السويداء – يارا نوفل
شهدت محافظة السويداء جنوبي سوريا ارتفاعًا في معدلات الجرائم، وسط حالة انفلات أمني وغياب دور الضابطة العدلية منذ سنوات، وتراوحت أنواع الجرائم بين السرقة والخطف وصولًا إلى القتل.
شبكة “السويداء 24” المحلية وثّقت، خلال أيلول الماضي، مقتل ثمانية أشخاص من أبناء السويداء، ستة منهم في المنطقة، بينهم فتاة على يد والدها بذريعة الدفاع عن الشرف، ومدني واحد في جريمة جنائية، بالإضافة إلى مقتل ثلاثة مدنيين في ظروف غامضة على أيدي جهات مجهولة، ومدني واحد نتيجة خطأ باستخدام السلاح.
وخلال أيلول، كانت هناك أربع حالات خطف حصلت في المحافظة، منها ثلاثة أشخاص خُطفوا على يد عصابات منظمة، أما الرابع فهو مواطن أردني تم اختطافه على يد عصابة مسلحة في السويداء، يرجح أنها تتبع لأحد الفروع الأمنية، وتم إطلاق سراحه فيما بعد.
عصابات وسلاح ومخدرات
وفق أهالٍ وناشطين قابلتهم عنب بلدي، يعود التصاعد في معدلات الجريمة لأسباب عدة، أبرزها غياب دور السلطة والضابطة العدلية، وعدم تطبيق القانون و”انتشار العصابات” التابعة بشكل مباشر لـ”الأمن العسكري”، كما أسهمت الأوضاع الاقتصادية المتردية والبطالة والفقر في زيادة “الأزمة” بالمحافظة، ما دفع كثيرين إلى ارتكاب الجرائم.
المحامي أيمن شيب الدين من السويداء، قال لعنب بلدي، إن سبب ارتفاع معدل الجرائم هو انتشار السلاح العشوائي، وتحويل السويداء إلى مركز لترويج المخدرات بين فئة اليافعين والشباب أو تهريبها إلى دول الجوار.
وأضاف أن الدور الذي لعبته العصابات التي تم تشكيلها من قبل جهاز المخابرات العسكرية وتمركزها عبر سنوات عديدة، كان السبب الأكبر في خلق الفوضى، وارتفاع معدل الجريمة في المحافظة.
وذكر شيب الدين أن هذه العصابات التي أطلق عليها النظام اسم فصائل محلية، أسهمت في ترويج المخدرات، وفي بعض الأحيان تصنيعها، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها العثور على آلة لصناعة حبوب “الكبتاجون” وعشرات البطاقات والمهمات الأمنية داخل مقر العصابة التي كان يقودها راجي فلحوط، والتي كانت تتبع بشكل مباشر وعلني لفرع “الأمن العسكري” في السويداء.
فصائل محلية.. حل مؤقت
تشكّلت في السويداء العديد من الفصائل المحلية منذ عام 2015 تقريبًا، والتي تقول إنها تسعى إلى توطيد الأمن في السويداء، وأعلنت استقلالها وبعدها عن النظام وأجهزته الأمنية، ومحاربة العصابات المسلحة، كما تقوم بعض الفصائل بتعبئة الفراغ الذي تركته الأجهزة الأمنية، وعلى رأس هذه الفصائل حركة “رجال الكرامة”.
وتلعب الفصائل المحلية دورًا في مكافحة الجريمة بالسويداء، بحسب ما ذكره أصلان جنبلاط وهو الاسم الحركي لمسؤول الجناح الإعلامي في حركة “رجال الكرامة”.
واعتبر جنبلاط أن ما يحصل في السويداء من فلتان أمني هو نتيجة تخلي الأجهزة الأمنية عن مسؤوليتها بشكل كامل، ما جعل الوجهاء والفصائل تتصدر المشهد للاستفادة من الأحكام العرفية والقوانين العشائرية لضبط الاوضاع، مدعومة بالقوة العسكرية.
جنبلاط خلال حديثه لعنب بلدي، أعطى مثالًا على وجود لجنة داخل الحركة مسؤولة عن حل النزاعات والخلافات بين الناس، وتقوم بتوجيه القوة العسكرية في حال كان الأمر يتطلب ذلك.
وذكر أن اللجنة تقوم بتسليم مرتكبي الجنايات إلى فرع الأمن الجنائي، لعدم قدرة أجهزة الأمن والشرطة على مداهمة المطلوب جنائيًا واعتقاله، واعتبر أن هذه الحلول مؤقتة، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال تعويض غياب الأجهزة الأمنية أو الضابطة العدلية.
مؤسسات النظام حاضرة غائبة
شهدت السنوات الماضية غياب مؤسسات النظام الأمنية عن محافظة السويداء، واعتبر ذلك إحدى المشكلات التي عانت منها المحافظة التي تُعتبر ضمن مناطق نفوذ النظام منذ اندلاع الثورة السورية، إذ لا تتدخل هذه المؤسسات في القضايا الأمنية أو الاجتماعية، وتتحرك فقط عند نشوب حراك أو احتجاج معارض للنظام.
ولا يسيطر النظام السوري عسكريًا على المحافظة، ولم تشهد عمليات عسكرية فعلية منذ بداية الثورة السورية عام 2011، باستثناء هجمات شنها تنظيم “الدولة الإسلامية” على القرى الشرقية للمحافظة تصدى لها أبناء المحافظة بمفردهم.
وتشهد السويداء بين فترة وأخرى اشتباكات بين فصائل محلية أو مهربي مخدرات، ولها طبيعتها الأمنية الحدودية مع الأردن، كما تشهد منذ آب 2023، حراكًا سلميًا يحمل مطالب سياسية تنادي بإسقاط النظام، وتطبيق الحل السياسي الرامي إلى الانتقال الآمن للسلطة والإفراج عن المعتقلين.