“قسد” تستبق تهديدات إقليمية باستعراض قدراتها العسكرية
عنب بلدي – خالد الجرعتلي
منذ مطلع أيلول الماضي، كثّفت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، صاحبة السيطرة على شمال شرقي سوريا، من استعراض الدورات العسكرية، وتدريب المقاتلين في مناطق سيطرتها تزامنًا مع توتر إقليمي ساد المنطقة ككل، وتهديدات أمنية خيمت على مناطق سيطرتها من بوابة محافظة دير الزور.
وبين 1 و29 من أيلول الماضي، أعلنت “قسد” عن اجتماعات مع قادة المجالس العسكرية التابعة لها، وتخريج دورات عسكرية 11 مرة، في كل من الحسكة والرقة ودير الزور وحلب.
وظهر قائد “قسد”، مظلوم عبدي، في جميع الاجتماعات مع المجالس العسكرية، استعرض خلالها قدرات قواته على الدفاع عن المنطقة.
المظاهر العسكرية في “قسد” جاءت عقب هجمات تعرضت لها قواتها في محافظة دير الزور، انطلاقًا من مناطق تسيطر عليها ميليشيات مدعومة من إيران، إلى جانب قوات النظام السوري.
واعتبرت “قسد” أن هذه الهجمات جرت بالتنسيق بين تركيا والنظام، وهي إحدى نتائج تطبيع أنقرة- دمشق.
تدريبات واجتماعات مكثفة
خلال أيلول نفسه، أعلنت “قسد” عن تخريج دورات عسكرية خمس مرات، كما أعلنت عن تدريبات مكثفة قالت إنها لرفع الجاهزية لقواتها.
وفي 27 من أيلول، أعلنت “قسد” عن تخريج 186 مقاتلًا من “أكاديمية الشهيد أحمد العلي”، تزامنًا مع الإعلان عن اجتماع للمجالس العسكرية في “إقليم الجزيرة”، تبع ذلك في اليوم نفسه إعلان افتتاح ست دورات تدريبية جديدة.
وفي 17 من الشهر نفسه، قالت “قسد” إن “أكاديمة الشهيد جيا روس” التابعة لكليتها الحربية خرّجت دورة تدريبية لمقاتلي “الحماية الذاتية”، تبع ذلك بيوم واحد إعلان اجتماع مظلوم عبدي مع “جيش الثوار” و”لواء الشمال الديمقراطي”، وهما فصيلان عسكريان ينحدر مقاتلوهما من شمال غربي سوريا، حيث مناطق النفوذ التركي.
أيضًا في 14 من أيلول، اجتمع مظلوم عبدي مع قادة المجالس العسكرية في كل من عين العرب/ كوباني، والرقة.
وفي 12 من الشهر نفسه، أعلنت “قسد” عن أن “أكاديمية الشهيد دلكش عفرين” خرّجت دورة عسكرية جديدة من مقاتلي “القوات الخاصة” (الكوماندوس).
وقالت في 12 من أيلول، إن التدريبات المكثّفة التي جرت بمنطقة جعبر بريف محافظة الرقة، جاءت في إطار العمل الدائم لرفع الجاهزية القتالية لدى مقاتليها وبكل تشكيلاتها العسكرية.
وشملت التدريبات مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وشمل التدريب محاكاة لواقع المعارك ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” وتركيا.
وفي 9 من أيلول، عقد مظلوم عبدي وقيادات من “قسد” اجتماعات مع مجالس “الطبقة، منبج، عين عيسى وصرّين”، التي أكدت استعداداتها العسكرية للدفاع عن مناطق سيطرتها.
وفي 1 من الشهر نفسه، أعلنت “قسد” عن تخريج دفعة عسكرية من “أكاديمية جمال كوباني” في الرقة لمقاتلي “الحماية الذاتية”.
عقب تصعيد محلي وإقليمي
تصاعد الإعلانات عن الجهوزية العسكرية لدى “قسد” جاء في سياق مجموعة من الأحداث المحلية والإقليمية، أبرزها التوتر الأمني الذي شهدته محافظة دير الزور عقب هجوم شنته مجموعات عشائرية متهمة بتلقي الدعم من إيران، وبدعم من قوات النظام السوري، النظامية والرديفة.
وأسفرت هذه الهجمات عن أضرار في مناطق سيطرة “قسد” إلى جانب قتلى وجرحى معظمهم مدنيون من سكان ريف دير الزور الشرقي.
وعلى الصعيد الإقليمي، تتعرض قواعد التحالف الدولي بقيادة أمريكا لقصف متكرر في مناطق سيطرة “قسد”، كجزء من الحرب الإسرائيلية في غزة، وامتدادها إلى لبنان مؤخرًا، والحديث عن انسحاب قوات التحالف نفسها من سوريا والعراق.
ولا تعتبر قوات التحالف داعمًا لـ”قسد” ومظلتها السياسية “الإدارة الذاتية” فحسب، بل تشكل غطاء يحمي المنطقة من التهديدات التركية، والنظام السوري أيضًا.
