السترة الصحفية.. الاستخدام المزدوج

tag icon ع ع ع

علي عيد

هل تستحق تلك السترة الزرقاء، التي تحمل شعار “صحافة” أو “PRESS”، أن يعتدي عليها من يشاء، ويرتديها كيفما شاء وفي أي وقت؟ وهل يعتبر ارتداؤها لغير مستحقيها جريمة يعاقبون عليها؟

لم أعثر على تشريعات تشير إلى عقوبة الاستخدام المزدوج للسترة الواقية، التي يستخدمها الصحفيون، كواحدة من وسائل الحماية خلال الحروب والنزاعات، أو حتى في الكوارث الطبيعية، لكن بعض الدول تعتبر ارتداء السترة الواقية من الرصاص محظورة إلا على القوات العسكرية، كما هو الحال في تايلاند، إذ جرى توقيف صحفي بريطاني في مطار “بانكوك”، لأنه يحمل سترة واقية من الرصاص، إذ تصنفها تايلاند على أنها أسلحة مستخدمة في الحروب، ويتطلب حملها الحصول على رخصة.

لوحظ في السنوات الأخيرة، وخصوصًا في سوريا ولبنان والعراق، استخدام وسائل الإعلام كأداة في الدعاية الحربية، وجرى إلباس الصحفيين السترة الواقية الموسومة بعبارة “PRESS” خلال مرافقتهم للقوات العسكرية أو الميليشيات، وهو ما يطرح إشكالية غير محسومة حول الوضع القانوني، سواء في حال استهداف الصحافة الدعائية الحربية، أو حتى المسؤولية القانونية عن ارتداء غير الصحفيين لهذه السترات.

في العقيدة البريطانية، كان الجنرال ونستون تشرشل، الذي رأَسَ حكومة بلاده خلال وبعد الحرب العالمية الثانية، يقول، إن “معنويات العدو هي أيضًا هدف عسكري”، لكن تلك العقيدة تغيرت عام 1996، وبات استخدام الإعلام محظورًا، حتى وهو يقوم بدور الدعاية، وهو ما يتوافق أيضًا مع رفض لجنة المحكمة الجنائية الدولية لحرب يوغوسلافيا اعتبار وسائل الإعلام “هدفًا مشروعًا” لمجرد أنها تنشر الدعاية، على الرغم من أن مثل هذا النشاط يدعم المجهود الحربي، ويؤيد ذلك أيضًا  تقرير “فولكر كرونيغ” إلى الجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلسي عام 1999.

منع استهداف الإعلام الدعائي لا يظهر أنه حالة محسومة، إذ جرى تجريم الدعاية التي تحرض على جرائم الحرب أو أعمال الإبادة الجماعية أو أعمال العنف، واعتبار الجهات التي تروجها أهدافًا مشروعة، مثال ذلك إذاعة وتلفزيون “حرية دي ميل كولينز” وصحيفة “كانجورا” في رواندا عام 1994، وجرت محاكمة وملاحقة صحفيين متورطين في التحريض المسبب بسقوط ضحايا.

وتقول لجنة المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة نفسها، إنه “إذا استخدمت وسائل الإعلام للتحريض على الجرائم، كما هو الحال في رواندا، فيمكنها أن تصبح هدفًا عسكريًا مشروعًا”، إذ يجيز القانون الإنساني الدولي “قمع جميع الأعمال المخالفة”، مع أن النصوص الواردة في هذا القانون تركز على موضوع المحاكمات وجلب المتورطين للعدالة لا استهدافهم عسكريًا.

خلال النزاعات والحروب، يقتل كثير من الصحفيين باستهداف مباشر لمبانٍ أو مراكز يوجدون فيها، كما حصل عندما أطلقت القوات الأمريكية النار على ثلاثة مواقع ببغداد كان فيها صحفيون، في 8 من نيسان 2003، خلال غزو العراق، ما أسفر عن مقتل وإصابة سبعة صحفيين، في حادثة فندق “فلسطين” الشهيرة.

وجادلت بعدها القوات الأمريكية بأن اثنين من جنودها قتلا بعد رصد إشارات على أن هناك من يدير عمليات قصف مدفعي تستهدفهم، ولم يثبت أن هذه الإشارات جاءت من نفس الفندق.

وأيًا يكن، فإن استهداف الصحفيين والمرافق الصحفية يعتبر جريمة يستحق من يرتكبها العقاب، وفق اتفاقيات “جنيف” المؤرخة في آب 1949، وحزيران 1977، ولا سيما المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول المتعلق بحماية الصحفيين العاملين في بعثات مهنية خطرة بمناطق النزاع المسلح، وهو الأمر الذي عاد وأكده مجلس الأمن الدولي بجلسته 5613، في 23 من كانون الأول 2006، إذ أدان “الهجمات المتعمدة ضد الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام والأفراد المرتبطين بهم، في حد ذاتهم، بحالات النزاع المسلح”.

يبقى أن نقول إن ارتداء السترة الزرقاء ليس مرهونًا بقانونيته فحسب، بل يرتبط بجوانب أخلاقية، والتزامات ومواثيق لا يجب تجاوزها، وعلى المنظمات المدافعة عن حقوق الصحفيين أن تضع هذه القضية على رأس أولوياتها، وأن تعيد تعريف الصحفي، وتضع ضوابط لمنع استخدام المهنة وأدواتها بشكل غير شرعي.

ليس طبيعيًا أن يخرج من يدّعي أنه “صحفي” مرتديًا سترة زرقاء، وهو يقف على جثث المدنيين، من ضحايا الآلة العسكرية.

إذا كان يحق لمن يستخدم الصحافة للدعاية الحربية القاتلة أن يرتدي السترة الزرقاء، فهل يحق للصحفي الذي ينقل الحقيقة أن يحمل السلاح، أجزم كصحفي أن السلاح ليس أداتنا وقد يكون سببًا في قتلنا واستهدافنا.

ليأخذ كل دوره وليترك لنا دعاة الحرب سلاحنا الذي نحب، أقلامنا وكاميراتنا، وليأخذوا بنادقهم وينصرفوا، “آن أن تنصرفوا” عن الصحافة.. وللحديث بقية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة