يعكس القرار الأخير الذي أصدرته حكومة النظام السوري بشأن المنشآت السياحية وطبيعة تحصيلها للرسوم من النزلاء الأجانب حالة من “الازدواجية”، ويثير في ذات الوقت أيضًا تساؤلات عن الأسباب التي تقف وراء سلوك “التحليل والتحريم”، الذي تفرضه أجهزة الأمن على كل من يتعامل بالدولار.
القرار صدر من جانب رئيس الحكومة، محمد غازي الجلالي، في 14 من تشرين الأول، وسمح للشركات السياحية باستيفاء عمولات خدماتها بالقطع الأجنبي، على أن يكون ذلك تبعًا لطبيعة الخدمة والبرامج المعلن عنها من قبل هذه الجهات، وبعد حصولها على الموافقات اللازمة.
وجاء بعد دخول عشرات الآلاف من الوافدين اللبنانيين إلى سوريا هربًا من حملة القصف الإسرائيلية القائمة في جنوبي لبنان.
ولا تزال حركة الوافدين مستمرة حتى الآن ورغم أنه لم تعرف وجهتهم النهائية، فغالبًا يفضل البعض منهم الإقامة في الفنادق والمنشآت السياحية في دمشق وغيرها من المحافظات.
ويفرض النظام السوري، منذ سنوات، عقوبات مشددة على كل من يتعامل بالقطع الأجنبي، ودائمًا تعلن وزارة الداخلية عن إلقاء القبض على أشخاص ضبط بحوزتهم قطع أجنبي.
ولم تقتصر الضبوطات على أشخاص وجهات بعينهم، بل شملت كل من يتعامل بالفئات النقدية الأجنبية، سواء كانوا تجار أو مواطنين عاديين أو أفراد عوائل كانوا بصدد استلام حوالات مالية من الخارج عن طريق اليد أو شركات الصرافة، العاملة في السوق السوداء.
العقوبات المشددة و”تحريم التعامل بالدولار” على كل من يتعامل به خارج الإطار القانوني، كان قد استند به النظام على مواد قانونية، أبرزها “5” و”6″، والتي صدرت في مطلع العام الحالي.
ماذا وراء “التحليل والتحريم”؟
تبلغ قيمة شراء الليرة السورية مقابل الدولار الواحد بحسب نشرة مصرف سوريا المركزي اليوم، الأربعاء 16 من تشرين الأول، 13600 ليرة سورية.
أما في السوق السوداء فتصل الليرة السورية إلى 14650 ليرة مقابل الدولار الواحد.
ولا يجد أستاذ العلوم المصرفية في جامعة “باشاك شهير”، الدكتور فراس شعبو، غرابة في التضارب بالقرارت بشأن التداول بالقطع الأجنبي.
وفي حين يوضح أن التسعير بالدولار ينسحب على الكثير من القطاعات وليس فقط منشآت المبيت السياحية، يربط أسباب القرار الأخير من جانب حكومة النظام بحركة وفود اللبنانيين إلى سوريا.
وقال شعبو لعنب بلدي إن “الحكومة تحاول الاستفادة من القطع الأجنبي الوارد من هؤلاء الوافدين”.
وأشار إلى أن هذا القرار يشكل “عبئًا على الوافدين اللبنانيين”، وأنه “سيرفع الأسعار”، ويربط أسباب ذلك بقوله إن “الخدمات ستكون مسعرة بالدولار، وبالتالي اعتماد التقابض، وهذا شيء جديد”.
وكان القرار الحكومي الأخير بشأن المنشآت المبيت السياحية نص على استيفاء تكاليف إقامة نزلائها بشكل نقدي.
“هدفان واحتمال”
ويعتقد الباحث الاقتصادي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، مناف قومان أن قرار السماح للمنشآت السياحية باستيفاء خدماتها بالقطع الأجنبي من النزلاء الأجانب يمكن قراءته من عدة جوانب.
فمن جهة يهدف النظام إلى تيسير أمور النازحين اللبنانيين في “المرافق السياحية التي جلسوا أو يرتادون إليها في هذه الظروف القاهرة”.
ومن جهة أخرى، يضمن عدم تسرّب القطع الأجنبي إلى السوق السوداء وبقاءه في قنوات مرخصة تصب لصالح المصرف المركزي، وفق حديث الباحث.
ولا يستبعد قومان، في حديثه لعنب بلدي، وجود ضغوط على حكومة النظام من قبل التجار وأصحاب المرافق السياحية لتيسير أعمالهم، كما قد تكون هناك أيضًا مطالب من قبل الحكومة اللبنانية وجهات أخرى في لبنان من حكومة النظام لتيسير معاملات النازحين المالية، وفقًا لقومان.
ويرى الباحث أن قرار المنشآت السياحية قد يكون مؤقتًا بحكم حالة النزوح، وكونه يستهدف جهات محددة بعينها.
ومن جهته، يعتبر أستاذ العلوم المالية شعبو أن توافد اللبنانيين إلى سوريا سيدر القطع الأجنبي في خزينة النظام السوري، لكون أغلب اللبنانيين يملكون قطعًا أجنبيًا.
وبلغ عدد النازحين الذين دخلوا من لبنان تجاه سوريا منذ بداية حملة إسرائيل وحتى الآن، نحو 276 ألف شخص، 60% منهم دون 18 سنة، بحسب تقرير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، 14 من تشرين الأول.
وتتناقض أرقام المفوضية مع ما أعلنته مديرة التخطيط والتعاون الدولي بوزارة الإدارة المحلية والبيئة، صونيا عفيصة، التي قالت إن العدد الكامل للقادمين من لبنان إلى سوريا بلغ نحو 400 ألف سوري ولبناني.