لمى قنوت
في الوقت الذي كان فيه الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، والوفد المرافق له ومن ضمنه مستشاره للشؤون الاستراتيجية، جواد ظريف، يطلقون تصريحات متوددة للولايات المتحدة الأمريكية، كان “الحرس الثوري” قد أعد خطة لإطلاق حوالي 200 صاروخ باليستي على إسرائيل في 2 من تشرين الأول الحالي، اخترقت غالبيتها أنظمة الدفاع الإسرائيلية.
وبعيدًا عن التحليلات الرغبوية التي قللت من شأن آثار الهجوم بسبب جرائم وسياسات إيران الهدامة في المنطقة، فقد أشارت صحيفة “واشنطن بوست” إلى أن ما لا يقل عن 20 صاروخًا باليستيًا بعيد المدى اخترق الدفاعات الجوية الإسرائيلية ودفاعات حلفائها مساء الثلاثاء، وضرب قاعدة “نيفاتيم” الجوية في صحراء النقب الجنوبية، وهي موطن لأكثر الطائرات تقدمًا في سلاح الجو الإسرائيلي، وثلاثة صواريخ ضربت قاعدة “تل نوف”، كما سقط صاروخان على الأقل بالقرب من وكالة التجسس الإسرائيلية (الموساد).
وكشفت الأقمار الصناعية عن دمار مبنى واحد في قاعدة “نيفاتيم”، وثقب كبير في حظيرة الطائرات “F15″، وحفر في العديد الأماكن نتيجة سقوط الصواريخ.
وأشار الخبير العسكري جيفري لويس، مدير برنامج شرق آسيا لمنع انتشار الأسلحة النووية في معهد “ميدلبري للدراسات الدولية” بكاليفورنيا، إلى إحصاء 32 صاروخًا ضربت قاعدة “نيفاتيم” الجوية، وإلى تضرر المباني حول القاعدة، بالإضافة إلى ضرر أصاب الممرات والمدرج 25/07، علمًا أن السُحب حجبت أثر ثلاث مناطق متضررة في صور الأقمار الصناعية “Skysat”.
تكمن صعوبة معرفة الأثر الدقيق للهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل في عدة أسباب، منها تعميم الناطق الرسمي لجيش الاحتلال، دانيال هاغاري، بعدم إعطاء وكشف أي معلومات عن مواقع سقوط الصواريخ، و”عدم نقل المواقع والوثائق من المناطق التي توجد بها نقاط ضعف”، وكان جيش الاحتلال قد قلل من أهمية الأضرار التي لحقت بقواعده الجوية، بالإضافة إلى أن شركات الأقمار الصناعية التجارية التي تقدم خدمات التصوير ويمكنها تقديم صور لما قبل وبعد الضربة، أمريكية بغالبيتها، وقد فرضت رقابة “سحابية” لمنع ظهور آثار الدمار في قاعدة “نيفاتيم”. وحتى لو أرادت بعض تلك الشركات إتاحة بيع صور الأقمار الصناعية من دون رقابة أو حجب، فإن قانون كايل بينجامان (Kyl -Bingaman) المعدل لقانون تفويض الدفاع القومي الأمريكي الذي تم إقراره تحت ذريعة حماية الأمن القومي لإسرائيل، يمنع شركات الأقمار الصناعية وتجار التجزئة الأمريكيين من بيع أو نشر صور دقيقة وواضحة لفلسطين المحتلة بشكل أوضح من تلك الصور المتاحة في الأسواق غير الأمريكية، ما يعني أننا لن نرى صورًا ذات أهمية لآثار الهجوم الصاروخي.
لم يكن الرد الإيراني متوقعًا لدى العديد من المراقبين والمراقبات، فقد كان من الواضح أن إيران ترغب في إبقاء الصراع بعيدًا عن أراضيها بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران، واغتيال عدد كبير من قادة “حزب الله” في لبنان، وعلى رأسهم الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، بالإضافة إلى مصرع عباس نيلفوروشان نائب قائد عمليات “الحرس الثوري الإيراني” منذ عام 2019 والقائد في “فيلق القدس” في لبنان، لكنها لم تعد قادرة على الاحتمال، كما صرح قائد الأركان الإيراني بأن “الكيان الصهيوني ضاعف جرائمه باغتيال نصر الله ما جعلنا غير قادرين على التحمل”، فاضطرت للرد حفاظًا على وظيفة الردع، ولإعطاء “حزب الله” فرصة ليعيد ترتيب صفوفه بسرعة، ولتهدئة بيئته وحاضنته المحملة بالفجيعة بعد الاغتيالات الواسعة لقادته وتشريدهم عقب تدمير مناطقهم وأماكن سكناهم، وتسكين غضبهم تجاه إيران حين شعروا بأنها تركتهم وحدهم في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها “الحزب”.
من الواضح أن الهجوم الإيراني قد يفتح أبواب حرب مباشرة بين الطرفين يسعى لها نتنياهو، أو ردًا إسرائيليًا يستهدف شرايين الاقتصاد الإيراني ومنشآت طهران العسكرية والنووية، في وقت يتحفظ فيه بايدن على ضرب برامج إيران النووية، بينما يدعم ترامب ضربها كما صرح مؤخرًا.
ويرجح أن يقوم جيش الاحتلال في ذكرى 7 من تشرين الأول بتصعيد أعماله العسكرية في عدة أماكن ودول، ومن ضمنها قطاع غزة والضفة، وتكثيف محاولات الاجتياح البري للبنان، الذي فشل الإسرائيليون فيه حتى الآن وكبّدهم خسائر فادحة، في محاولة لمحو العار الذي لحق بهم وباستخباراتهم في مثل هذا التاريخ من العام الماضي، لفرض واقع جديد في المنطقة بعد إبادة جماعية في قطاع غزة لم يوقفها أحد.