لا تزال أزمة المحروقات في مناطق سيطرة النظام السوري مستمرة منذ نحو شهر، دون حلول حكومية من شأنها الحد منها، خاصة مع انخفاض درجات الحرارة، وزيادة الطلب على المحروقات.
ومنذ مطلع أيلول الماضي، تعاني مناطق سيطرة النظام من أزمة في توفر المحروقات، ولا تزال مستمرة حتى الآن، وأثرت بدورها على العديد من الخدمات كالنقل والمواصلات وأسعار المواد الغذائية.
ويستمر ارتفاع أسعار المحروقات في السوق السوداء نتيحة قلة توفرها، إذ بلغ سعر ليتر المازوت نحو 28 ألف ليرة سورية فيما وصل سعر مبيع ليتر البنزين إلى حوالي 25 ألف ليرة، الأمر الذي عزته وسائل إعلام محلية إلى التصعيد الإسرائيلي في لبنان.
موقع “أثر برس” المحلي، نقل عن رئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق، عبد العزيز معقالي، قوله إن عمليات تهريب المحروقات من لبنان نحو سوريا لا تزال مستمرة، وسط توقعات بانخفاضها قريبًا.
وتوزع حكومة النظام مخصصات المحروقات على المقيمين في مناطق سيطرتها بشكل مقنن، ما يجبرهم على اللجوء للسوق السوداء لتغطية احتياجاتهم منها، حيث تختلف الأسعار وفق الطلب عليها، ووجود وفرة في المواد “المدعومة” أو عدمه، إذ تتضاعف حين حدوث أزمات متكررة في المحروقات، بينما تعاود الانخفاض حين توفر المواد بشكل نظامي.
أزمة نقل تتفاقم
تعتبر قلة كميات المحروقات الأزمة الأساسية التي تفتح الباب على أزمات مرافقة، كوقف الإنتاج في عدد من المعامل والمهن التي تعتمد بشكل رئيس على المحروقات، وتخفيض وصل التيار الكهربائي، وحدوث أزمة في المواصلات، إذ لا يستطيع سائقو وسائل النقل العمل في ظل عدم حصولهم على مخصصاتهم من المحروقات.
عدم توفر المحروقات لدى حكومة النظام سبب أزمة نقل ومواصلات في العديد من المدن الكبرى كدمشق وحلب وحمص، وسبب ازدحامًا في الكراجات وحرم بعض المواطنين من السفر بين المحافظات.
وإثر شح المواد التي يحصل عليها أصحاب الآليات بسعر “مدعوم” عبر “البطاقة الذكية”، توقفت العديد من شركات البولمان عن العمل في محافظة حمص، بسبب النقص الحاد في مادة المازوت اللازمة لتشغيل الحافلات.
عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل في محافظة حمص، بشار عبد الله، قال في تصريح لتلفزيون “الخبر” المحلي، إن المكتب اتخذ بعض الإجراءات لتخفيف أزمة النقل الطارئة وبعض الاختناقات الحاصلة على بعض الخطوط بين حمص والمحافظات الأخرى.
وأرجع عبد الله ازدياد حدة الأزمة إلى زيادة عدد الوافدين من السوريين واللبنانين نحو الأراضي السورية نتيجة التصعيد الإسرائيلي على لبنان، فضلًا عن حدوث أخطاء في آلية “التتبع الإلكتروني” (GPS).
في سياق متصل، ونتيجة لتفاقم أزمة النقل في محافظة حلب، قال عضو المكتب التنفيذي للمحافظة محمد فياض، في تصريح صحفي، إنه تم الإيعاز لشركة “محروقات” لتزويد “السرافيس” العاملة على الخطوط في المدينة بـ50% من مخصصاتها بغض النظر عن “البطاقة الإلكترونية”، وبتزويد باصات شركات النقل بين المحافظات بـ85% من مخصصاتها أيضًا.
وتتأثر معظم المواد الاستهلاكية بزيادة أسعار المحروقات، وسط تدني القوة الشرائية للسكان وتدهور الوضع الاقتصادي، بحيث تعتمد العديد من العوائل على حوالات السوريين من ذويهم المقيمين خارج سوريا، لتأمين الحد الأدنى من متطلبات المعيشة.
لا حلول.. النظام يرفع السعر
خلال الفترة الماضية، لم تصرح حكومة النظام السوري بشكل واضح عن وجود حلول في الأفق لأزمة المحروقات، إنما ربطت الحل بحجم التوريدات.
وعلى نقيض ذلك، رفع النظام أسعار المحروقات التي يوزعها بشكل “مدعوم” أو “حر” عبر “البطاقة الذكية” مرتين خلال أيلول الماضي.
وعادة ما تلجأ حكومة النظام في هذه الحالة إلى رفع أسعار المحروقات، بحجة “ضمان توفرها، وارتفاع تكاليف استيرادها”.
ومنذ اعتماد نشرة دورية (تصدر كل 15 يومًا) لأسعار المحروقات في مناطق سيطرة النظام السوري نهاية العام الماضي وذلك بناء على سعر التكلفة، طرأت تغييرات كبيرة على أسعار المواد، إذ تضمنت معظم النشرات ارتفاعًا في الأسعار.
وعلى الرغم من تصريح وزارة النفط ببدء توزيع مازوت التدفئة اعتبارًا من 1 من تشرين الأول الحالي، مع التركيز على منح الأولوية للمناطق الباردة، يجري تأخير التوزيع عادة في كل عام، إذ قد لا يتسلم المواطنون مخصصاتهم إلا بعد مضي أشهر على فصل الشتاء.
لا انفراج متوقع
تقع سوريا في المركز الثاني للدول التي تصدر إليها إيران النفط، إذ تستقبل عشرات الآلاف من البراميل يوميًا، بحسب موقع “UANI“، المتخصصة بتتبع ناقلات النفط الإيرانية حول العالم.
الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، قال لعنب بلدي، إن التصعيد الإسرائيلي على لبنان وما تبعه من نزوح أعداد تجاوزت مئات الآلاف من لبنانين وسوريين نحو مناطق النظام سيزيد من حدة أزمة المحروقات، نتيجة زيادة الطلب على هذه المواد ووسط عدم قدرة النظام على زيادة العرض.
ستتأثر مصادر المحروقات التي كان يعتمد النظام عليها من “حزب الله” و”إيران” خوفًا من تعرض الشاحنات التي ستنقلها لقصف إسرائيلي، ما سيزيد من وطأة الأزمة، وبالتالي يستمر الواقع الاقتصادي المتردي على السكان في مناطق سيطرة النظام.
ويرى الباحث أن النظام قد يستغل حالة النزوح هذه وضعف إمكانيته في العديد من الملفات أبرزها المحروقات، لاستجداء المنظمات الأممية لتأمين الموارد، الأمر الذي يمكن أن ينقذه من أزمات أكبر، فضلًا عن استغلاله ملفات أخرى كالحوالات وغيرها التي سترفد خزينته بكميات كبيرة من القطع الأجنبي.
وفي 30 من أيلول الماضي، قالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تقرير صادر عنها، إن عدد الأشخاص الذين عبروا من لبنان إلى سوريا جراء التصعيد الإسرائيلي وصل إلى نحو 100 ألف شخص من اللبنانيين والسوريين، موضحة حينها أن التقديرات المحدثة تشير إلى أن حوالي 60% من الأشخاص الذين اجتازوا الحدود نحو سوريا من السوريين، فيما تبلغ نسبة اللبنانيين نحو 40%.