ويعتقد مدير مركز “رامان” للأبحاث، بدر ملا رشيد، أن مجموعة من الأحداث الأمنية كثّفت من استعراضات “قسد” العسكرية شمال شرقي سوريا، أبرزها الأحداث التي شهدتها محافظة دير الزور في آب الماضي.
وبعيدًا عما تحمله إعلانات تخريج الدورات والاجتماعات من استعراض قوى، تهدف “قسد” لتعزيز التواصل بين مكوناتها العسكرية ومجالسها، لمواجهة التهديدات التي تتعرض لها على الصعيد الميداني والعسكري، وفق ما قاله الباحث لعنب بلدي.
واعتبر ملا رشيد أن تحركات “قسد” قد تقرأ على أنها جزء من التصعيد الإقليمي، إذ من الطبيعي أن تتخذ جميع الأطراف العسكرية استعدادات ما.
وأضاف الباحث أن “قسد” توجهت خلال الأشهر الماضية نحو واقعية سياسية أكبر عبر التجهيز لانتخابات، أو عقد اجتماعات مكثفة للحفاظ على التوازن بين الحالة المدنية، والتواصل مع العسكري لإظهار تنظيم قواتها العسكرية.
لمواجهة تهديدات
منذ انطلاق مسار التقارب التركي مع النظام السوري، وتسارعه منتصف العام الماضي، أخذت آلية “قسد” و”الإدارة الذاتية” في التعاطي مع الأحداث والأطراف بالتغير، إذ بدأت بطرح مبادرات حوار مع جميع الأطراف في سوريا، وحتى تركيا.
وتعتقد “قسد” أن مسار التقارب بين أنقرة ودمشق يستهدفها بشكل أساسي، وتحاول عدم انتظار نجاح هذا المسار دون أن تكون مستعدة.
ويرى الباحث المتخصص في شؤون شمال شرقي سوريا بمركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” سامر الأحمد، أن تكثيف التدريبات والاجتماعات العسكرية لدى “قسد” مرتبط بشكل أساسي بإظهار نفسها على أنها كيان متماسك.
وقال الأحمد، لعنب بلدي، إن “قسد” تعمل على إظهار تماسكها على الصعد كافة، منها الأمنية والعسكرية والسياسية.
الباحث يعتقد أنه من حيث الدافع، يمكن ربط تحركات “قسد” بالتخوف من تصعيد تركي تراه قادمًا، والتحضير لفترة التطبيع بين تركيا والنظام، إلى جانب خوفها من تضحية النظام بها لمصلحة تركيا.
وقلل الأحمد من أهمية سياق الانسحاب الأمريكي من حيث تحركات “قسد” الأحدث، إذ اعتبر أنه في ظل التصعيد بالشرق الأوسط تستبعد “قسد” انسحاب التحالف.
وتعتقد سلطات شمال شرقي سوريا أن إعلان واشنطن الانسحاب من العراق خلال عام غير وارد، فالمنطقة مؤهلة لتكون “القاعدة الأهم” لأمريكا في عموم الشرق الأوسط.
الانسحاب الأمريكي
حددت الولايات المتحدة الأمريكية الجدول الزمني لإنهاء المهمة العسكرية للتحالف الدولي لهزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق وسوريا.
وذكر بيان أمريكي- عراقي نقلته وكالة الأنباء العراقية (واع)، في 27 من أيلول الماضي، أنه نتيجة للمشاورات والتباحث مع قيادة التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه، والمناقشات المكثفة داخل اللجنة العسكرية العليا العراقية- الأمريكية طيلة الأشهر التسعة الماضية، تقرر إنهاء مهمة التحالف في العراق خلال مدة لا تتجاوز الـ12 شهرًا المقبلة.
ويعقب إنهاء وجود التحالف في العراق الانتقال إلى “علاقات أمنية ثنائية” بطريقة تدعم القوات العراقية، تؤمّن استمرار الضغط على تنظيم “الدولة” في العراق.
ولمنع عودة تهديد التنظيم من شمال شرقي سوريا، ستستمر المهمة العسكرية لقوات التحالف العاملة في سوريا، انطلاقًا من المشاورات مع اللجنة العسكرية العليا، حتى أيلول 2026.
ونص البند الثالث من البيان، على التزام اللجنة العسكرية العليا بإعداد الإجراءات الكفيلة لتحقيق ما ورد في الفقرتين السابقتين، وتوقيت وآلية تنفيذها، وإجراءات تأمين وحماية مستشاري التحالف في العراق خلال الفترة الانتقالية.
من جانبها، قالت نائبة السكرتير الصحفي لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) خلال إجابتها عن أسئلة صحفيين، إن مهمة التحالف الدولي تتغير إلى “شراكة أمنية ثنائية” مع الحكومة العراقية، دون تقديم المزيد من التفاصيل.
ويرتبط الانتشار العسكري الأمريكي في سوريا بالوجود الأمريكي في العراق، إذ يشكل خط إمداد لوجستي لهذه القوات، وفق ما قاله الباحث في مؤسسة “القرن الدولية للبحوث والسياسات الدولية”، المتخصص بالشأن السوري سام هيلر، في حديث سابق لعنب بلدي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :