دير الزور – عبادة الشيخ
شهدت مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا احتجاجات تجددت مع بداية العام الدراسي الجديد، رفضًا للمنهاج الدراسي الذي تحاول “الإدارة” فرضه على المؤسسات التعليمية في المنطقة.
رفض الأهالي ينطلق من احتواء المنهاج على مواد اعتبروها مسيئة للدين، وثقافة المنطقة، تسببت باستقالات في القطاع التعليمي، وطرد ذوي الطلاب عاملين في المؤسسات التربوية التابعة لـ”الإدارة” من المدارس.
وبدأت “الإدارة الذاتية” تعميم منهاجها الجديد من مدينة منبج شرقي حلب، لكن احتجاجات اندلعت رفضًا لهذا التغيير، وانتهت بطرد موفدي “الإدارة”.
حذف مواد وفرض “الكردية”
حسين الراوي، معلم في مدرسة شرقي دير الزور، يرفض منهاج “الإدارة الذاتية” انطلاقًا من مجموعة معايير، أولها أن الكوادر التعليمية لم تطلع على المنهاج الجديد بعد التعديل، إلى جانب أن الأشخاص القائمين على مناقشة المنهاج لا يملكون إمكانيات تخولهم إعداد المناهج، وفق ما قاله لعنب بلدي.
وأضاف أن المنهاج فقير علميًا حسب الخطة التعليمية الصادرة من هيئة التربية والتعليم، وحذفت منه مادة اللغة الإنجليزية، وعلم الأحياء في الصفوف الدنيا، كما حذفت مادة التربية الإسلامية، ما أعطى انطباعًا سيئًا تجاه نيات “الإدارة”.
المدرّس قال أيضًا، إن “الإدارة الذاتية” لم تكتفِ بحذف مواد أساسية من المنهاج، بل تعمل على فرض اللغة الكردية التي يراها غير مفيدة بالنسبة للطلاب، ولن تضيف أي قيمة تعليمية لهم.
وأضاف لعنب بلدي أن الطالب يتعلم الإنجليزية مع بداية دخوله المدرسة، وفي الصفوف الإعدادية تضاف إليها اللغة الفرنسية، لأن هذه اللغات عالمية قد يستفيد منها الطالب مستقبلًا، وهو ما لا يتوفر باللغة الكردية، إلى جانب أنه لا يوجد متخصصون لتدريس هذه اللغة.
إشكالية “الجنالوجيا”
رضوان الجاسم هو معلم صف في مدينة الرقة، يعتقد أن فرض “الإدارة الذاتية” مادة “الجنالوجيا” (علم أنساب الأخلاق لفريدريك نيتشه) لمرحلة التعليم الثانوي، وفرض اللغة الكردية، وحذف التربية الإسلامية، هي “محاولة إبعاد الطالب عن لغته ودينه وزرع أفكار لا تتناسب مع ثقافته المجتمعية”.
ووصف المدرس خلال حديثه لعنب بلدي حذف مادة التربية الإسلامية بـ”الأمر الخطير”، معتبرًا أنه يحتاج إلى معالجة وإعادة المادة، منوهًا إلى ضرورة توفير منهاج يتناسب مع ثقافة المجتمع.
من جانبه، يعتقد عمران السلمان، وهو معلم رياضيات في دير الزور، أن المنهاج “فقير جدًا” من حيث القيمة التعليمية، مشيرًا إلى أن بعض الدروس لا تتجاوز صفحة واحدة فيه، وبعضها الآخر قد يصل الى وحدة كاملة لا تنتهي بسلسلة حصص دون وجود أي هدف منه.
وأضاف لعنب بلدي أنه في حالة كتاب الرياضيات، قد تنتهي دروس الكتاب قبل نهاية الفصل الأول، كما لا يوجد دليل للمعلم أو شيء آخر يمكن الارتكاز عليه لتعويض النقص.
وقال عمران، إن “الإدارة الذاتية” لم توفر نسخًا تغطي حاجة الطلاب، وقد توزع نسخة واحدة على كل عشرة طلاب.
ويعاني القطاع التعليمي في شمال شرقي سوريا من عدة صعوبات، أبرزها نقص الكوادر التعليمية، وعدم توفر بيئة مناسبة لسير العملية التعليمة، ويشهد مطلع كل عام احتجاجات ترفض المنهاج الذي تحاول قسد فرضه.
ما مادة “الجنالوجيا”
تضمن منهاج “الإدارة الذاتية” العديد من الجزئيات التي اعتبرت إشكاليات بالنسبة لسكان شمال شرقي سوريا، منها خريطة كردستان التي تضم أجزاء من سوريا، إلى جانب جمل نُسبت لمؤسس حزب “العمال الكردستاني”، عبد الله أوجلان، وعرّفته على أنه فيلسوف.
وتسبب ذلك بانتقادات من الأهالي، تحولت إلى حالة غضب حين بدأت “الإدارة الذاتية” بالحديث عن إلغاء مادة التربية الدينية، واعتمدت مادة “الجنالوجيا” في المنهاج.
نوفة علي، هي عضو بمركز “جنولوجي” التابع لـ”الإدارة الذاتية” في القامشلي، قالت لعنب بلدي، إن “الإدارة” كانت مهتمة بنشر برامج علم “الجنالوجي” والتعريف به محليًا، من خلال “الكومينات” (مخاتير الأحياء) والمجالس، لكنها كانت مقتصرة على من هم أكبر من 20 عامًا.
وكان لا بد من وضع برامج ومهام تستهدف فئة أكبر من المجتمع، لا سيما الفئة المراهقة التي تقابلها مرحلة التعليم الثانوي، وهي من المراحل المهمة التي تهتم بتزويد الطالب بالعلوم والمهارات والاتجاهات الإيجابية التي تبني شخصيته، إلى جانب بعض المفاهيم الجندرية والتعريف بأبحاث المرأة وتاريخها، بما يخدم المجتمع والوطن أيضًا.
وأدرجت “الإدارة” في المنهاج مادة علم المرأة تحت اسم “الجنالوجيا” في المرحلة الثانوية فقط، بينما هنالك مقترح بشأن دمج المادة في المناهج الإعدادية أيضًا، فضلًا عن المناهج التخصصية التي تدرس بكلية “الجنالوجيا” بجامعة “روج آفا” منذ عام 2017.
وترى علي أن “الجنالوجيا” ليست أقل شأنًا من العلوم الاخرى، إذ تقدم شرحًا للمعارف المكتسبة حول المرأة والمجتمع والكون وجميع جوانب الحياة، وتهدف عبر ذلك إلى “تكوين جيل قادر على بناء مجتمع أخلاقي وفق مبادئ الحياة التشاركية”.
ما المنهاج الجديد
في أيار الماضي، أعلنت مؤسسة المناهج التابعة لـ”الإدارة الذاتية” عن نيتها تجديد واستبدال المناهج الدراسية لصفوف المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، ويشمل التجديد مناهج اللغتين العربية والكردية.
ونقلت وكالة “هاوار” المقربة من “الإدارة” عن الإداري في مؤسسة “المناهج” دارشين خليل، أن المؤسسة أعادت النظر في جميع كتب المناهج الدراسية، آخذة بعين الاعتبار مقترحات المعلمين والطلبة.
وفي المرحلة الأولى، ستستبدل مناهج الصفوف الأول والرابع والسابع والعاشر، ومن المقرر أن يُستكمل هذا التغيير في صيف 2024، ويدخل القرار حيز التنفيذ اعتبارًا من العام الدراسي 2024–2025.
ويستمر التعليم في الصفوف الثاني والخامس والثامن والحادي عشر وفق المنهاج الحالي، على أن تُستبدل مناهج هذه الصفوف في المرحلة الثانية، خلال العام الدراسي 2025–2026.
وفي المرحلة الثالثة، تستبدل مناهج الصفوف الثالث والسادس والتاسع و”البكالوريا”، وفق التغييرات التي جرت في المرحلة الثانية، وستستكمل في صيف 2026، فيما ستدخل حيز التنفيذ خلال العام الدراسي 2026–2027.