“الحرب الخلفية” تفسر وجود قادة “حزب الله” في سوريا
عنب بلدي – خالد الجرعتلي
تثير الغارات الإسرائيلية المتكررة في سوريا التساؤلات عن أسباب وجود قادة من “حزب الله” اللبناني، في وقت تشتعل فيه جبهات القتال ضد قوات إسرائيلية تتقدم داخل الجنوب اللبناني.
حضور هؤلاء القياديين كان سريًا في سوريا، إلى أن كشفته الضربات الإسرائيلية، خاصة في العاصمة دمشق، حيث قتل عدد منهم خلال الأسابيع الماضية.
أحدث الضربات قصف تعرضت له منطقة المزة، في 8 من تشرين الأول الحالي، لم يُعرف المستهدف فيه حتى اليوم، في حين أسفر القصف عن ضحايا مدنيين.
وفي 1 من تشرين الأول، أغارت طائرات إسرائيلية على موقع بمحيط حي المزة فيلات غربية، بجانب الحديقة الفرنسية في العاصمة السورية دمشق، من اتجاه الجولان، ما خلف ثلاثة قتلى وتسعة جرحى، من بينهم الإعلامية صفاء الأحمد، إضافة إلى أضرار مادية.
بينما قتل حسن جعفر قصير، صهر الأمين العام السابق لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، في ضربة استهدفت نفس الحي، في 2 من تشرين الأول.
“حزب الله” يتموضع في سوريا
عقب اشتداد الضربات الإسرائيلية في لبنان، قالت وكالة “بلومبرغ” الأمريكية، إن “حزب الله” بنى منذ تدخله في سوريا عام 2012 قواعد وشبكة أنفاق معقدة على الحدود السورية- اللبنانية.
ونقلت الوكالة عن مصادر مطلعة على التحركات العسكرية قولها، إنه بعد اغتيال إسرائيل الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، ستصبح كل من سوريا والعراق حليفين رئيسين في نقل الموارد إلى “حزب الله” في لبنان.
وقالت المصادر، إن إيران نقلت آلاف المقاتلين من العراق إلى سوريا خلال الشهرين الماضيين، كما ستحاول نقل آلاف آخرين إلى المناطق الحدودية بين لبنان وسوريا، لتعزيز قدرتها على الردع.
ونقلت مجلة “تايم” الأمريكية عن مصدر وصفته بـ”المطلع”، أن إيران تعمل على نقل آلاف المسلحين إلى المناطق الحدودية بين سوريا ولبنان.
وأكد مصدر المجلة أن “عدة آلاف من المسلحين” غادروا العراق خلال الشهرين الماضيين إلى سوريا، وأن إيران “تستعد لتعزيز قوة الردع لديها”.
ونقلت المجلة عن المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) ومدير برنامج الأمن بالشرق الأوسط في “مركز الأمن الأمريكي الجديد”، جوناثان لورد، قوله، إن “إيران لا تقاتل من أجل وكلائها، بل يقاتل وكلاؤها من أجلها”.
وأضاف لورد أن طهران “مهتمة أكثر بالحفاظ على نفسها، ولن تعرض نفسها للخطر عمدًا”.
ماذا بعد تمركز “الحزب” في سوريا
تتمركز قوات من “حزب الله” اللبناني في سوريا منذ سنوات، لكن وجودها لم يكن مرتبطًا بحرب “محور المقاومة” ضد إسرائيل، إنما كان “الحلف” يركز على إجهاض حراك السوريين المناهض للنظام في سوريا.
وعلى مدار السنوات الماضية، خاض “الحلف” حربًا طويلة ضد السوريين، من سلميين ومسلحين معارضين، وعمّقت الحرب من وجود “حزب الله” في سوريا، حتى بدأت العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان، وصار هذا الوجود يشكل خطرًا بالنسبة لإسرائيل، التي كررت استهداف “الحزب” على الخارطة السورية.
ويعتقد المحلل السياسي المتخصص بالشأن الإيراني مصطفى النعيمي، أن هناك استنتاجات يمكن استخراجها من تمركز “حزب الله” في سوريا اليوم، لو صحت التسريبات التي تتحدث عن وجود على صعيد القادة.
وقال النعيمي، لعنب بلدي، إن هذا الوجود مبني على التخوف الكبير من حجم الملاحقة الأمنية والاستخباراتية التي تمنح للجانب الإسرائيلي وصولًا إلى أماكن تموضع قادة “الحزب” داخل الجغرافيا اللبنانية، لذلك يحاولون تغيير مكان إقامتهم على صعيد الدولة، وليس الموقع.
