عنب بلدي – أنس الخولي
بعد تهجيره من مدينة دمشق إلى إدلب من قبل قوات النظام السوري عام 2018، ترك أحمد شربجي مهنته في إنتاج كوابل الكهرباء، بسبب عدم جدوى مشروعه الاقتصادي مع ارتفاع تكاليف الإنتاج، وأجور نقل المواد الأولية وإدخالها إلى إدلب، وعدم قدرته على التصدير بسبب الرسوم، وهو ما دفعه للعمل في مجال التعهدات.
كان أحمد يملك معملًا صغيرًا لإنتاج كوابل الكهرباء في إحدى ضواحي دمشق، ومع انطلاق الثورة السورية عام 2011، تعرّض المعمل للقصف ثم للسرقة من قوات النظام، ما أدى إلى توقف مشروعه.
في إدلب، حاول الشاب العودة إلى مهنته، وقرر إنشار معمل جديد، وخلال دراسته جدوى المشروع، اصطدم بواقع استثماري وصفه بـ”المرير”، سيؤدي حتمًا إلى الخسارة، لعدم قدرته على منافسة أسعار البضائع المستوردة، فعدل عن الفكرة، ليبحث عن مشاريع أخرى أكثر أمانًا.
يواجه صناعيون وأصحاب بعض المهن في إدلب معوقات عديدة، تحول دون قدرتهم على الاستثمار أو بدء مشاريعهم، في مقدمتها ضعف الطلب في الأسواق المحلية، واعتمادها على البضائع المستوردة، وارتفاع تكاليف استيراد المواد الأولية، وعدم القدرة على تصدير المنتجات، وغياب الدعم الحكومي للصناعيين.
لا تصدير.. أسواق تصريف معدومة
كان حاتم العساف يعمل بريف دمشق في مجال صناعة الأثاث الدمشقي العريق، والمعروف بسمعته الجيدة، لكن بعد تهجيره إلى إدلب، سعى مع رفاقه في المهنة للعودة إلى العمل، وأنتجوا بعض القطع من غرف نوم وجلوس، لكن لم يسمح لهم بتصديرها.
وقال حاتم لعنب بلدي، إن السبب هو عدم السماح للمنتجين بتصدير البضائع من قبل الجانب التركي، لعدم وجود شهادة منشأ صادرة عن وزارة صناعة معترف بها تحمي المستوردين من تلاعب المنتجين، معتبرًا أن حل هذه المشكلة يقع على عاتق السلطات في إدلب.
وأوضح حاتم أن الأسواق المحلية غير كافية للصناعيين، لانعدام الطلب، وضعف القدرة الشرائية للمواطنين، واعتمادهم على البضائع المستوردة التجارية (الستوك) رخيصة الثمن.
وتعد صناعة الحصر البلاستيكية في إدلب هي الأخرى من بين الصناعات التي تعاني غياب المقومات الأساسية للإنتاج، وأهمها عدم وجود أسواق التصريف، ورداءة المواد الأولية، وغياب الخبرات، كما أن 90% من العاملين بهذه المهنة هجروها، والطلب غير كافٍ لتشغيل الورشات.
وكانت صناعة الحصر تعتمد على تصدير البضاعة إلى أسواق العراق ولبنان، أما اليوم فحلت البضائع التركية محلها، وهي أعلى جودة وأقل ثمنًا.
تكاليف إنتاج مرتفعة
تعمل الدول والحكومات عادة على تخفيض أو إلغاء رسوم إدخال البضائع التي تصنع محليًا بهدف حماية المنتجات المحلية، وتقدم للصناعيين تسهيلات تتعلق باستيراد المواد الأولية، وخفض مصاريف الطاقة كالديزل وأجور الكهرباء، لتخفيف تكاليف الإنتاج عن الصناعيين، وهو ما ينعكس على أسعار المنتجات، وبالتالي عدم القدرة على منافسة البضائع المستوردة في الأسواق المحلية.
يعاني الصناعيون في إدلب من ارتفاع رسوم استيراد المواد الأولية، وانخفاض رسوم استيراد البضائع المستوردة، وبالتالي ارتفاع تكاليف الإنتاج، ما يفقدهم القدرة على منافسة البضائع المستوردة.
علاء الأحمد، يدير معملًا لصناعة العبوات البلاستيكية في إدلب، قال لعنب بلدي، إن الصناعيين مهما خفضوا الأسعار لن يستطيعوا منافسة أسعار البضائع المستوردة، كما أنهم يدفعون مبالغ طائلة لفواتير الكهرباء وتشغيل الآلات، مشيرًا إلى سعيه للاعتماد مستقبلًا على الطاقة الشمسية.
وأضاف علاء أن لا حلول لمشكلة الطاقة، فالطاقة الشمسية تساعد في تقديم حلول جزئية في فصل الصيف فقط، مشيرًا إلى أن الحل يكمن في تقديم تخفيضات للصناعيين فيما يتعلق بأسعار مواد الطاقة الإنتاجية كأجور الكهرباء والديزل.
ورغم تدني أجور الأيدي العاملة في المنطقة، فإن تكاليف الإنتاج تبقى مرتفعة جدًا، بسبب ارتفاع تكاليف استيراد المواد الأولية، وارتفاع رسومها الجمركية، وفق مدير المعمل، معتبرًا أن تساوي رسوم إدخال البضائع الجاهزة مع رسوم إدخال المواد الأولية “يدمر صناعيي الداخل”.
وتتراوح أجور العمال اليومية بين 70 و100 ليرة تركية (ثلاثة دولارات أمريكية) في أحسن الأحوال، بينما يتقاضى العمال في المعامل والورشات الصناعية من 100 ليرة إلى 150 ليرة في اليوم.
“الإنقاذ”: تسهيلات وبيئة استثمار ملائمة
طالب عدد من الصناعيين ممن قابلتهم عنب بلدي حكومة “الإنقاذ” والجهات المسؤولة بتقديم تسهيلات جمركية لإدخال المواد الأولية، ما يساعد في منافسة البضائع المحلية للبضائع المستوردة.
مدير العلاقات العامة في وزارة الاقتصاد، مضر العمر، قال لعنب بلدي، إن الوزارة تعمل على تأمين بيئة استثمارية للصناعيين والتجار للنهوض بالواقع الاقتصادي، ابتداء من الضوابط التي تحمي الصناعي، وتسهل من عمله ضمن الشروط القانونية المنصوص عليها.
وكذلك عبر تجهيز بنية تحتية ملائمة تتوفر فيها جميع المتطلبات، إذ عملت الوزارة على إنشاء مدينة “باب الهوى” الصناعية، التي تعد بيئة خصبة للاستثمار، وتشمل هذه البيئة توفر الكهرباء وتسهيلات الاستيراد والتصدير والتسهيلات الإدارية، بما فيها منح السجلات الصناعية والتجارية، وفق مضر العمر.
وأضاف العمر أن “الإنقاذ” تسعى لتأمين حماية الملكية الفكرية للصناعيين، وتبادل الخبرات بين التجار والصناعيين لتطوير الواقع الاقتصادي، مشيرًا إلى عمل الوزارة على تأمين دخول المواد الأولية للصناعات جميعها.
وأوضح أن الوزارة وضعت خططًا لتأمين بيئة استثمارية من طاقة كهربائية وشبكات الطرق لتسهيل الاستيراد والتصدير والنقل.
واعتبر العمر أن الصناعة تلعب دورًا كبيرًا في تأمين فرص العمل، منها فرص عمل مباشرة وأخرى غير مباشرة، ولها دور كبير في تحريك عجلة الاقتصاد.
رسوم “صفرية”
المدير العام للصناعة في حكومة “الإنقاذ”، عبد الله المصري، أوضح لعنب بلدي أن المديرية تعتمد مبدأ دعم الصناعات المحلية، معتبرًا أن الرسوم على المواد الأولية والنصف مصنعة والتي تدخل في طور التصنيع داخل إدلب هي رسوم “تكاد تكون صفرية”.
وأضاف المصري أن المديرية العامة تقوم بحماية المنتجات المحلية من خلال دائرة لديها تسمى “دائرة حماية المنتج المحلي”، حيث تجري هذه الدائرة دراسة شاملة عن أي منتج يتم تصنيعه محليًا.
وفق المصري، من خلال هذه الدراسة، تتبين لدى المديرية جملة المخاطر والصعوبات الداخلية والخارجية التي يواجهها هذا المنتج، من إغراق خارجي إلى منافسة غير مشروعة، وبالتالي يتم فرض رسوم على المنتجات القادمة من الخارج وفقًا لهذه الدراسة، لضمان الإنتاج وعدم توقف المصانع.
ويشهد قطاع الصناعة في إدلب تقدمًا بسيطًا مقارنة بالأعوام السابقة، وانتشارًا لبعض المعامل خصوصًا معامل الأدوية، إلا أن هذا التقدم يبقى غير كافٍ، بسبب غياب البيئة الاستثمارية الآمنة، وحالة القصف شبه اليومية، وغياب مؤسسات التمويل كالمصارف وعدم القدرة على تصدير المنتجات.