نزيف غرف الأخبار في البيئات الصعبة
علي عيد
يشكّل بناء غرفة أخبار، وهي قلب أي مؤسسة صحفية، تحديًا كبيرًا في الشتات (Diaspora)، وفي البيئات العالية المخاطر، كما هو الحال في مؤسسات صغيرة نشأت في سوريا بعد عام 2011، ونمت خارج الحدود.
ويزداد الأمر صعوبة، إذا كنا نتحدث عن صحافة مستقلة بلا موارد، إلا من بعض التمويل الذي تقدمه منظمات مهتمة بدعم الصحافة المستقلة حول العالم.
المشكلة الأهم هي أن هناك من يخوض منافسة غير شريفة مع الصحافة المستقلة، مدعومًا بأجندات حكومية أو سياسية، تطمح لحجز وعي الجمهور والتأثير فيه تحت شعارات مزيفة، منها الحرية والدفاع عن قضية هذا الجمهور.
المنافسون المؤدلجون والمدعومون ماليًا، يعملون بشكل معاكس عند بناء غرف الأخبار والمؤسسات، فسياسة العمل والأهداف مقررة سلفًا، والمطلوب هو استقطاب منفذي هذه السياسات، والطريق الأقصر هو جمع ما هو موجود في السوق، واحتكار المواهب والأقلام الصحفية، لا تدريبها أو العمل على الدفع بمهارات الكوادر وقدراتهم.
المؤدلجون غالبًا ما يدفعون أكثر، وبطبيعة الحال يسعى الصحفيون، مثل كل المهنيين، لتحقيق أقصى قدر من الاستقرار المالي، وهذا حقهم، لكن الصحفيين مضطرون لمفاضلة غير أخلاقية، السؤال الأهم فيها، ما هو أولًا؟ الخبز أم الحقيقة، وهو ما يفسد سوق العمل الإعلامي في البيئات الهشة.
تشتكي مؤسسات صحفية سورية مستقلة من استمرار نزيف الكوادر، علمًا أنها تبذل جهودًا كبيرة في عملها، وتركز خططها على تدريب كوادر صحفية في بيئة فقيرة بالكوادر المدربة، وتنفق تلك المؤسسات جزءًا كبيرًا من ميزانياتها ومواردها التي تحصل عليها بصعوبة لهذا الغرض، لكن سرعان ما تتسرب تلك الكوادر إلى أماكن أخرى، وغالبًا إلى مكان يدفع أكثر، مع شيء من الميل نحو المجد الفردي للصحفي.
تلك الظاهرة ترتب مسؤولية كبيرة على المؤسسات المستقلة، مع تعرضها لخطر بالغ يهدد وجودها، على اعتبار أن الصحفيين هم رأس المال فيها، ومن دونهم يصعب تنفيذ سياسات وخطط التحرير على المديين القريب والبعيد.
ومع أن بعض تلك المؤسسات استسلمت لفكرة أنها باتت مصدرًا يغذي سوق العمل الصحفي بكوادر مدربة مهنيًا، بعد تأسيس صحيح يراعي القواعد الأخلاقية، وحتى لو كانت وجهة المتسربين مؤسسات مؤدلجة، فإن تعزيز معرفة الصحفي بأخلاقيات المهنة وقواعدها ستجعله يحسن من أداء الجهة التي يعمل لمصلحتها، كما أن وعيه لمهمته سيفتح أفقه، ويصبح قادرًا على التمييز بين ما هو مطلوب وما يجب أن يكون.
في جميع الأحوال، ليس هناك ما يجبر الصحفيين على الالتزام بالمؤسسات التي تدربوا فيها بشكل سليم، سوى شغفهم بالمهنة، وإصرارهم على التمسك بالجانب الأخلاقي فيها، والمكان الذي يريدون الوصول إليه مستقبلًا.
مع ما سبق، هل هناك نصائح يمكن تقديمها، للتخفيف من الاستقطاب، والحدّ من نزيف الكوادر ما أمكن.
الخبرة الطويلة للصحافة السورية المستقلة، ومثيلاتها، مع تسرب الكوادر، أظهرت صعوبة وضع ضوابط، مثل شروط على الالتزام ما بعد التدريب والتأهيل، وقد تتحول هذه الضوابط إلى عوامل طاردة في بيئة العمل الصحفي، في حال تكبيل المتدربين أو الكوادر الجديدة.
ومع صعوبة تأمين استقرار مالي عبر الإعلانات أو بيع المحتوى للجمهور، وبالتالي الدفع المجزي والمنافس للصحفيين، وهي عملية معقدة وتحتاج إلى استراتيجيات جماعية وخطط طويلة الأمد لتوعية الجمهور على أهمية الإنفاق على شراء المحتوى الذي يحسّن معرفته بحقوقه، ومعرفته لما يدور حوله، يبقى التركيز على توعية الكوادر حيال مهنتهم والمخاطر والفرص في الصحافة المستقلة أو المؤدلجة.
أختصر بعض ما يجب أن يعرفه الصحفيون الجدد في توجهاتهم المستقبلية في عدد من النقاط:
- على الصحفي أن يعرف أن الأولوية في القطاع الخاص والرسمي المؤدلج هي مصلحة الممول لا الحقيقة.
- لن يدفع من يريدون استثمارك في أجندتهم إلا مقابل ما يحصلون عليه منك، وغالبًا ستركز سياساتهم التدريبية على ما يخدم دعايتهم، لا على دفعك لتطبيق المعايير المهنية والأخلاقية.
- عندما يغير الممول سياساته بما يتعارض مع قناعاتك فأنت أمام أمرين، الرحيل أو القبول بشروطه.
- إذا أصبحت جزءًا من صحافة تمثل موقفًا سياسيًا، ستجد صعوبة في إيجاد فرصة جديدة إذا انتهت رحلتك مع تلك الصحافة.
- تذكر أن الصحافة ليست نجومية، الميزة هي ما تتركه من أثر أخلاقي يغير إلى الأفضل.
- تمتع ببعض الإخلاص للمهنة، ولمن قدم لك فرصة تدريب دون مقابل.
ربما يجادل كثيرون حول ما يرد في هذا المقال، وهو حقهم، لكن حبذا لو كان الجدل مصحوبًا بالعدالة في عدم الانحياز إلى مؤسساتهم وإدارتهم أكثر من مسؤولياتهم.. وللحديث بقية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :