“الشعب يريد المنهاج القديم”، شعار نادى به محتجون من أبناء مدينة منبج بريف حلب خلال المظاهرات التي انطلقت في المدينة قبل نحو 20 يومًا، ترافقت بإضراب عام لا يزال مستمرًا حتى اليوم.
الاحتجاجات اندلعت بالمدينة وريفها في نهاية أيلول الماضي، بسبب طرح “الإدارة الذاتية” التي تسيطر على المنطقة مناهج تعليمية جديدة، تشمل مواد تعليمية اعتبرها سكان منبج ومناطق أخرى في شمال شرقي سوريا مسيئة لثقافتهم.
وأغلقت منبج محالها وأسواقها التجارية منذ أيام، وخرج محتجون في مظاهرات سلمية في الساحات العامة، وأمام مبنى هيئة التربية والتعليم، أحدثها كان الثلاثاء 15 من تشرين الأول، وانتهت بهجوم القوات الأمنية على المحتجين لفض الاحتجاجات.
وشهدت مناطق متفرقة في شمال شرقي سوريا احتجاجات تجددت مع بداية العام الدراسي الجديد، رفضًا للمنهاج الدراسي الذي تحاول “الإدارة الذاتية” فرضه على المؤسسات التعليمية في المنطقة.
رفض الأهالي ينطلق من احتواء المنهاج على مواد اعتبروها مسيئة للدين، وثقافة المنطقة، تسببت باستقالات في القطاع التعليمي، وطرد ذوي الطلاب عاملين في المؤسسات التربوية التابعة لـ”الإدارة” من المدارس.
وبدأت “الإدارة الذاتية” تعميم منهاجها الجديد من مدينة منبج شرقي حلب، لكن احتجاجات اندلعت رفضًا لهذا التغيير، وانتهت بطرد موفدي “الإدارة”، وإحراق النسخ الموزعة فيها.
اعتقالات وقمع
حمادة من سكان مدينة منبج وشارك في الاحتجاجات المناهضة للمنهاج التعليمي، قال لعنب بلدي، إن تعامل “الإدارة الذاتية” مع المظاهرة الأولى كان إيجابيًا نوعًا ما، لكن في المظاهرة الثانية اعتقلت عددًا من المشاركين فيها، وخلال المظاهرة الثالثة استقدمت قوات أمنية اعتدت على المحتجين بالضرب.
وبدأت الدعوة للإضراب ومقاطعة المدراس من طلاب مدرسة “العروبة” الابتدائية بمدينة منبج، في 15 من أيلول الماضي، بعد تسلم الكتب المدرسية بيوم واحد، إذ رفض بعض الطلاب تسلم الكتب وآخرون أحرقوها بناء على توجيهات ذويهم.
ومع بداية الإضراب، انتشرت دعوات للاحتجاج عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ودعت لمقاطعة المدارس في منبج وأريافها، ولا تزال هذه الدعوات مستمرة حتى اليوم.
ومن جانبه قال بدر، وهو أحد سكان منبج ومشارك في الاحتجاجات السلمية، إن مطالبهم الرئيسة تكمن في عدم التعرض لأي شخص بسبب المظاهرات، وسحب “المقنعين” (القوات الأمنية) من شوارع المدينة، والحد من المظاهر المسلحة بين المدنيين، والاعتذار من أهالي المعتقلين والأطفال الذين تأخروا عن مدارسهم ومناهجهم لسنوات، والعودة للمنهاج المعترف به رسميًا، وإخراج المعتقلين.
“تؤجج الفتنة”
مصدر مسؤول في هيئة الشؤون الاجتماعية بـ”الإدارة الذاتية” قال لعنب بلدي، إن من وصفها بـ”الجهات المحرضة” تلعب على وتر عدم وجود اعتراف بالمنهاج، والاعتياد على دراسة منهاج النظام لسنوات طويلة، ما يخلق بلبلة في حال تغيره.
وأضاف أن لـ”الإدارة الذاتية” رؤية سياسية ومجتمعية للوضع في شمال شرقي سوريا، وتسمح بالمظاهرات السلمية، لكن من خلال قوانين وشروط واجب اتباعها، عبر تقديم طلب بموضوع المظاهرة واللافتات التي سيتم حملها وطلب حماية “قوى الأمن الداخلي” (أسايش) وألا يشغل المحتجون الشوارع.
واعتبر أن المظاهرات “خطوة إيجابية”، خاصة عندما يكون “النقد بنّاء” وعندما تكون الاحتجاجات “قانونية”، مشيرًا إلى أن العقد الاجتماعي الذي طرحته “الإدارة الذاتية” منذ نحو عام، يكفل حرية الرأي والتعبير، لضمان عدم تدخل الجهات الخارجية وتحويل الاعتراض إلى حالة من الفوضى.
