غزوان قرنفل
الدياثة ليست فقط انتفاء الغيرة على الأهل والعشير والرضا بالفواحش فيهم، فتلك مرتبة واحدة بين مراتبها فحسب. فهناك من يتسابق ليرتفع في مراتب الدياثة، وذاك هو الذي لا يكتفي بانعدام الغيرة على محارمه، وإنما يسعى ويجهد لنشر الفواحش وخسّة النفس ووضاعة الأصل في مجتمعه.
ولا فرق هنا أن يشتغل قوادًا في أزقة وحواري سفلة القوم، أو أن يتولى رئاسة دولة ويهوي بها وبشرفها الوطني إلى أدنى درجات الحكام والدول.
في مكان على خاصرة دمشق وقاسيونها، يقبع رئيس من تلك الشاكلة في قصر منيف، يراقب بعار وخزي كيف تُنتهك يوميًا كرامة بلده وشرفها الوطني، من خلال تلك الطائرات الإسرائيلية التي تعبر سماءها ذهابًا وإيابًا، تقصف ما تشاء وتدمر ما ترى وجوب تدميره، بينما يقف هو مراقبًا في صمت، لا يجرؤ حتى على شجب هذه الأفعال أو إدانتها.
هل رأيتم قط رئيسًا مثل بشار الأسد؟ لم يكتفِ باغتصاب سوريا واستباحتها، بل وجه الدعوة تلو الدعوة لكل السفلة والقتلة ليستبيحوا معه عرض بلاده وعفتها! أشك أنكم قرأتم أو سمعتم أو شاهدتم شيئًا مماثلًا، فالحياة والتاريخ لا يجودان عادة بالكثير من تلك النماذج. لكن سوء أقدارنا وتقديراتنا هو ما حوّل سوريا إلى ماخور، وسيّد فيها ديوثًا.
منذ العام 1974، حين أبرم الأسد الأب (حافظ الأسد) برعاية أمريكية، وبعد جولات مكوكية كيسنجرية، اتفاقية السلام الصامت الأولى مع إسرائيل، المعروفة باتفاقية “فض الاشتباك”، لم يطلق جيش “الصمود والتصدي” طلقة واحدة نحو إسرائيل، على الرغم من أن الأخيرة كانت وما زالت تحتل أراضي سورية في الجولان. وبهذا، فإن سوريا تملك كل الحق القانوني في مقاومة هذا الاحتلال وشن أعمال قتالية لتحرير الأرض، لكن الأسد لم يفعل ولم يجرؤ على ذلك، لسبب بسيط، وهو أنه قايض الجولان بالسلطة في سوريا، فإن عبث على جبهة الجولان، عبثت إسرائيل في دمشق وأسقطت نظامه وجردته من سلطته، التي تأخذ أكسير وجودها وديمومتها من عدوها المزعوم. ألا تذكرون التصريح الشهير لرامي مخلوف، ابن خالة الرئيس، مع بداية الثورة، أن “أمن إسرائيل من أمن سوريا”!
ولكيلا نذهب بعيدًا في استحضار استباحات إسرائيلية لسماء سوريا وأرضها وبحرها، ربما لم يعاصرها الكثير من القراء، يمكننا على الأقل استحضار بعض الأحداث، بدءًا من قصف موقع “الكبر” قرب دير الزور عام 2007، الذي يفترض أنه نواة لمشروع مفاعل نووي سوري، حيث اكتفت فيه السلطة بالشجب والاحتفاظ بحق الرد في “الزمان والمكان المناسبين”، وهما ظرفان لم يحن أوانهما قط، ولم يدرجا ضمن أجندات عمل تلك السلطة.
ألم تقصف إسرائيل عشرات المرات مراكز بحوث علمية، ومطارات، ومصانع ذخيرة؟ ألم تقم مؤخرًا بإنزال “كوماندوس” في مصياف، وتفجير أنفاق لصناعة الصواريخ الإيرانية، وأسر وقتل جنود وضباط سوريين وإيرانيين؟ ألم تقصف في ريف دمشق ومحيط مطارها؟ ألم تقصف وتغتال في قلب دمشق نفسها؟ ألم تقتل تلك العمليات مدنيين سوريين وجدهم حظهم العاثر في المكان الخطأ، حيث يتوارى عناصر “محور المقاومة”؟ هل سمعتم تصريحًا أو همسًا أو موقفًا للأسد من كل ذلك؟
أليست وظيفة أي سلطة تحكم دولة في العالم أن تحمي حدود تلك الدولة وتحافظ على سلامة أراضيها، وتحمي حياة شعبها وحقوقه وكرامته؟ أليس هذا ما يقسم به رئيس الجمهورية عندما يتولى منصبه، حيث يلتزم باحترام الدستور والقوانين، وبرعاية مصالح الشعب، وبالحفاظ على سيادة الوطن واستقلاله وحريته والدفاع عن سلامة أرضه؟ أليس هذا ما تنص عليه المادة السابعة من الدستور؟ فهل فعل الأسد ذلك؟ وهل برّ بقسمه؟ أم ترك سوريا أرضًا مباحة، ودولة مستباحة لكل طامح أو طامع، مقابل أن يبقى رئيسًا على كل هذا الخراب الذي صنعه؟
هل رأيتم أو قرأتم عن دولة فر نصف شعبها منها، ويجهد نصف من تبقى فيها لمغادرتها؟ هل يؤشر ذلك إلى شيء بالنسبة للسلطة الحاكمة؟ أم أن ديمومتها وبقاءها أهم ألف ألف مرة من بقاء شعبها؟ أم أن كل هؤلاء عملاء وخونة لوطنهم لمجرد أنهم ناهضوا سلطتها ومنظومة قمعها ونهبها؟
أزمتنا ليست فقط في أن سلطة استباحت وطنًا طيلة 50 سنة، وهتكت عرضه وتاجرت بشرفه وعفته. أزمتنا أن ديوثًا نصّب علينا بالقسر رئيسًا، ليجعل سوريا ماخورًا، وعندما رفضنا ذلك حوربنا، وتمت استباحتنا، وطعننا القريب قبل البعيد، وفضّل العالم كله خيار أن يستبدل الشعب السوري على أن يسمح للسوريين باستبدال الرئيس!