شهد الشمال السوري تصعيدًا عسكريًا هو الأعنف منذ أكثر من ثلاثة أشهر، حيث شنت المقاتلات الحربية الروسية أكثر من 25 غارة جوية خلال الساعات الماضية، على مناطق متفرقة من شمال غربي سوريا، ما فتح باب التساؤلات حول أسباب هذا التصعيد.
وقال “أبو أمين”، المشرف على “المرصد 80“ المتخصص برصد التحركات العسكرية، لعنب بلدي، إن الطيران الروسي شن خلال 24 ساعة 26 غارة جوية، شملت 15 غارة، الاثنين 14 من تشرين الأول، و11 غارة اليوم الثلاثاء.
وذكر “أبو أمين” أن التصعيد الأعنف كان الاثنين، حيث تناوبت سبع طائرات حربية روسية على قصف أرياف شمال غربي سوريا، عبر 15 غارة استخدمت خلالها 21 صاروخًا فراغيًا، مشيرًا إلى أن المواقع المستهدفة كانت قريبة من المخيمات، ولم تكن نقاطًا عسكرية كما يدّعي النظام السوري.
تصعيد بعد هدوء
التصعيد الروسي جاء بعد هدوء لأكثر من ثلاثة أشهر، حيث كانت آخر غارة روسية على شمال غربي سوريا، في 10 من تموز الماضي، استهدفت حينها بالصواريخ الفراغية محيط قرية الحمامة بريف جسر الشغور غربي إدلب.
ومنذ ذلك الحين، كان الطيران الروسي يقتصر على طلعات جوية استطلاعية، بينما كانت قوات النظام السوري وميليشياته تقصف بشكل شبه يومي الشمال السوري، عبر المدفعية والمسيّرات الانتحارية.
التصعيد الروسي تعمّد شلّ الواقع الخدمي، حيث استهدفت إحدى الغارات الجوية اليوم،محطة “الكيلاني” للكهرباء في منطقة عين الزرقا بريف دركوش غربي إدلب، ما تسبب في توقف ضخ المياه على المنطقة حتى إشعار آخر، وفق ما ذكره مراسل عنب بلدي في إدلب.
وقال “الدفاع المدني السوري”، إن مدنيين اثنين يعملان في محطة “الكيلاني” للكهرباء أصيبا بجروح، إضافة إلى اندلاع حريق في المحطة، إثر غارات جوية روسية استهدفتها بشكل مباشر.
حكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب قالت في بيان لها، الاثنين 14 من تشرين الأول، إن “الأعمال العدائية” تأتي في ظل ظروف تزيد معاناة الأهالي المدنيين وتزيد من الضغط باتجاه المناطق الحدودية، وتمثل حالة من “الإرهاب الممنهج” تجاه المدنيين العزل.
تحذير لفصائل المعارضة
تعليقًا على التصعيد الروسي، قال الباحث في الشؤون العسكرية بمركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني، إن الهدف توجيه رسائل تحذيرية لفصائل المعارضة، بألا تستغل الظرف الذي يعاني منه النظام في ظل التصعيد الإسرائيلي، وتحاول التقدم والاستيلاء على مناطقه، حيث تعتبر موسكو أن “الفصائل ستواجه حينها ردًا روسيًا عنيفًا”.
وأضاف حوراني لعنب بلدي، أن روسيا تريد من وراء هذا التصعيد أيضًا توجيه رسالة لتركيا، أنها (أي موسكو) على استعداد لتقديم الدعم لحماية النظام والدفاع عنه ضد أي تحرك عسكري للفصائل، وبأنها غير راضية عن أي عمل يخل بالاتفاقيات المتعلقة بشمال غربي سوريا بين أنقرة وموسكو.
من جهته، قال عميد كلية العلوم السياسية بالجامعة “الأهلية”، الدكتور عبد الله الأسعد، إن القصف الروسي في ظاهره يشبه التمهيد الناري لإجراء عملية برية، لكن نظام الأسد في ظل التصعيد الإسرائيلي واحتمالات التوغل جنوبي سوريا، غير قادر على أن يقوم بعمليات هجومية أو أي عمل بري.
ويرى الأسعد في حديثه لعنب بلدي، أن تصعيد روسيا هدفه توجيه رسائل لجميع الأطراف، وعلى رأسها الفصائل، أنها حاضرة بقوة على الأرض، وأن حرب أوكرانيا والتطورات الاقليمية لن تجعلها مشغولة عن جبهات الشمال السوري.
صحيفة “الوطن” المحلية قالت إن استهداف روسيا بكثافة لريفي إدلب واللاذقية، بمثابة رسالة تحذير لفصائل المعارضة من مغبة الإقدام على “أي تهور”، وخصوصًا أن “هيئة تحرير الشام” تعمد إلى حشد مقاتليها على جبهات القتال بهدف شن عمل عسكري واسع باتجاه نقاط قوات النظام.
كانت غرفة عمليات “الفتح المبين” العاملة في إدلب وريفي حلب وحماة المتاخمين لها، أعلنت استعدادها وجاهزيتها لأي تطور أو تصعيد في منطقة شمال غربي سوريا.
وقالت القيادة العامة لـ”الفتح المبين” في بيان عبر حسابها على “تلجرام“، في 12 من تشرين الأول الحالي، إن النظام وإيران “يمارسان عدوانًا مستمرًا على المدنيين في الشمال السوري”، إذ شهدت الأسابيع والأيام الماضية عمليات قصف بالمدفعية الثقيلة والطائرات الحربية واستهدافًا للآمنين في قرى إدلب وأرياف حلب.
اقرأ المزيد: غارات روسية تستهدف مناطق بالشمال السوري
رسائل لأمريكا
حكومة “الإنقاذ” قالت في بيان لها، الاثنين 14 من تشرين الأول، إن التصعيد الروسي الذي طال شمال غربي سوريا، شمل استهداف مناطق عالية الكثافة السكانية، عبر تنفيذ أكثر من 20 غارة على الأطراف الشمالية والغربية لإدلب، بالتزامن مع زيارة وفد أممي للمنطقة.
وتعليقًا على ذلك، قال عميد كلية العلوم السياسية بالجامعة “الأهلية”، الدكتور عبد الله الأسعد، إن استهداف روسيا لموقع يوجد فيه وفد أممي بريف إدلب، هدفه أن تبعث روسيا برسائل تحذيرية للولايات المتحدة، بأنها غير معنية بقرارات الأمم المتحدة، وأن أمريكا ليست صاحبة القرار الوحيدة في سوريا.
وأشار الأسعد إلى أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يحاول تكرار سيناريو رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي استهدف عدة مرات القوات الحدودية الأممية “يونيفيل” جنوبي لبنان، وبأن موسكو تستطيع أن تخرق القانون الدولي وكل المواثيق والمعاهدات.
وتسعى موسكو إلى مزاحمة واشنطن على النفوذ في سوريا، ففي مطلع العام الحالي، وصفت وزارة الخارجية الروسية الوجود العسكري الأمريكي في سوريا بأنه غير قانوني، واعتبرته عاملًا رئيسيًا في زعزعة الاستقرار في البلاد.
استعراض عسكري
بالتزامن مع التصعيد العسكري الروسي على شمال غربي سوريا، تحدثت صفحات موالية للنظام السوري، أن الأخير أرسل تعزيزات عسكرية من “الفرقة 25” (مهام خاصة) إلى مدينة تل رفعت شمال حلب، لدعم قوات “الحرس الجمهوري” الموجودة هناك منذ 2018 .
وقال حساب “سام” على “إكس”، المتخصص برصد أخبار قوات النظام وتحركاتها العسكرية، إن النظام نشر قوات من “الفرقة 25” على جبهات ريفي حلب وإدلب، وقد يتطلب الأمر إرسال المزيد من التعزيزات والقوات لجبهات إدلب وحلب لاحقًا.
وحول سبب إرسال النظام السوري تعزيزات عسكرية إلى الشمال السوري بدل الجولان، قال حساب “سام“، إن الأمر يتعلق بالتقديرات العسكرية والمعلومات والمعطيات وحاجة وظروف الميدان والانتشار، مضيفًا أن “الفرقة 25 مهام خاصة، هي من نخبة القوات المتخصصة في محاربة التنظيمات الإرهابية، لذلك تم إرسالها إلى ريف حلب”.
في السياق ذاته، قال “أبو أمين” المشرف على “المرصد 80“ المتخصص برصد التحركات العسكرية، لعنب بلدي، إنهم رصدوا إرسال النظام تعزيزات عسكرية إلى قرى وبلدات إيكاردا، الشيخ أحمد، أم عتيبة، الكسيبية، والبوابية بريف حلب الجنوبي، وإلى شرقي قرية كفر حلب.
وأشار “أبو أمين” إلى أن تلك التعزيزات غرضها “إعلامي واستعراضي فقط”، وهي تعزيزات ذات طابع دفاعي وليس هجوميًا كما تروّج حسابات النظام.
بدوره، قال الباحث في الشؤون العسكرية بمركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني، إن الفصائل خلال العامين الماضي والحالي عملت على جس نبض قوات النظام، من خلال عمليات خاطفة في أرياف حلب وحماة واللاذقية، حيث أوقعت تلك العمليات خسائر مادية وبشرية في صفوف النظام، وأظهرت هشاشة قواته البرية.
ويرى حوراني أن الفصائل قد تستغل هشاشة النظام وانشغاله بالتصعيد الإسرائيلي، وتشن عملًا عسكريًا، مشيرًا إلى أن التعزيزات العسكرية التي تحشدها فصائل المعراضة تعزز تلك الفرضية.
في المقابل، استبعد عبد الله الأسعد شن أي عمل عسكري من قبل الفصائل أو النظام، مشيرًا إلى أن الظروف الدولية الحالية تمنع أي طرف من الإقبال على أي تحرك بري يربك الحسابات الدولية، ويسهم في تأجيج المنطقة المتوترة أصلًا، بفعل الحرب في غزة ولبنان.