المصدر قال إن العديد من الحسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحاول “تأجيج الفتن وضرب استقرار المنطقة وتشويه صورتها أمام المجتمع الدولي”.
وفي الوقت نفسه، يرى المصدر أن “الإدارة الذاتية” تتقبل الشكاوى ويمكن من خلالها النقد وعرض المطالب، فضلًا عن الاجتماعات عبر “الكومينات” (مخاتير الأحياء) لمعرفة آرائهم ومحاولة حل المشكلات رغم المعوقات الاجتماعية والاقتصادية.
ولفت إلى أن مناقشات تجري مع هيئة التربية والتعليم في “الإدارة الذاتية” من قبل مجموعة من المثقفين والمهتمين بالتعليم، تهدف لحل المشكلة مع أخذ المطالب الشعبية بعين الاعتبار، ضمن الإمكانيات المتاحة.
مشكلات المنهاج
لا تعتبر الاحتجاجات الحالية هي الأولى من نوعها، إذ سبق وشهدت محافظة دير الزور والحسكة والرقة احتجاجات مشابهة خلال العام الماضي، مع المحاولة الأولى لطرح المنهاج.
وفي حديث سابق لعنب بلدي قال حسين الراوي، وهو معلم في مدرسة شرقي دير الزور، إن رفض المنهاج انطلق من مجموعة معايير، أولها أن الكوادر التعليمية لم تطلع على المنهاج الجديد بعد التعديل، إلى جانب أن الأشخاص القائمين على مناقشة المنهاج لا يملكون إمكانيات تخولهم إعداد المناهج.
وأضاف أن المنهاج فقير علميًا حسب الخطة التعليمية الصادرة من هيئة التربية والتعليم، وحذفت منه مادة اللغة الإنجليزية، وعلم الأحياء في الصفوف الدنيا، كما حذفت مادة التربية الإسلامية، ما أعطى انطباعًا سيئًا تجاه نيات “الإدارة”.
المدرّس قال أيضًا، إن “الإدارة الذاتية” لم تكتفِ بحذف مواد أساسية من المنهاج، بل تعمل على فرض اللغة الكردية التي يراها غير مفيدة بالنسبة للطلاب، ولن تضيف أي قيمة تعليمية لهم.
واعتبر مدرسون آخرون أيضًا أن مادة “الجنولوجيا” التي أضيفت للمنهاج تسيء لتركيبة المنطقة الاجتماعية، وثقافتها.
وتضمن منهاج “الإدارة الذاتية” العديد من الجزئيات التي اعتبرت إشكاليات بالنسبة لسكان شمال شرقي سوريا، منها خريطة كردستان التي تضم أجزاء من سوريا، إلى جانب جمل نُسبت لمؤسس حزب “العمال الكردستاني” تركي الجنسية، عبد الله أوجلان، وعرّفته على أنه “فيلسوف”.
اقرأ أيضًا: مع بدء العام الدراسي.. عودة أزمة منهاج “الإدارة الذاتية”
ما المنهاج الجديد
في أيار الماضي، أعلنت مؤسسة المناهج التابعة لـ”الإدارة الذاتية” عن نيتها تجديد واستبدال المناهج الدراسية لصفوف المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، ويشمل التجديد مناهج اللغتين العربية والكردية.
ونقلت وكالة “هاوار” المقربة من “الإدارة” عن الإداري في مؤسسة “المناهج” دارشين خليل، أن المؤسسة أعادت النظر في جميع كتب المناهج الدراسية، آخذة بعين الاعتبار مقترحات المعلمين والطلبة.
وفي المرحلة الأولى، ستستبدل مناهج الصفوف الأول والرابع والسابع والعاشر، ومن المقرر أن يُستكمل هذا التغيير في صيف 2024، ويدخل القرار حيز التنفيذ اعتبارًا من العام الدراسي 2024–2025.
ويستمر التعليم في الصفوف الثاني والخامس والثامن والحادي عشر وفق المنهاج الحالي، على أن تُستبدل مناهج هذه الصفوف في المرحلة الثانية، خلال العام الدراسي 2025–2026.
وفي المرحلة الثالثة، تستبدل مناهج الصفوف الثالث والسادس والتاسع و”البكالوريا”، وفق التغييرات التي جرت في المرحلة الثانية، وستستكمل في صيف 2026، فيما ستدخل حيز التنفيذ خلال العام الدراسي 2026–2027.