لماذا ينشط قادة من إيران و”حزب الله” في دمشق

فرق الإسعاف بعد استهداف إسرائيل مبنى قرب السفارة الإيرانية في دمشق - نيسان 2024 (رويترز)

camera iconفرق الإسعاف بعد استهداف إسرائيل مبنى قرب السفارة الإيرانية في دمشق - نيسان 2024 (رويترز)

tag icon ع ع ع

بعد كل استهداف أو قصف إسرائيلي لمنطقة المزة في دمشق، صار أحد أبرز التوقعات أن يكون الهدف ضابطًا أو قياديًا إيرانيًا أو لـ”حزب الله” اللبناني، وذلك بسبب تكرار خسائر إيران في هذا الحي، خاصة بعد عملية “طوفان الأقصى”.

وأصابت صواريخ الطائرات الإسرائيلية أربعة أهداف إيرانية في منطقة المزة خلال الأشهر الـ12 الماضية، أدت إلى خسائر في صفوف “الحرس الثوري”، إضافة إلى مقتل مدنيين سوريين لا علاقة لهم بإيران وميليشياتها.

المزة ليس الحي الوحيد في دمشق الذي اتخذه الإيرانيون للتخفي والابتعاد عن الأنظار، فالضربات الإسرائيلية خلال الأشهر الماضية أظهرت بشكل واضح انتشارهم في حي كفرسوسة في دمشق.

وتلقى “حزب الله” و”الحرس الثوري” أيضًا ضربات جوية متكررة في ضاحية بيروت الجنوبية، ورغم الخسائر الفادحة التي مني بها “الحزب” من ناحية قياداته، لا يزال يعقد الاجتماعات الرئيسية في الضاحية ويتكرر مسلسل الاستهداف والخسائر.

وهو ما يطرح سؤالًا حول أسباب استمرار استخدام هذه المناطق في دمشق وبيروت كمكان لتخفي القادة، وهي مكشوفة لإسرائيل، بل استطاعت إسرائيل حصد عدد من القادة فيها، على رأسهم زعيم “حزب الله”، حسن نصر الله.

الأمر متعلق بـ”الكونترول”

المحلل العسكري السوري العميد خالد المطلق، يرى أن مسألة تكرار الاستهداف في نفس المناطق ليس متعلقًا بمكان الاستهداف وإنما بالمنظومة الأمنية و”الكونترول” الضبط المستمر والدقيق، ومراقبة هذه الأماكن وتحركات زعماء الميليشيات الإيرانية، إضافة إلى الاختراقات الأمنية المستمرة على المستويين الأفقي والعمودي لهذه الميليشيات.

والسبب الرئيسي لبقاء قادة “الحرس” و”حزب الله” في هذه المناطق (كالمزة وكفرسوسة في سوريا والضاحية في لبنان) هو “عدم وجود بديل”، بحسب تعبير المطلق فأينما تحركوا يجري رصدهم من قبل إسرائيل، التي تعتمد على الأمن السيبراني ولديها تقنيات عالية.

وأوضح العميد خالد المطلق أن اتخاذ أحياء كالمزة وكفرسوسة في دمشق كمكان لإقامة قادة “الحرس الثوري” و”حزب الله” هي استراتيجية عامة تتبعها الميليشيات الإيرانية، تعتمد على إقامة المقرات ضمن المناطق السكنية.

يقع حيا المزة وكفرسوسة في قلب دمشق، وقرب المجمعات الحكومية والمربعات الأمنية، وهذه الاستراتيجية ليست جديدة على الإيرانيين، فقبل الثورة السورية عام 2011 وحتى في زمن الرئيس السابق حافظ الأسد (1970 – 2000) اشتروا عقارات وسط دمشق بعدة مناطق أبرزها دمشق القديمة والمزة وكفرسوسة ومساكن برزة قرب البحوث العلمية، ويملكون بين 10 إلى 12 بناء، حسب العميد المطلق.

الهدف من ذلك، بحسب ما قاله المطلق لعنب بلدي، التمويه وليكونوا أكثر بعدًا عن معاقلهم أو حاضنتهم في منطقة السيدة زينب جنوبي دمشق.

