الطلب على الأغنام وارتفاع أسعارها.
كما شهدت المنطقة نشاطًا متزايدًا في تهريب الأغنام إلى مناطق سيطرة “قسد” ومناطق سيطرة النظام، ما زاد الضغط على السوق المحلية وأسهم في استمرار ارتفاع الأسعار.
وتعد تربية الأغنام في رأس العين وأرياف المنطقة الشرقية من سوريا أحد أعمدة الاقتصاد المحلي، وتشكل سلالة “العواس” الجزء الأكبر من الأغنام في رأس العين، إلى جانب وجود أنواع مهجنة مثل “الحمداني” و”الحموي”.
ووفقًا لإحصائية من مديرية الزراعة في رأس العين، حصلت عليها عنب بلدي، فإن حوالي 2750 عائلة، تعتمد بشكل أساسي على تربية المواشي، كوسيلة رئيسة للعيش.