بعد رحلة دامت 40 عامًا في البحث وجمع القطع القديمة، يملك أندراوس يوسف شابو (66 عامًا) المنحدر من عائلة سريانية من مدينة القامشلي، نموذجًا مصغرًا ومعرضًا عن تراث الجزيرة السورية بأكمله في قبو منزله.
طوّر أندراوس هواية والده بجمع القطع القديمة، ولم تمنعه هجرة أبنائه إلى أوروبا واستقرارهم هناك، من البحث عن طريقة يحفظ من خلالها النمط الحياتي لأجداده ويظهره للعالم، ليجمع في قبو منزله نحو 2500 قطعة، وصفها من شدة حبه لها بـ”2500 ولد وبنت”.
كيف كانت البداية؟
يتجول أندراوس في معرضه مستذكرًا والده، إذ إنه لم يكن يفهم ما التراث إلا عندما بدأ والده بجمع القطع القديمة، وشيئًا فشيئًا تبلور الأمر حتى بات هواية للولد الذي تربى على حب ومعرفة القطع القديمة.
وبالفعل، بدأ الرجل منذ 40 عامًا بالتجول في القرى والبحث عن القطع التراثية التي تروي تاريخ الجزيرة كـ”الجشوة” بالعربية و”كودو” بالسريانية و”مشك” بالكردية (قطعة من جلد الأغنام يصنعون من خلالها السمن العربي).
وبحث عن المناجل والمعاول والأسلحة القديمة، والكاميرا كـ”أول كاميرا تم استخدامها”، والساعات الرملية والمنبهات القديمة، والرحى (لطحن الحنطة والبرغل والعدس والملح وغيرها) وأدوات الخبز كالصاج والتنور والعديد مما جلبه إلى معرضه، حتى وصل الأمر إلى تلقي المساعدة من بعض الأصدقاء.
قال أندراوس لعنب بلدي، إنه لا يستفيد من المعرض ماديًا، وإنما يريد إظهار تراث الآباء والأجداد للأجيال القادمة، وإبراز كيفية عيش الأجداد في الجزيرة السورية، وكيفية ممارستهم لحياتهم اليومية من خلال الأدوات التي استخدموها، وكيف تطورت هذه الأدوات عبر إظهار شكلها البدائي.
نمط حياة الأجداد
وفق الستيني، تتراوح أعمار القطع المعروضة بين 100 و150 عامًا وأكثر، وفيه أكثر من 2500 قطعة متفاوتة الأحجام بين الكبيرة والصغيرة والمتوسطة، المرتبة على الرفوف والمعلقة على الجدران، تتوسطها عربة بدائية بعجلات كبيرة كالتي تظهر في المسلسلات ولها مكان لربط الدواب (الخيول والحمير وغيرها) فيها والتي تجرها.
وقال أندراوس، “سابقًا من كان يملك عربة كمن يملك سيارة في يومنا هذا، وخاصة أن أجدادنا عُرفوا بالزراعة فكانوا ينقلون عبرها القش والقطن وغيرها، ويستخدمونها لتلبية الاحتياجات الشخصية حتى إنها كانت عبارة عن سيارة إسعاف بدائية، ينقلون عبرها المرضى من القرى إلى المدينة”.
وهو يحمل مكواة كانت تعمل بالفحم، أوضح أندراوس أن شكلها يشبه شكل المكواة العادي إلى حد كبير، لكن الأسلاف وضعوا فيها الفحم ليزيدوا الحرارة، ويتمكنوا من كي الملابس.
وفي زاوية من الزوايا، وضع “السّبط” وهو عبارة عن “موبيليا” أو المكان الذي تحفظ فيه العروس جهازها (البديل للخزانة)، وعلى مقربة منها توجد أقدم مدفأة (صوبيا) تم استخدامها في المنطقة، وراديوهات قديمة، و مغارف مصنوعة من القرع المجفف أي ما يشبه “الملاعق الكبيرة”، وكانوا يستخدمونها عندما يذهبون إلى منهل ليسكبوا الماء على أنفسهم.
ويحتوي المعرض على أدوات مطبخ قديمة وعلى “كلابيش” التي كانوا يستخدمونها في تقطيع “اللبن” الذي يبنون من خلاله المنازل الطينية، و”الجرجر” الذي من خلاله كانوا يحولون القش إلى تبن بطريقة يدوية.
في قبو
يعتبر أندراوس أن مقتنيات المعرض تثبت قدرة الإنسان على صنع شيء من أبسط الأشياء، إذ كان الإنسان القديم بحاجة للعمل وأدوات تبسط له العمل، لذلك لجأ لاختراع هذه الأدوات.
ويستقبل أندراوس الزوار بصدر رحب، “يأتيني العديد من طلاب المدارس والجامعات والشبان/ات، وحتى جاءني من أوروبا زوار انبهروا بالمعرض، وكان معهم دليل يترجم لهم الرسالة التي يحاول المعرض نقلها”، قال أندراوس.
وأضاف أن “تراث الجزيرة محصور الآن في هذا القبو”.
منح أندراوس هذا التراث الذي جمعه للجمعية الآثورية للإعانة والتنمية، قائلًا لعنب بلدي، إنه لن يعمّر طويلًا، ولذلك يمكن أن تضع الجمعية هذه القطع في معرض.
وأنهى الستيني حديثه آملًا من جميع المكونات في المنطقة أن يحافظوا على التراث وينقلوه.