لكن مزيجًا من الاختراق الأمني، قد تكون المخابرات السورية وراءه، والتكنولوجيا المتقدمة التي تعتمدها إسرائيل، وضعهم تحت مرمى القصف.

استهدافان متتاليان

ضربت إسرائيل هدفين في المزة يومي، الثلاثاء والأربعاء 1 و2 من تشرين الأول الحالي،

ضربة الأربعاء، أصابت شقة سكنية في بناء بحي المزة فيلات غربية ما أدى إلى سقوط ثلاثة قتلى وثلاثة جرحى، بحسب وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، التي أشارت حينها إلى أمكانية ارتفاع عدد الجرحى “نظرًا لاكتظاظ المنطقة في هذا الوقت من النهار (5:25 مساء) ووجود مسجد محاذٍ لموقع العدوان”.

وذكرت وزارة الدفاع في حكومة النظام السوري أن قصفًا جويًا إسرائيليًا من اتجاه الجولان السوري المحتل استهدف المبنى في حي المزة.

الثلاثاء، أغارت طائرات إسرائيلية على موقع بمحيط حي المزة فيلات غربية، بجانب الحديقة الفرنسية في العاصمة السورية دمشق، من اتجاه الجولان، ما خلف ثلاثة قتلى وتسعة جرحى، من بينهم الإعلامية صفاء الأحمد، إضافة إلى أضرار مادية.

“الحرس الثوري الإيراني” أعلن، الخميس، عن مقتل المستشار العسكري ماجد ديواني متأثرًا بجراح أصيب بها جراء القصف الإسرائيلي في دمشق. ولم يعرف من القادة الإيرانيين المستهدفين في أيلول إلا ديواني.

بينما تحدث “المرصد السوري لحقوق الإنسان” عن مقتل حسن جعفر قصير صهر حسن نصر الله، وعنصر من “حزب الله اللبناني”، وعنصر يعمل مع الميليشيات الإيرانية يحمل جنسية غير سورية، في ضربة الأربعاء.

صهر نصر الله هو حسن جعفر قصير، شقيق محمد جعفر قصير، قائد “وحدة 4400” في “حزب الله”، الذي قتل قبل يومين أيضًا بقصف في الضاحية الجنوبية بلبنان.

ضربات سابقة

مطلع نيسان الماضي، قصفت إسرائيل مبنى مجاورًا للقنصلية الإيرانية في المزة، ما أدى إلى مقتل 13 شخصًا، وهم سبعة أعضاء في “الحرس الثوري”، وستة سوريين، حسب التلفزيون الرسمي في طهران.

ومن بين القتلى في الهجوم، اللواء محمد رضا زاهدي، المسؤول في “فيلق القدس” التابع لـ “الحرس الثوري” عن لبنان وسوريا، والجنرال محمد هادي حاج رحيمي.

مصدر مقرّب من احدى العوائل القاطنة في المبنى المستهدف، أكد لعنب بلدي في وقت سابق أن “البناء مكون من أربعة طابق، الطابق الأول من البناء يتبع للإيرانيين”، موضحًا أن البناء يضم مصعدًا خاصًا مرتبطًا مباشرة بمبنى السفارة الإيرانية المجاور، بينما يوجد في المبنى طابقان تحت الأرض، يستخدمان لصالح السفارة، وهو ما أكده مصدر آخر من سكان المنطقة لعنب بلدي.

وأضاف المصدر الأول، أن “هناك أيضًا إيرانيين يقطنون في الطابق الثاني، بينما تقطن عائلتان سوريتان في الطابقين الثالث والرابع من المبنى المستهدف، وقد حاولت إيران شراءهما أو استئجارهما، لكن مالكيه رفضوا بيعهما مطلقًا”.

صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، نقلت عن مسؤولين إسرائيليين، أن القصف استهدف اجتماعًا سريًا داخل القنصلية، كان من المقرر أن يناقش فيه مسؤولو المخابرات الإيرانية وقادة “حركة الجهاد الإسلامي” الفلسطينية الحرب في غزة، لكن الاستهداف تسبب بمقتل شخصيات من “الحرس الثوري” فقط، ما يدل أن قادة “الجهاد الإسلامي” لم يكونوا قد وصلوا بعد إلى المبنى.

التلفزيون الإيراني، قال إن المبنى الذي تعرض للقصف هو مقر القنصلية الإيرانية ومقر إقامة السفير الإيراني في سوريا، وإن العلم الإيراني كان منصوبًا على المبنى المستهدف.

لكن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانييل هاغاري، ذكر لشبكة “CNN“، أنه “وفقًا لمعلومات استخباراتنا، هذه ليست قنصلية وليست سفارة، هذا مبنى عسكري لقوات القدس متنكر بزي مدني في دمشق”.

وفي 20 من كانون الثاني الماضي، قتل أربعة مستشارين من “الحرس الثوري” وعناصر من قوات النظام إثر قصف إسرائيلي استهدف مبنى سكنيًا في المزة، من بين القتلى مسؤول استخبارات “فيلق القدس” سردار حاج صادق أوميد زاده، ونائبه الحاج غلام محرم.

المزة.. رقي وأقبية مخابرات

هي أحد مناطق العاصمة السورية دمشق، وتقع في الجهة الغربية الجنوبية للمدينة، وكانت سابقًا تتبع إلى الغوطة الغربية.

وتبدأ حدودها من ساحة الأمويين شرقًا حتى منطقة السومرية غربًا ومن جبل المزة شمالًا إلى منطقة كفرسوسة جنوبًا.

وتقسم ما بين مطار المزة العسكري في الجنوب الغربي، وبساتين الرازي في الجنوب بالقرب من منطقة كفر سوسة.

وتقسم المنطقة إلى عدة أحياء، فالمزة القديمة تعرف محليًا بـ”الشيخ سعد”، و”مزة جبل” و”الجلاء” و”مزة فيلات غربية” و”مزة فيلات شرقية” و”مزة 86″ (سميت بـ86 كناية على اسم كتيبة رقم 86 اتخذت الحي مقرًا لها).

واللافت أن حي مزة فيلات غربية (أحد أرقى أحياء دمشق) لا يبعد كثيرًا عن مطار المزة العسكري وفرع التحقيق الذي يقع داخله التابع لـ”المخابرات الجوية”.

واستخدم مطار المزة خلال السنوات الماضية كمعتقل ومكان للتحقيق والتعذيب، ويعتبر من أبرز المعاقل لدى النظام السوري بعد سجني تدمر وصيدنايا.

وكان قد تعرض لضربات إسرائيلية متفرقة، بعد عام 2016، وحاولت فصائل المعارضة التقدم نحوه في إحدى محطات النشاط المسلح بعد 2011 لكنها لم تتمكن من دخوله.

وفي تقرير لوكالة “رويترز” عام 2013 قالت إنه يستخدم من قبل “الحرس الجمهوري”، “القوات الخاصة”، و”المخابرات الجوية”، ويخدم أيضًا كمطار خاص لعائلة الأسد.

كفرسوسة.. تحت أنظار الحكومة

يرتبط جزء من الحي يعرف باسم “تنظيم كفرسوسة” بأذهان السوريين بصورة مثالية على مستوى العمران والموقع، وهي صورة لا تتعارض مع الواقع إلى حد ما، فالأبنية طابقية عالية، والطرقات عريضة ونظيفة، مع الاحتفاظ بمظهر عمراني تتفرد به بعض الأحياء الغنية.

يقع حي كفرسوسة في قلب دمشق بمحاذاة حي المزة، تحت أنظار الحكومة، وفيه يقع مبنى رئاسة مجلس الوزراء، يجاوره مبنى وزارة الخارجية.

يشكل حي كفرسوسة نقطة تجمع لمؤسسات حيوية ومهمة، ومراكز تجارية في دمشق، حيث تقابل رئاسة الحكومة، مستشفى “الأسد” الجامعي، على مسافة قريبة من “تجمع المزة” الجامعي.

مقار وأجهزة أمنية سورية وإيرانية، و”مركز ثقافي” إيراني كبير، ونشاط وزيارات متكررة لقياديين في “حزب الله” اللبناني، للحي، قبل سنوات من الثورة السورية، كل هذه العوامل والعناصر، تضع الحي تحت رقابة أمنية مشددة لا تعصمه من الاستهداف الإسرائيلي.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة