يقلّب المدرّس عبد الرحمن ناظريه في المنهاج المدرسي محاولًا إيجاد طريقة يشرح فيها للطلاب الدروس في اليوم التالي، بحيث يستطيع من خلالها إيصال المعلومة بالاعتماد على مخيلة الطلاب عوضًا عن الاعتماد على الوسائل التعليمية الضرورية الغائبة عن مدارس في إدلب.
وتوفر المجسمات والأدوات التعليمية الأخرى الزمن والجهد، ويمنح الطالب من خلالها مخزونًا علميًا أكبر، بحسب قول عبد الرحمن الخضر، وهو معلم صف للحلقة الأولى يعمل في مدارس إدلب منذ ثماني سنوات.
الأدوات التعليمية كالخرائط والمجسمات والعدسات المكبرة والعدادات الرياضية من الوسائل المهمة والأساسية التي يجب أن تتوفر في المدارس، ويستخدمها المدرسون في إيصال المعلومات للطلاب بشكل عملي.
وذكر المدرس عبد الرحمن لعنب بلدي أن بعض التلاميذ يستطيعون التخيل، لكن آخرين لا يصلون إلى التصور الصحيح، وهو ما يحتاج إلى اعتماد المدرّس على الشرح اللفظي وبالتالي الحاجة لوقت أكبر لإيصال المعلومات.
وأفضل وسيلة لتعليم التلاميذ في السنوات الأولى هي عبر اللعب، لأن الأطفال يحبون استخدام الحواس المختلفة كاللمس والبصر، ما يفيد في استخدام فضول الأطفال بترسيخ المعلومات، وفق المدرّس عبد الرحمن.
إرهاق جسدي ومالي
المناهج المدرسية المعتمدة من قبل وزارة التعليم تفترض وجود العديد من الأدوات التي يجب على المدرّسين استخدامها خلال الدروس، وغياب هذه الأدوات يعرقل عملية شرح الدروس وإيصال المعلومات للطالب، وبالتالي يصبح الدرس بحاجة إلى وقت أطول مما هو مقرر في المنهاج، وإلى بذل مجهود أكبر من قبل المدرّس.
بعض الدروس تتضمن قصة يجب أن يستمع إليها التلاميذ، ثم يجيبوا عن سؤال الاستماع، وبسبب عدم وجود مكبرات الصوت، يضطر المعلم لقراءة القصة على الطلاب، ما يرهق المعلم في التحضير للقصة كما تستغرق القصة وقتًا أطول.
من جانبها، قالت المعلمة هند السيد، إن المعلمين يضطرون لتخصيص جزء من رواتبهم لشراء بعض اللوحات التي يرسمون عليها مخططات أو رسومات لتعويض نقص المستلزمات في المدارس.
ويبلغ راتب المعلم في أفضل الأحوال 150 دولارًا أمريكيًا، وهو مبلغ بسيط لا يكفي المعلمين في ظل الأسعار المرتفعة في الشمال السوري، و”تخصيص مبالغ من الدخل لتعويض نقص المستلزمات يزيد من إرهاق المعلم المادي”، وفق ما ذكرته المعلمة هند لعنب بلدي.
أمين سر مدرسة “هنانو” لتعليم الحلقة الأولى في إدلب، أحمد أمين، أوضح لعنب بلدي أن معظم المدارس تفتقر لـ”اللوجستيات”، كالهياكل العظمية والكرات الأرضية والمخططات التي تفترض المناهج المدرسية وجود العشرات منها في المدارس.
من جانبه، قال معاون مدير مدرسة “هنانو”، يوسف القاضي، إن المستلزمات مهمة للغاية حتى يجمع المدرس بين الأسلوب النظري والعملي في الشرح.
وأضاف يوسف لعنب بلدي أنه يبلّغ الموجهين التربويين الذين يحضرون للمدرسة بهذا النقص، وهم بدورهم يبلغون الوزارة بضرورة تأمين هذه المستلزمات.
اقرأ أيضًا.. فجوة باحتياجات الكتب المدرسية في إدلب
تفاوت بين المدارس
تعتبر الوسائل التعليمية من ضمن الاحتياجات الأساسية للمدارس، وهناك مدارس تفتقد لها بينما تتوفر في أخرى، وتلك التي لا توجد فيها وسائل يتم تعويض نقصها من خلال عرض الدروس على أجهزة الإسقاط، بحسب مدير التوجيه التربوي في مديرية التربية بإدلب، عمار عوض.
وضمن دائرة المناهج في إدلب، تم تجهيز قائمة باللوازم من الوسائل ليتم تأمينها، وبإمكان أي جهة مانحة أن تأخذ تفاصيل الوسائل من أجل تجهيزها وتزويد المدارس بها، وفق قول مدير التوجيه التربوي لعنب بلدي.
وذكر عوض أن الأولويات في هذه المرحلة تأمين الكتب لطلاب الحلقة الأولى ثم الحلقة الثانية، إذ يوجد 550 ألف طالب بحاجة ماسة للكتب، مشيرًا إلى أن عددًا من الجهات المانحة قدمت وعودًا لكن لم يتم تسليم أي نسخة حتى الآن.
ويشهد الواقع التعليمي في إدلب العديد من العوائق والتحديات، على رأسها غياب بيئة تعليمية للتلاميذ، وانقطاع الدعم عن العديد من مدارس الحلقة الأولى، وتوقف الدعم بشكل كامل عن مدارس الحلقة الثانية والمرحلة الثانوية، وعدم القدرة على استيعاب عدد الطلاب المتزايد.
تحديات واقع التعليم تجبر المعلمين على العمل بشكل تطوعي، وتضطر المدارس إلى جمع كبير من الطلاب في غرفة صفية واحدة.
مدير التربية والتعليم في إدلب، أحمد الحسن، قال لعنب بلدي في وقت سابق، إن نقص الكتب المدرسية هو نتيجة عدم تبني مشروع الكتب من أي جهة.
وأضاف أن عدة جهات كانت تقدم الكتب مجانًا للطلاب، ولم تكن تسد الاحتياج المطلوب، لكن هذا العام لم تقدم أي جهة الدعم لعدم تضمين مشروع طباعة الكتب المدرسية في مشاريع كفالة المدارس.
بالمقابل، تحاول منظمات وناشطون في المنطقة إطلاق مبادرات لتأمين الكتب، منها مبادرة “طلابنا أمانة“، التي يسعى القائمون عليها لتأمين كتب دراسية لنحو 1000 طالب وطالبة في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي.
كما وزعت منظمة “بنفسج” العاملة في شمال غربي سوريا كتبًا مدرسية في مدينة ادلب وريفها بعد إطلاقها مبادرة استهدفت أكثر من 2000 طالب وطالبة.