محاطًا بأطفاله وزوجته، أوقفت قوات النظام السوري شابًا من درعا خلال عودته من لبنان إلى سوريا في معبر “جديدة يابوس” على الحدود السورية- اللبنانية، واقتادته إلى جهة مجهولة بعدما تبين لها أنه مطلوب للأجهزة الأمنية.
أحد أقارب الشاب الذي اعتقل على الحدود في نهاية أيلول الماضي، يقيم في محافظة درعا جنوبي سوريا، قال لعنب بلدي، إن الشاب منشق عن قوات النظام وهو يعيش في لبنان منذ سنوات.
وأضاف قريب الشاب المعتقل الذي تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن الشاب سلّم نفسه للسلطات السورية، ولم يكن يتوقع اعتقاله لأنه لا يزال ضمن المدة القانونية للعفو الرئاسي الذي أصدره رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في أيلول الماضي، ويشمل المنشقين عن الجيش.
وفي 22 من أيلول الماضي، أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، عفوًا عامًا يشمل جرائم الفرار والجنح والمخالفات المرتكبة قبل تاريخه، لكنه استثنى بعض الجنح والمخالفات.
وتضمن المرسوم التشريعي “رقم 27” لعام 2024، عفوًا عامًا عن كامل عقوبة مرتكبي جرائم الفرار الداخلي والخارجي المنصوص عنها في قانون العقوبات العسكرية.
ولم تشمل أحكام المرسوم المتوارين عن الأنظار والفارين “عن وجه العدالة”، إلا إذا سلموا أنفسهم خلال ثلاثة أشهر في حال الفرار داخليًا وأربعة أشهر في حال الفرار خارجيًا.
وبالنسبة لوضع الشاب، كان يتوقع أن يشمله قرار العفو الذي لم يمضِ على صدوره أكثر من عشرة أيام، ولا يزال ساريًا لأشهر.
قريب الشاب أضاف لعنب بلدي أن الظروف الأمنية في لبنان، ووطأة العمليات العسكرية الإسرائيلية دفعته لمغادرة لبنان وكانت العودة لسوريا هي خياره الوحيد.
اعتقال وإفراج
لا تعتبر حالة الاعتقال تلك الأولى للعائدين من لبنان، إذ سُجّل قبلها اعتقال شاب آخر من محافظة درعا، وكان عائدًا إلى سوريا مع عائلته، لكن قوات النظام الأمنية على معبر “جديدة يابوس” أطلقت سراحه مجددًا مشترطة أن يعود باتجاه لبنان.
وبحسب أحد أقارب الشاب، اعتقل في المعبر نفسه، في 25 من أيلول الماضي، في أثناء دخوله إلى سوريا، وانقطعت أخباره لساعات، بينما سُمح لزوجته وأطفاله بالدخول إلى سوريا.
وقال المصدر، إن الشاب تعرض قبل عشرة أيام من اعتقاله لحروق في كامل جسده، خلال حادث عمل في لبنان، ولم يخضع لعلاج منظم بعدها ما أثار مخاوف عائلته بعد اختفائه في نقطة المعبر.
وأضاف أن الشاب لم يكن مسلحًا، ولا توجد بحقه أي بلاغات أمنية سابقة، وأن عائلته ما زالت تجهل سبب اعتقاله رغم دخوله بشكل نظامي إلى لبنان.
وبعد مرور أكثر من 24 ساعة على اعتقاله، أُطلق سراح الشاب، لكنه أجبر على العودة إلى لبنان، ولم تسمح السلطات الأمنية في المعبر الحدودي بدخوله إلى سوريا، وفق قريبه المقيم في محافظة درعا أيضًا.
العفو “فخ”
لا تشكل قضية اعتقال الشابين تغييرًا في سياسة النظام، إذ لطالما اعتُقل السوريون في مدنهم وقراهم، لكن الجديد في حالتي الشابين أنهما كانا هاربين من الأعمال العسكرية في لبنان، على غرار مئات الآلاف من السوريين واللبنانيين الآخرين.
المحامي في “هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير” في سوريا تامر الجهماني، قال لعنب بلدي، إنه يحق لكل مواطن حرية التنقل، وهذا الحق مصون بالدستور وله الحق بمغادرة القطر والعودة متى شاء وخاصة في حالات التهجير والفرار من النزاعات.
وأضاف أن الأمم المتحدة واتفاقيتي لاهاي وجنيف أشارت بوجوب تسهيل تنقل الأفراد خلال الصراعات المسلحة، وتقديم الرعاية والحماية لهم وعلى مبدأ القياس هو واجب على الدولة المضيفة، وإن كانوا مواطنين فهو أجدى أن ترعاهم دولتهم لكن النظام السوري كما هو معروف، “لا يحترم قانونًا أو دستورًا عالميًا”.
وحول عدم التزام النظام بمرسوم العفو الصادر عن بشار الأسد قال الجهماني، إن النظام “يحاول أن يضحك على المجتمع الدولي” بإرسال رسائل سياسية بأنه منفتح على فئات المجتمع، ولكن معظم الدول والمنظمات الدولية تعي بأن هذه المراسيم ليس لها أي أثر إيجابي على الشعب السوري.
وأضاف أن المراسيم ليست إلا “فخًا يتشابه مع فخ التسويات”، إذ ينوي النظام اعتقال المنشقين وإخفاءهم في الفروع الأمنية.
وحذر الجهماني المطلوبين من السوريين من العودة عبر قنوات النظام الرسمية، مشيرًا إلى أنهم قد يتعرضون للاعتقال.
تسع حالات
وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” عمليات اعتقال تعسفي استهدفت اللاجئين السوريين عادوا من لبنان هربًا من الغارات الجوية الإسرائيلية المتصاعدة منذ 23 من أيلول الماضي.
وقالت “الشبكة”، في 2 من تشرين الأول الحالي، إنها وثقت اعتقال ما لا يقل عن تسعة لاجئين سوريين معظمهم من أبناء محافظة ريف دمشق، على خلفية التجنيد “الإلزامي والاحتياطي”.
وأشارت المنظمة الحقوقية إلى أن عمليات الاعتقال جرت عند المعابر الحدودية الرسمية وغير الرسمية بين لبنان وسوريا، واقتيد معظمهم إلى مراكز الاحتجاز الأمنية والعسكرية في محافظتي حمص ودمشق.
أيضًا، في 20 من حزيران الماضي، أصدرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” تقريرًا بمناسبة اليوم العالمي للاجئين، قالت فيه إنها وثقت ما لا يقل عن 4714 حالة اعتقال لعائدين من اللاجئين والنازحين، على يد قوات النظام السوري، منذ مطلع عام 2014 حتى حزيران 2024.
وأشار التقرير أن من بين الـ4714 حالة اعتقال، أفرج النظام عن 2402 فقط، وبقي 2312 شخصًا في المعتقلات، وتحول 1521 منهم إلى مختفين قسرًا.
جهات ومنظمات حقوقية أخرى أصدرت تقارير حول عمليات اعتقال النظام للاجئين عائدين إلى سوريا، منها تقرير لمنظمة العفو الدولية حمل عنوان “أنت ذاهب للموت“، وتقرير “هيومن رايتس ووتش” الذي حمل عنوان “حياة أشبه بالموت“.
400 ألف دخلوا سوريا
أعلنت وحدة إدارة مخاطر الكوارث التابعة للحكومة اللبنانية، الاثنين 7 من تشرين الأول، أن أكثر من 400 ألف شخص عبروا من لبنان إلى سوريا، غالبيتهم سوريون، منذ بدء الحرب الإسرائيلية على لبنان قبل أسبوعين.
وقالت الوحدة اللبنانية، إن الأمن العام اللبناني سجّل نزوح 300774 سوريًا و 102283 لبنانيًا إلى الأراضي السورية، منذ بدء الحرب الإسرائيلية على لبنان، في 23 من أيلول الماضي، وفق ما نقلته “الوكالة اللبنانية للإعلام“.
من جانبها ذكرت “إدارة الهجرة والجوازات” في حكومة النظام السوري، أن حوالي 330 ألف سوري ولبناني نزحوا إلى سوريا جراء الحرب الإسرائيلية على لبنان.
ونقلت صحيفة “الوطن” المحلية، عن مصدر في “الهجرة والجوازات” اليوم الاثنين، أن عدد السوريين العائدين إلى بلدهم بلغ نحو 239 ألفًا، بينهم نحو 5000 دخلوا خلال الـ24 ساعة الماضية.
وأضاف المصدر نفسه، أن عدد الوافدين اللبنانيين إلى الأراضي السورية بلغ قرابة 91000، بينهم حوالي 3000 دخلوا خلال الـ24 ساعة الماضية.
وتشهد الحدود اللبنانية- السورية حركة عبور بشكل يومي من السوريين واللبنانيين تجاه الأراضي السورية بعد التصعيد العسكري الإسرائيلي في لبنان، ومنهم من يغادر سوريا أيضًا إلى دول أخرى كالعراق والأردن ودول الخليج العربي.
ترتبط لبنان مع سوريا بستة منافذ برية، وتعتبر الدولة الوحيدة التي لها حدود برية مع لبنان، عدا الحدود مع فلسطين المحتلة، المشتعلة بسبب التصعيد الإسرائيلي، ولا توجد فيها معابر لدخول وخروج المواطنين.
وتتزايد أعداد النازحين مع تزايد الهجمات الإسرائيلية على الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية في العاصمة بيروت، ومناطق لبنانية أخرى، وسط توقعات بموجة نزوح أكبر نحو سوريا، مع تواصل إسرائيل اجتياحها البري لجنوبي لبنان.