علي عيد
عنوان هذا المقال هو العبارة التي قالها السياسي البريطاني المناهض للعنف آرثر بونسومبي
(Arthur Ponsonby) الذي عمل مستشارًا في عهد الملكة فيكتوريا، وصاحب كتاب “التزييف في زمن الحرب” (Falsehood in War-time)، وتضمن 10 قواعد استُخدمت خلال تلك الحرب، وسوف تُستخدم في أي حرب مستقبلية، كما يذكر في الكتاب.
أستذكر قواعد بونسومبي، ومقولته الشهيرة، فيما يراقب الملايين من أبناء الدول العربية بشكل أساسي ما يجري في الصراع العسكري الذي بدا منذ 7 من تشرين الأول 2023، من قطاع غزة، وامتد إلى لبنان، وكانت سوريا جزءًا من هذا الصراع، بسبب موقعها الجغرافي، وارتباطها التاريخي فيه، وخصوصًا بعد عام 2011.
ينقسم أبناء المنطقة، وبينهم السوريون، إلى طرفين، يدّعي كلاهما أنه يمتلك الحق، وتصطف إلى جانبي الصراع وسائل إعلام، يعتقد الجمهور أنها تمثل وجهة نظره، في حين أنها تعكس منظور المتحكمين بالشأن العام، والسلطة السياسية والعسكرية المهيمنة، وأصحاب النفوذ من رجال المال، وفاسدين ومستفيدين من الحروب والصراعات، وينضم إليهم الجهلة.
غالبًا ما يستثمر دعاة الحرب في الخوف، وزبائنهم هم الجمهور، لأنهم يبحثون عن أمرين اثنين في هذا الجمهور، الأول الرأي العام ليشعروا بالرضا عما يقومون به، ويسوقون نياتهم وخططهم وتوجهاتهم على أنها عين الصواب، والثاني هو الجمهور ذاته كمورد وحطب للحرب.
يقول جون مولر (John Mueller)، كبير علماء الأبحاث في مركز ميرشون لدراسات الأمن الدولي في جامعة ولاية أوهايو، إن القادة والنخب ووسائل الإعلام الذي يتلاعبون بالرأي العام، يقدمون الاقتراحات، وإن الناس يشترون الأفكار المتعلقة بـ”الخوف”، إذ يجري تهديد الناس بأمنهم عبر سلسلة لا نهاية لها من “الهوبغوبلين” (hobgoblin)، ويقصد بها عفريت مؤذٍ ومرعب.
ويرى مولر في دراسة عنوانها، “الرأي العام حول الحرب والإرهاب: هل هو مُتلاعب به أم مُستغل؟” (Public Opinion on War and Terror: Manipulated or Manipulating)، أن الجمهور عندما يشتري تلك الرسالة، قد يكون السبب أن الرسالة قد ضربت وترًا مستجيبًا.
وفي حقيقة الأمر أن الجمهور هو ضحية تلاعب النخب ذات المصلحة في الحرب والصراعات، فعندما تثار قضية الطائفية والأديان، هناك دائمًا من يحقق مصلحة من إيقاظ هذا المارد القاتل، فينقسم الناس بين سنة وشيعة، ومعتدلين ومتطرفين، ويهود ومسلمين أو مسيحيين، وملحدين ومؤمنين.
وهناك مقاربات أخرى للعفريت الذي يستخدمه إعلام نخب الحرب، مثل قضايا القومية، أو حتى رعب الجوع، وغيرها من المحفزات.
يتهم بعض من يناصرون “حزب الله” اللبناني اليوم بأن كل من يعارضهم هم من الخونة، ويرد الطرف الآخر بأن “حزب الله” يخوض حربًا لمصلحة إيران قُتل فيها أبرياء مدنيون وانهارت مقدرات شعوب في عدد من الدول العربية، وتتحول المسألة إلى سباب وشتائم، بين “نواصب” و”رافضة”، فيعود “الحسين” ويعود “معاوية”، بينما يضيع دم الأطفال والنساء على مختلف الجغرافيات فداء لنزعات تغذيها دعاية غريزية.
قواعد بونسومبي العشر هي:
نحن لا نريد الحرب.
الطرف الخصم وحده هو المسؤول عن الحرب.
العدو شرير بطبيعته ويشبه الشيطان.
نحن ندافع عن قضية نبيلة، وليس عن مصالحنا الخاصة.
العدو يرتكب الفظائع بشكل متعمد، أما نحن فأخطاؤنا تقع خارج إرادتنا.
العدو يستخدم الأسلحة المحرمة.
نحن نتكبد خسائر ضئيلة، أما خسائر العدو فهي فادحة.
فنانون ومثقفون مرموقون يساندون قضيتنا.
قضيتنا مقدسة.
كل من يشككون في دعايتنا خونة.
هل راجعتم وأنت تقرؤون هذا المقال ما يقوله “حزب الله”، أو حركة “حماس”، أو إسرائيل، أو النظام السوري أو إيران؟
هلا لاحظتم كيف يسير الإعلام الرسمي أو الداعم لتلك الأطراف، وما الحجج التي يسوقها للجمهور حول أحقيته ودوره ودفاعه عن المظلومين.
ترى، هل نحن، كجمهور، منخرطون في الصراع بالفعل تحت تأثير الدعاية، بعيدًا عن الأهداف الأساسية لنضالات الشعوب، ومطالبها بالانعتاق والحرية والعدالة والسلام.
يحتاج كل من يقرأ إلى مراجعة جذور الحرب، والتأكيد على أهمية مناهضة العنف، لأنه موازٍ للخوف الذي يجري استثمار الناس من خلاله.
ودون حكم على “من قتل من”، ينبغي اعتبار دعاة الحرب وأدواتها الدعائية العدو الأول للحرية والعدالة، وكما يقول الكاتب والمفكر الطاهر وطّار، “البنادق تُذهب العقول”.. وللحديث بقية.