ووفق المحلل السياسي، يمكن النظر إلى “حزب الله” اليوم على أنه يخفي بعض قادته ليسد الفراغ الذي أعقب مقتل أكثر من 50 قياديًا منه بضربات إسرائيلية، إضافة إلى إصابة أكثر من 4000 من قيادات المجموعات، وبالتالي فهو يخفي جزءًا من قادته في سوريا ليحافظ عليهم كشخصيات بديلة.
وكالة “رويترز” نقلت في تقرير، في 11 من تشرين الأول، عن مصدرين وصفتهما بالمطلعين على عمليات “حزب الله”، أن الأخير شكّل قيادة عسكرية جديدة تدير إطلاق الصواريخ والعمليات البرية، استعدادًا لحرب استنزاف طويلة في جنوبي لبنان.
وأضافت مصادر الوكالة أن “حزب الله” لا يزال يملك “مخزونًا كبيرًا من الأسلحة”، من بينها أقوى صواريخه الدقيقة التي لم يستخدمها بعد، رغم موجات الغارات الجوية التي تقول إسرائيل إنها استنفدت ترسانة “الحزب” بشدة.
ونقلت الوكالة عن قائد ميداني في “حزب الله”، أن قيادة “الحزب” كانت مضطربة خلال الأيام القليلة الأولى بعد اغتيال حسن نصر الله، إلى أن أنشأ مسلحوه “غرفة عمليات” جديدة بعد 72 ساعة.
وعقب ساعات على انتشار تقرير الوكالة، خرج بيان من “حزب الله” ينفي بعض الجزئيات التي وردت فيه، كتلك التي تتحدث عن تشكيل غرفة عمليات، وأخرى متعلقة بحرب الاستنزاف.
سوريا.. خطوط خلفية
في وقت يخوض فيه “حزب الله” حربًا ضد إسرائيل في لبنان، لا يعتبر من المنطقي أن تنسحب قواته أو مجموعاته باتجاه سوريا، وتترك جبهات القتال مع الإسرائيليين هناك، وفق ما يراه المحلل السياسي مصطفى النعيمي.
النعيمي استبعد سحب قوات باتجاه سوريا، بل على العكس، توقع أن تُسحب قواته من سوريا إلى لبنان، لكن قد يلجأ “حزب الله” لإخفاء قادته في سوريا حفاظًا عليهم، وفق ما قاله لعنب بلدي.
وأضاف أن “الحزب” قد يخفي بعض القادة غير الميدانيين في سوريا، الذين يعتبرون خطًا عسكريًا خلفيًا، وقد يلجأ مستقبلًا لخلق نوع من “المشاغلة العسكرية” على الجبهة السورية إن اضطر لذلك، بهدف سحب القوات الإسرائيلية باتجاه الجنوب السوري لإغراقهم في معركة مع “ميليشيات ولائية متعددة الجنسيات” مجهزة مسبقًا هناك.
إضعاف “حزب الله” في سوريا
قبيل بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان، شنت إسرائيل عملية عسكرية في مدينة مصياف التي تبعد عن الحدود اللبنانية حوالي 40 كيلومترًا، ظهرت بداية على أنها ضربات جوية واسعة، أسفرت عن مقتل أكثر من 15 شخصًا وإصابة آخرين.
العملية بدت وكأنها الرصاصة الأولى في حرب إسرائيل ضد “حزب الله”، وفق تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، نهاية أيلول الماضي، ونقلت فيه عن مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين أن العملية لم تكن غارة جوية، بل كانت إنزالًا جويًا لقوات إسرائيلية على أرض مصياف السورية، شمال غربي محافظة حماة.
سبق ذلك، في 10 من حزيران الماضي، معلومات أدلى بها سبعة مسؤولين إقليميين ودبلوماسيين وضباط سوريون، لوكالة “رويترز”، عن أن إسرائيل كثفت ضرباتها السرية في سوريا ضد مواقع أسلحة وطرق إمداد وقادة مرتبطين بإيران، قبل تهديد بهجوم واسع النطاق على “حزب الله”.
ونقلت الوكالة عن ثلاثة مسؤولين سوريين، أن التحركات الإسرائيلية تشير إلى أنها تستعد لحرب واسعة النطاق ضد “حزب الله” في لبنان، التي يمكن أن تبدأ عندما تخفف إسرائيل حملتها العسكرية على غزة.
وقال مسؤول حكومي إسرائيلي لـ”رويترز”، إن تصريحات القادة الإسرائيليين كانت واضحة بأن التصعيد “قد يكون وشيكًا في لبنان”.
وأضاف المسؤولون السوريون والمسؤول الإسرائيلي أن الحملة الإسرائيلية في سوريا تهدف إلى التأكد من أن “حزب الله” ضعيف قدر الإمكان قبل بدء أي نوع من القتال.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :