النظام يعاقب المشاركين في حراك السويداء

متظاهرون في ساحة الكرامة بالسويداء يرفعون أعلام الثورة السورية ولافتات تؤكد مواصلة حراكهم- 4 من تشرين الأول 2024 (السويداء 24)

camera iconمتظاهرون في ساحة الكرامة بالسويداء يرفعون أعلام الثورة السورية ولافتات تؤكد مواصلة حراكهم- 4 من تشرين الأول 2024 (السويداء 24)

tag icon ع ع ع

أصدر النظام السوري طوال أكثر من عام على اندلاع المظاهرات في السويداء سلسلة من الإجراءات العقابية التي طالت المشاركين في الاحتجاجات، تنوعت بين الفصل من الوظائف والحرمان من الدعم والحجز الاحتياطي على الأملاك، كإجراء انتقامي ضدهم، ولتوجيه رسائل ردع لكل من يفكر بالانضمام لهذا الحراك الذي استمر رغم كل محاولات النظام لإجهاضه.

أحدث إجراءات النظام العقابية كانت مطلع تشرين الأول الحالي، حيث أصدرت وزارة المالية في حكومة النظام قرارًا بإلقاء الحجز الاحتياطي وحجز الأموال المنقولة وغير المنقولة لعدد من ناشطي الحراك السلمي في محافظة السويداء.

وقالت شبكة “السويداء 24″، في 3 من تشرين الأول الحالي، إن القرار صدر بناء على كتاب من إدارة المخابرات العامة (الفرع 285)، وتضمن قائمة من 15 اسمًا لناشطين من بلدة القريّا، حيث ألقي الحجز الاحتياطي على أملاكهم وأموالهم، لمشاركتهم في المظاهرات ضد النظام السوري.

أحد ناشطي الحراك الـ15 في السويداء، علم بقرار الحجز الاحتياطي على أملاكه بالمصادفة، عند ذهابه لفتح حساب بنكي في المصرف التجاري بالسويداء.

قال الناشط الذي فضّل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، إنه عند ذهابه لفتح حساب بنكي حتى يستطيع الاستفادة من الدعم المالي بدلًا من “البطاقة الذكية”، أخبرته الموظفة أنه لا يمكنه إكمال العملية بسبب وجود حجز احتياطي على أملاكه.

وأضاف الناشط (24 عامًا) وهو من أهالي القريّا، “راجعت مديرية المالية بالسويداء، وهناك تفاجأت بوجود قرار حجز على أملاك 15 شخصًا من أبناء بلدة القريّا منذ 23 من أيار الماضي، علمًا أني لم أتلقَ أي تبليغ رسمي بقرار الحجز، ومع ذلك تم تطبيق القرار، والدليل عدم إمكانية فتح حساب بنكي، وحتى لو كان لدي حساب في البنك، لا يمكنني الاستفادة منه، أو حتى القيام بأي عمليات بيع من ممتلكاتي”.

وأشار الناشط إلى أن معظم من صدر قرار بالحجز الاحتياطي على أملاكهم، كُتبت فيهم تقارير أمنية، تؤكد مشاركتهم بأحداث اقتحام شعبة حزب “البعث” في القريّا والاستيلاء عليها، ومقاطعة انتخابات مجلس الشعب، إضافة إلى المشاركة في المظاهرات ضد النظام السوري.

وقال إن قرار الحجز الاحتياطي حرم الأشخاص من أملاكهم، وأفقدهم القدرة على الاستفادة من دعم السلع الأساسية، وبالتالي أصبحوا مضطرين لشراء المحروقات والخبز والغاز بالسعر “الحر”، ما يثقل كاهلهم مع دخول فصل الشتاء.

كانت حكومة النظام السوري أعلنت، في حزيران الماضي، نيّتها البدء بعملية رفع الدعم الحكومي عن السلع والمواد المدعومة، وتحويله إلى دعم نقدي بشكل تدريجي.

وطلبت حكومة النظام من حاملي البطاقة الإلكترونية (الذكية) فتح حسابات بنكية باسم حامل البطاقة خلال ثلاثة أشهر، تمهيدًا لتحويل مبالغ الدعم إلى هذه الحسابات.

رسائل ردع للمتظاهرين

ردًا على قرار الحجز على أملاك ناشطين في السويداء، أصدرت “الهيئة العامة للحراك السلمي” في المحافظة بيانًا، قالت فيه إن الإجراءات التي اتخذتها السلطة القضائية، وبفرض وتوجيه من الأجهزة الأمنية، موجهة للتأثير في إرادة المتظاهرين، وتخويف الناس وابتزازهم، ليتنازلوا عن حقوقهم المدنية والسياسية التي صادرتها سلطة النظام وأجهزته الأمنية.

ودعت الهيئة العامة مؤسسات المجتمع الأهلي، والفعاليات المدنية والسياسية إلى مواجهة هذه الإجراءات، التي لا تستند إلى أي مرجعية قانونية أو دستورية، وتشكّل انتهاكًا للسلمية، والحقوق العامة والخاصة، واعتداء على كرامات الناس، وحقوقهم المدنية الشرعية المطالبة بالتغيير السياسي بشكل سلمي وحضاري.

بدوره، قال الكاتب السوري حافظ قرقوط، لعنب بلدي، إن النظام السوري يسعى من خلال قرار الحجز الاحتياطي لتحقيق هدفين، الأول معاقبة المتظاهرين الذين يحتجون على سياساته ويطالبون بإسقاطه، بالاضافة إلى أنه يحاول من خلال هذه القرارات ردع آخرين من الانضمام إلى الحراك السلمي، وتوجيه رسائل لهم بأنه قد يحجز على أملاكهم إذا شاركوا في المظاهرات، وبالتالي يحاول تقليص الحراك.

وأضاف قرقوط وهو من أبناء السويداء، وحُجز على أملاكه أيضًا قبل عشر سنوات، أن النظام يعمل على انتقاء أسماء أشخاص بشكل عشوائي ويحجز على أملاكهم، ليبعث برسائل تهديد بأن قائمة الحجز قد تتطور لاحقًا إلى قائمة كبيرة، وبأنه يستهدف أي شخص خرج في المظاهرات، وليس فقط من يقودون هذا الحراك.

أمني لا قانوني

قرارات الحجز الاحتياطي على أملاك متظاهرين في السويداء ليست الأولى، ففي نيسان الماضي، أصدر نظام الأسد قرارًا مماثلًا بحق متظاهرين آخرين، أكدوا أن موظفي “مديرية السجل العقاري” طلبوا منهم مراجعة فرع “الأمن العسكري” في السويداء، لرفع إشارة الحجز الموضوعة على ممتلكاتهم.

قرار الحجز صدر حينها عن رئيس شعبة المخابرات العسكرية، اللواء كفاح ملحم، الذي أعطى أوامر بالحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة لعدد من الناشطين في السويداء، وبالتالي لم يعد بإمكانهم التصرف بأموالهم من دون مراجعة فرع “الأمن العسكري”.

ويرى رئيس تجمع “المحامين السوريين الأحرار”، غزوان قرنفل، أن الحجز الاحتياطي على أملاك المتظاهرين، قرار أمني وغير قانوني، لأنه في الأصل لا يملك مكتب “الأمن الوطني” الحق بأن يوقع حجزًا احتياطيًا على أموال الناس، ولكنه شرّع لنفسه هذا الحق لمعاقبة المتظاهرين، وبالتالي فهو تعدّى على صلاحيات السلطة القضائية.

وقال قرنفل، لعنب بلدي، إن الحجز الاحتياطي في الأصل هو إجراء وقائي تقوم به السلطة القضائية بناء على دعوى يرفعها شخص ضد من استدان منه مالًا ورفض إرجاعه، حيث تقوم المحكمة بالحجز المؤقت على جزء من أموال المدين بما يعادل قيمة الدين، أما أن تقوم وزارة المالية بالحجز على أموال المتظاهرين بناء على أمر صادر من مكتب “الأمن الوطني” فهذا مخالف للقانون.

كان “الائتلاف السوري المعارض” أكد في بيان له، في تشرين الثاني 2023، أن لجوء مسؤولي نظام الأسد في محافظة السويداء إلى أساليب التخويف بالاعتقال والتهديد بالفصل من الوظيفة والملاحقة، إذا استمر العاملون في مؤسسات الدولة بالمشاركة في المظاهرات، دليل على أن العقلية الأمنية وآلية التعامل لدى النظام السوري لا تزال هي ذاتها التي كانت عليها في بداية الثورة عام 2011.

أقرأ المزيد: النظام يعاقب السويداء خدميًا

فصل متظاهرين من وظائفهم

من سياسات العقاب التي اتبعها النظام السوري ضد المشاركين في حراك السويداء، كانت فصل موظفين في دوائر أو مناصب حكومية من عملهم بتهمة الانخراط في الاحتجاجات المناهضة له في محافظة السويداء، أو عدم  التحاق الموظفين في الخدمة العسكرية الإلزامية أو الاحتياطية

قرارات الفصل التعسفي للموظفين في السويداء، طالت مدرسين وموظفين في مديريات الزراعة والصحة والكهرباء والخدمات الاجتماعية بالسويداء، وحتى أعضاء في حزب “البعث”.

في 21 من كانون الثاني الماضي، أصدرت مديرية التربية في محافظة السويداء قرارًا يقضي بفصل المدرس صدام النجم من عمله.

صدام النجم قال لعنب بلدي، إن إدارة المدرسة أبلغته بقرار فصله بعد انتهاء دوامه في المدرسة، بعد استدعائه بشكل متكرر للفروع الأمنية، وتنبيهه من قبل إدارة المدرسة بالعدول عن المشاركة في الاحتجاجات.

لم تكن حادثة فصل المدرس صدام هي الأولى من نوعها في حراك السويداء، إنما سبقتها حالات فصل طالت عددًا من ناشطي الحراك في السويداء.

الناشط بشار طرابية قال لعنب بلدي، إنه فُصل من عمله كموظف في مديرية التربية بسبب مشاركته في مظاهرات السويداء، واعتقل على إثرها أيضًا.

وأضاف أن قرار الفصل جاء من مكتب “الأمن الوطني”، واحتوى على 16 “تهمة كيدية” إحداها مشاركته في الاحتجاج ضد الدولة، مشيرًا إلى أن شقيقته فُصلت أيضًا من عملها لمشاركتها في الاحتجاجات حينها.

ماهر لطف أيضًا من سكان محافظة السويداء، قال لعنب بلدي، إنه فُصل من وظيفته في مخبر مستشفى السويداء على خلفية مشاركته بمظاهرات “بدنا نعيش” التي اندلعت عام 2020.

وحمل قرار فصل ماهر تهم “التحريض على الدولة، وإهانة شخص رئيس الدولة، وإضعاف الشعور القومي”، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

ماهر أشار إلى أنه رفض العودة لوظيفته الحكومية عقب مطالبته بتقديم “طلب استرحام”، ولا يزال خارج الوظيفة الحكومية حتى اليوم.

يعتبر حراك “بدنا نعيش” سلسلة من الوقفات الاحتجاجية في السويداء التي بدأت منذ عام 2020، احتجاجًا على الأوضاع الاقتصادية في البلاد، لكن تلك الوقفات كانت متقطعة، إلى أن جاء حراك السويداء الثاني في 17 من آب 2023، الذي ما زال مستمرًا حتى اليوم.

أحدث قرارات الفصل طالت 41 موظفًا في شركة كهرباء السويداء في أيلول الماضي، بحجة تخلفهم عن الخدمة الاحتياطية، رغم إجرائهم لعدة “تسويات” سابقة.

وقال حافظ قرقوط، إن فصل موظفين في شركة كهرباء السويداء، هو نوع من العقاب الأمني والخدمي الذي يلجأ إليه النظام، بغية الانتقام من الأهالي الذين ثاروا ضده، وليُظهر للجميع بأنه ما زال قادرًا على اتخاذ قرارات تؤذي الناس، وبأن خدمات هذه المحافظة هي بيده.

مساعٍ لإجهاض الحراك

يواصل النظام السوري سياسة العقاب والضغط على أهالي السويداء، الذين يصرون على مواصلة حراكهم السلمي الذي دخل عامه الثاني في منتصف آب الماضي، بالتزامن مع رفضهم الانصياع لأوامر النظام أو الالتحاق بالخدمة العسكرية لديه.

رغم مساعي النظام السوري لإجهاض حراك السويداء، عبر عمليات التصفية والاعتقال والتفجيرات التي استهدفت ساحة الكرامة وسط السويداء عدة مرات، فإن الأهالي ما زالوا مصرين على مواصلة احتجاجاتهم.

ويرى حافظ قرقوط أن قرارات الحجز الاحتياطي على الأملاك أو الفصل من الوظائف، لن تؤثر أبدًا على الحراك في السويداء، فالمتظاهرون حين بدؤوا الاحتجاجات كانوا يعلمون أنهم يتعاملون مع “نظام مجرم”، يمكن أن يستعمل مختلف الأساليب لإجهاض حراكهم، لكن رغم ذلك استمروا في مظاهراتهم التي تتواصل منذ أكثر من عام.

كان متظاهرو السويداء أكملوا، في 16 من آب الماضي، عامهم الأول من الاحتجاجات، متحدين القبضة الأمنية للمخابرات التي حاولت إخماد الحراك السلمي.

في 17 من آب 2023، انطلقت الشرارة الأولى لحراك السويداء، بإضراب عام تمثل بقطع الطرقات وإغلاق مقار حزب “البعث”، والدوائر الحكومية والبلديات، احتجاجًا على رفع النظام أسعار المشتقات النفطية، وسوء الأوضاع المعيشية والخدمية.

أقرأ المزيد: كيف تعامل النظام السوري مع حراك السويداء




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة