حسام المحمود | حسن إبراهيم
غيرت الضربات الإسرائيلية التي استهدفت قادة “حزب الله” اللبناني شكل المعركة على الجبهة الشمالية لإسرائيل، ورفعت منسوب الخسائر المعلنة للتصعيد، خاصة مع مقتل الأمين العام لـ”الحزب”، حسن نصر الله، في ضربات استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت، في 27 من أيلول الحالي.
ومع التلويح الإسرائيلي بعملية برية تمهد لها غارات يومية أوقعت مئات القتلى اللبنانيين وتسببت بنزوح جماعي داخل لبنان وإلى سوريا، تضاف الجبهة اللبنانية إلى جبهة مفتوحة في غزة، ما يفتح بابًا واسعًا من التساؤلات حيال موقف النظام السوري من تطور الأحداث في المنطقة.
وسلكت الأحداث في المنطقة منعطفًا مفاجئًا بعد تفجير إسرائيل أجهزة اتصال لاسلكية لعناصر “الحزب” موقعة خسائر بشرية فادحة، قبل الانتقال إلى اغتيالات طالت كبار قادة “الحزب” العسكريين، على رأسهم نصر الله، وقائد جبهة الجنوب علي كركي، وقائد القوى الجوية محمد حسين سرور، والقائد العسكري الأعلى إبراهيم عقيل، وقادة “قوة الرضوان” الذين قتلوا في غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت في 20 من أيلول، ومنهم أحمد محمود وهبي.
وفي وقت تلاحق فيه الضربات الإسرائيلية قادة “حزب الله”، دون أي التفاتة إلى المساعي الأمريكية والأوروبية ودول المنطقة للتهدئة، تتجه الأنظار إلى حليف “حزب الله” وإيران، رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الذي لم يبدِ حتى الآن أي خطوات جدية استجابة لهذه التطورات، عدا عن البيانات الإعلامية.
تنذر المعطيات في لبنان باحتمالية توسع الصراع، وتضع النظام السوري أمام “اختبار علاقة” مع حليفه القريب بالجغرافيا والمواقف، وحدود الدور الذي يمكن أن يخطو نحوه النظام أو يقف دونه في حرب بدأت انعكاساتها الإنسانية على الأقل، بتجاوز الحدود البرية الوحيدة للبنان مع بلد عربي.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع خبراء وباحثين وسياسيين سابقين آلية تعاطي النظام السوري مع تطورات المعركة جنوبي لبنان، وموقف النظام منها، وتستعرض طبيعة العلاقة بينه وبين “حزب الله” ومدى عمقها، وتقرأ في المبتغى الإسرائيلي من توسيع الجبهة وتعدد مسارح القتال بشكل متزامن، ومستقبل “محور المقاومة” في ضوء هذه التطورات والتوجه الإسرائيلي الواضح نحو مزيد من التصعيد.
بيانات لا خطوات
أين الأسد؟
لم يختلف كثيرًا تعاطي النظام السوري مع مجريات الأحداث في الجنوب اللبناني عن الموقف الرسمي له من الأحداث التي يشهدها قطاع غزة منذ عام تقريبًا، إثر هجوم عناصر تابعين لـ”كتائب القسام” على مستوطنات إسرائيلية في غلاف القطاع، وما تبعه من تصعيد إسرائيلي تحوّل إلى حرب متواصلة لم تفلح جهود الوساطة الأمريكية والقطرية والمصرية في وقفها حتى اليوم.
وبعد تصاعد حاد في الأحداث، جنوبي لبنان، بدأ بتفجير إسرائيل أجهزة اتصال لاسلكية يستخدمها عناصر “حزب الله” اللبناني، وما تبعه من غارات يومية أتت على قيادات “الحزب” العسكرية، بمعظمها، وما خلفته من مئات القتلى وآلاف الجرحى، وموجات نزوح جماعية من جنوبي لبنان نحو الداخل اللبناني، أو نحو سوريا، لم يخرج النظام السوري عن الموقف الذي بدا معتادًا خلال العام الأخير.
وبالبدء من الظهور الأحدث لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، خلال لقائه أعضاء الحكومة الجديدة، في 24 من أيلول، اقتصر حضور ملف الحرب في لبنان على إشارة لـ”الهجمة الشرسة للصهاينة على أشقائنا في لبنان”، واصفًا ما يحصل بأنه “جرائم من الصعب وصفها أو الحديث عنها”، داعيًا أعضاء الحكومة لأن يكون العنوان الرئيس لعملهم الوقوف مع الأشقاء في لبنان في كل المجالات وكل القطاعات بلا استثناء أو تردد.
وفي خطاب ألقاه أمام مجلس الشعب، في 25 من آب الماضي، وقبل تصاعد الأحداث في لبنان، وحين كانت العمليات تقتصر على مناوشات خفيفة متكررة تحت مسمى “جبهة الإسناد لغزة”، اكتفى الأسد بالإشارة إلى تحرير جنوب لبنان عام 2000، و”كسر شوكة الغرب” في لبنان عام 2006، مع الإشادة بـ”المقاومين في لبنان وفلسطين والعراق واليمن” واعتبارهم “أسوة وقدوة وأنموذجًا ومثالًا نقتدي به في طريق التحرير، طريق الكرامة والشرف والاستقلال الناجز”.
وبعد انفجار أجهزة الاتصال لدى عناصر “حزب الله” في 17 و18 من أيلول، مخرجة 1500 من عناصر “الحزب” عن الخدمة بإصابات حادة، كفقدان البصر وبتر الأيدي، وتصاعد وتيرة الضربات الإسرائيلية، تصاعدت وتيرة بيانات الإدانة من قبل النظام، فأدانت الخارجية السورية هذه الضربة الإسرائيلية، ووصفتها بأنها “عدوان إرهابي ودموي” و”جريمة دموية بحق المدنيين في لبنان”، مع إعلان وقوفها إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق بحقه في الدفاع عن نفسه، دون توضيح آلية هذا الدعم والوقوف.
وفي بيان آخر صدر في 20 من أيلول، قالت الخارجية السورية، إن العالم شهد عدوانًا صهيونيًا موصوفًا” على الضاحية الجنوبية في لبنان، معتبرة التصعيد على الضاحية الذي أودى بحياة المئات، “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”، مع الإشارة إلى تدمير إسرائيل لغزة ومقتل نحو 42 ألف فلسطيني فيها، وتوجيه التحيات لـ”أشقاء سوريا الصامدين في لبنان”.
كما أدانت، في 23 من أيلول، “العدوان الوحشي الجبان” على لبنان، مع التشديد على أن مثل هذه “الأفعال الإجرامية” يجب أن تدان من قبل جميع الأعضاء في الأمم المتحدة.
وعلى مستوى التغطية الإعلامية، وسعت وسائل الإعلام السورية، الرسمية والمقربة من النظام، من تغطيتها للأحداث في لبنان، مع نقل أخبارها بشكل رئيس عن قناة “المنار” (شاشة “حزب الله”)، والإشارة إلى ما تصفه “المنار” بـ”المقاومة الإسلامية”، على أنه “مقاومة لبنانية”، دون خروج عن مسار البث الإعلامي قبل التصعيد أو إحداث تغيير جذري، فأخبار المنوعات والرياضة والفن لم تغب تمامًا عن الشاشة السورية الرسمية التي تروّج لما يسمى بـ”محور المقاومة” ويعتبر النظام السوري من مكوناته.
السياسي اللبناني والنائب السابق لرئيس تيار “المستقبل”، مصطفى علوش، أوضح لعنب بلدي أن النظام السوري الذي لم يتوانَ عن تدمير المدن السورية وقتل مئات آلاف السوريين وتهجير الملايين للبقاء في السلطة، وجد خطرًا في المشاركة ولو قليلًا في الدفاع عمن أبقاه في السلطة (في إشارة إلى “حزب الله”).
وبحسب علوش، فالنظام السوري غير مستعد لتعريض نفسه للخطر، ولهذا اكتفى وسيكتفي بنقل الأخبار وإصدار البيانات دون مبادرة سياسية أو عسكرية مع غياب الدعم، لأن النظام السوري يكن ضغينة غير معلنة تجاه “حزب الله” الذي سمح بخروج القوات السورية من لبنان في 2005، واستفاد من الاستفراد بالساحة اللبنانية، دون استبعاد ميل الأسد للتخلص من مشروع “الممانعة” مقابل مكاسب أخرى.
السياسي اللبناني يرى أن “حزب الله” مصاب بخيبة أمل من معسكر “الممانعة”، كما هو حال “حماس” في غزة، إذ كان نصر الله يعتقد أن هذا المعسكر سيهب لنصرته، فوجد نفسه وحيدًا، مع الإشارة إلى أن من يعرف طبيعة النظام السوري لن يعتمد عليه في الضراء.
نظام الأسد عاجز عن القيام بأي مبادرة عسكرية، وحتى ولو أراد، فالبراميل المتفجرة التي ألقاها على بيوت السوريين لا تنفع مع إسرائيل، لكنه ربما سيستفيد من إضعاف إيران و”حزب الله” لكي يتفلت من سيطرتهما ويبيع ويشتري وحده.
مصطفى علوش
سياسي لبناني ونائب سابق لرئيس تيار “المستقبل”
آثار على سوريا
وضعت الظروف السياسية والجغرافية النظام السوري أمام تحدٍ آخر يتعلق بالاستجابة للحرب الموجهة ضد “حزب الله” بعدما بدأت من غزة، فإلى جانب كون سوريا جارة لبنان ومنفسه البري الوحيد، فهي متاخمة للأراضي الفلسطينية المحتلة، والنظام السوري جزء من منظومة “محور المقاومة”، ما يحيي التساؤلات حول الموقف السوري الرسمي من أي صراع يعيشه أحد أطراف هذا المحور.
من جهة أخرى، يخضع الأسد لضغوط باتجاهين، يتجلى الأول في ما ورد ضمن “المبادرة الأردنية” التي طالبت صراحة بتقليص حضور إيران ومشتقاتها العسكرية في سوريا للوصول إلى حل في سوريا وفق المنظور العربي، أما الاتجاه الثاني، فيتمثل بالتحذير الإسرائيلي لبشار الأسد، الذي نقلته الإمارات ومفاده بقاء الأسد بعيدًا عن حرب غزة، وعدم السماح باستخدام الجنوب السوري منطلقًا لعمليات تستهدف إسرائيل، وفق تسريب نقله موقع “أكسيوس” عن مسؤول إماراتي، في 9 من تشرين الأول 2023، أي بعد يومين فقط على بدء الحرب في غزة.
الخبير الاستراتيجي الأردني بالأمن الاستراتيجي عمر الرداد، أوضح لعنب بلدي أن “حزب الله” يدرك جيدًا أن هناك تحولات بموقف النظام السوري تجاهه وتجاه علاقته مع إيران ودوره في “محور المقاومة”، وقد عبر نصر الله عن ذلك تلميحًا في خطاباته الأخيرة، من خلال عدم التطرق لذكر النظام السوري بوضوح في أكثر من خطاب مؤخرًا.
وبحسب الرداد، فإلى جانب موقف النظام السوري المعروف من أحداث غزة، وعدم تأييده “حماس” والاحتفاظ بلغة دبلوماسية تؤكد الوقوف إلى جانب الحق الفلسطيني، فمن المرجح أن هذا الموقف ينسحب على “حزب الله”.
ويرى الباحث الأردني أن مرجعية النظام السوري بهذه التحولات مواقف روسية طلبت من دمشق عدم التدخل في حرب غزة، بالإضافة إلى مواقف عربية قادت لمصالحة مع النظام السوري في “قمة جدة” (أيار 2023).
وتبقى مواقف النظام السوري الجديدة محطة من محطات تحولاته العميقة التي ربما تذهب أبعد من ذلك، لا سيما في ظل مواقف إيران الجديدة تجاه “حزب الله”، وفق الخبير الأردني.
وفي 24 من أيلول الحالي، قال الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، إن “حزب الله” وحده لا يستطيع أن يقف في وجه دولة مسلحة تسليحًا جيدًا جدًا ولديها القدرة على الوصول إلى أنظمة أسلحة تتفوق بكثير على أي شيء آخر (في إشارة إلى إسرائيل التي كانت تصفها طهران بالكيان وترفع شعارات “الموت لإسرائيل”).
وفي مقابلة مع شبكة “CNN” الأمريكية، أضاف بزشكيان، “ماذا يستطيع (حزب الله) أن يفعل بمفرده؟ يجب على الدول الإقليمية والدول الإسلامية أن تجلس معًا من أجل صياغة رد فعل على ما يحدث، قبل حدوث أي شيء أكثر خطورة”.
الأسد ونصر الله..
حليف أم منافس؟
لطالما كانت العلاقة بين النظام السوري مع “حزب الله” اللبناني، في حكم الأسدين، الأب والابن، علاقة “أخوة ووفاء” ووصفت بأنها “متينة ووثيقة”، فكانت سوريا، وفق الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، “العمود الفقري للحزب والمقاومة”، بينما ينظر الحزب إلى سوريا على أنها “سوريا الأسد”، فكان سندًا للنظام وسلاحه الذي أشهره ضد السوريين مع اندلاع الثورة، وسفك دماءهم وهجّرهم وحال دون سقوطه (إلى جانب قوات أخرى).
وكان القرار السوري الرسمي مساندًا وداعمًا لـ”حزب الله” منذ تأسيسه عام 1982 برعاية إيرانية، فكان حافظ الأسد يبدي التعاطف مع الحزب، ويعطي التوجيهات لقيادة الجيش السوري والأجهزة الأمنية لمساعدته، ولم يكن في باله أن إيران كانت تجعل من “الحزب” قاعدة عسكرية وسياسية لخدمة استراتيجيتها، أو أن لديها طموحًا في التوسع الإقليمي، وفق ما ذكره نائب الرئيس السوري الأسبق، عبد الحليم خدام، في كتابه “التحالف السوري الإيراني والمنطقة“.
بعد موت حافظ الأسد، قال الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، في 2001، إن الأسد كان “دائمًا على خط النار، وفي ساحة المقاومة، وفي قلب الصراع”، وإن “الحركة التصحيحية” التي قادها “وفّرت قاعدة صلبة للمقاومة والصمود والثبات على الحق”.
وتعاظم دور “حزب الله” تدريجيًا في سوريا مع وصول بشار الأسد إلى السلطة بلا انتخابات، عام 2000، وفتح الأخير ترساناته العسكرية لتزويد “الحزب” بالسلاح للمرة الأولى، حين انخرط “حزب الله” في “حرب تموز” (استمرت 33 يومًا) عام 2006، في خطوة كانت مفاجئة لإسرائيل.
“صدق وشفافية”
مع بداية الثورة في سوريا عام 2011، دافع نصر الله بشدة عن بشار الأسد ونظام حكمه، ودعا السوريين إلى الحفاظ عليه واللبنانيين إلى عدم الطعن في خاصرته، وزج بمقاتليه في معارك طويلة بسوريا تحت ذريعة حماية المقدسات الشيعية من الجماعات “التكفيرية”، ثم تحول إلى “الدفاع عن سوريا من السقوط”.
في أيار 2013، اعتبر نصر الله ما يحصل في سوريا حربًا عالمية ومؤامرة، وقال إن “سوريا ظهر المقاومة وسندها، والمقاومة لا تستطيع الوقوف مكتوفة اليدين بكشف ظهرها وكسر سندها، وإلا نكون أغبياء”، معتبرًا أن سقوط سوريا بيد الأمريكي والإسرائيلي وأدواتهما سيؤدي إلى دخول إسرائيل إلى لبنان.
كما أعلن نصر الله، في آب من العام نفسه، استعداده للذهاب شخصيًا للقتال في سوريا، قائلًا، “إذا احتاجت المعركة مع هؤلاء الإرهابيين التكفيريين أن أذهب أنا وكل (حزب الله) إلى سوريا، سنذهب إلى هناك”، ثم قال بعد عام، “إن الحل في سوريا يبدأ وينتهي مع بشار الأسد”.
وبعد نحو أربع سنوات على بدء الثورة السورية، شرعن بشار الأسد، في 2015، قتال “حزب الله” إلى جانب قواته، وقال إن العلاقة الشخصية مع نصر الله “علاقة وثيقة عمرها أكثر من 20 عامًا”، ووصفها بأنها تتسم بالصدق والشفافية، وبأن نصر الله “وفي لأقصى حدود الوفاء”.
ساحة قتل وتمرير أسلحة
خلال السنوات الماضية، كان “حزب الله” رديفًا عسكريًا لقوات الأسد في معارك حلب واللاذقية ودرعا وريف دمشق وحلب وحمص وريف حماة، وأسفر حصاره وقصفه للزبداني والمعضمية عن مقتل ما يزيد على 300 مدني، 84 منهم قضوا إثر الجوع الشديد، وارتكب عناصره عشرات المجازر في سوريا، إحداها في القصير بريف حمص، وأسفر القصف المتواصل على المنطقة حينها عن مقتل 273 شخصًا، وأكثر من 2400 جريح.
وحتى منتصف العام الحالي، وصل عدد المواقع العسكرية التابعة لـ”حزب الله” في سوريا إلى 241 موقعًا، منها مواقع مشتركة مع “الحرس الثوري الإيراني”.
وتشكل الأراضي السورية جزءًا من ممر إيراني مؤدٍ إلى سوريا ولبنان برًا وجوًا وبحرًا تديره طهران بشكل مخفي، ويعمل بوتيرة متفاوتة، ويشمل تهريب الأسلحة إلى سوريا ولبنان، والبنية التحتية لإنتاج وتجميع أسلحة تقليدية متطورة على الأراضي السورية، ومشروع الصواريخ الدقيقة في مصياف مثال على ذلك، وفق تقرير لمركز “ألما” البحثي الإسرائيلي في تشرين الأول 2022.
وفي حزيران الماضي، قال سبعة مسؤولين إقليميين ودبلوماسيين وضباط سوريون، إن إسرائيل كثفت ضرباتها السرية في سوريا ضد مواقع أسلحة وطرق إمداد وقادة مرتبطين بإيران، للتأكد من إضعاف “حزب الله” في سوريا.
“لا تغيير في العلاقة”
هذه العلاقة “المتينة” وجذورها التاريخية مع “حزب الله”، فتحت الباب أمام تساؤلات حول طبيعة العلاقة اليوم، وسط تصعيد وملامح آخذة بالتشكل لحرب مقبلة، ومدى تأثر هذه العلاقة بما يحصل وإمكانية أن تتخذ مجرى مغايرًا لما كانت عليه، ومآلات هذا التغيّر في العلاقة إذا حصل.
الباحث في مؤسسة “القرن الدولية للبحوث والسياسات الدولية”، المتخصص بالشأن السوري، سام هيلر، أوضح لعنب بلدي أن “حزب الله” ودمشق ما زالا حليفين، ومن المرجح أن يظلا كذلك، مستبعدًا حدوث تغيير كبير في العلاقة، ما يعني على الأرجح تغيير عضوية النظام ومشاركته في “محور المقاومة” الأوسع.
ولا يتوقع الباحث أن تبذل دمشق مزيدًا من الجهود لدعم “حزب الله” مقارنة بما تبذله حاليًا، مرجحًا أن تكون المساهمة الأكثر أهمية التي قدمتها حكومة النظام في معركة “حزب الله” الحالية قد جاءت قبل الحرب، من خلال الكيفية التي ساعد بها النظام “حزب الله” في تطوير قدراته وبنيته الأساسية المادية في لبنان وسوريا.
من الناحية الواقعية، لم يعد بوسع سوريا أن تضيف الكثير بمجرد بدء الحرب، ولكن حتى الآن، تمثل سوريا العمق الاستراتيجي لـ”حزب الله”، وخط إمداد محتملًا مهمًا إذا طال أمد هذا الصراع.
سام هيلر
باحث في مؤسسة “القرن الدولية للبحوث والسياسات الدولية”
علاقة معقدة غير ثنائية
خلال تدخله العسكري في سوريا، كان دور “حزب الله” أقل تركيزًا على إعادة بناء وتعزيز قدرات قوات النظام، مع الاهتمام بإنشاء تشكيلات موازية، كالميليشيات الموالية للنظام، وهذا يتناغم مع سلوك “الحزب” في لبنان نفسه، حين بنى قوة مسلحة مستقلة بمنأى عن الدولة اللبنانية الضعيفة، وفق دراسة لمركز “مالكوم كير- كارنيغي” للشرق الأوسط.
وفق الدراسة، وصل التحالف بين “حزب الله” وسوريا إلى مرحلة جديدة، فلم يفرض “الحزب” شروط العلاقة فحسب، بل كان لديه أيضًا مجال لتوسيع نفوذه الأيديولوجي والعسكري والسياسي داخل سوريا.
الباحث السياسي السوري نادر الخليل، يرى أن الحديث حول طبيعة العلاقة بين النظام و”حزب الله” يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار ويُفهم من تعقيدات المشهد السوري، لأن اعتبارهما حليفين مستقلين يتخذان قراراتهما بإرادتهما الكاملة المستقلة تصور غير دقيق.
وقال الخليل لعنب بلدي، إن النظام لا يتمتع باستقلال كامل في قراراته المتعلقة بـ”حزب الله”، لأن هناك اختراقات إيرانية داخل تركيبة النظام، وبات لـ”حزب الله” نفوذ أيضًا، ما يجعل القرار السوري تجاه هذه العلاقة غير مستقل بالكامل.
وأضاف أن وجود نفوذ ميداني مباشر لـ”حزب الله”، وعبر حلفائه الإيرانيين، جعل هناك علاقة تحالفية مع مراكز قوى داخل تركيبة النظام ذاته، سواء كان ذلك بإرادة رأس هرم النظام، بشار الأسد، أم رغمًا عنه.
ويمكن تشبيه النظام السوري بـ”شركة مساهمة” تتقاسم فيها عدة أطراف النفوذ، حيث يملك الأسد أسهمًا فيها، كما يمتلك الإيرانيون، و”حزب الله”، والروس كذلك، وهذا التعقيد، وفق الخليل، يجعل العلاقة بين النظام و”حزب الله” علاقة “غير ثنائية” وليست بسيطة، بل هي جزء من شبكة أوسع من المصالح والتحالفات.
يرى الباحث نادر الخليل أن العلاقة تواجه بعض التحديات في ظل التصعيد الحاصل، فالأسد لا يمتلك القدرة على اتخاذ قرار مستقل بدخول حرب مع إسرائيل لدعم “حزب الله”، ولو كان يملك هذه القدرة فمن المستبعد انخراطه في حرب كهذه كُرمى لـ”حزب الله”.
وقد تُستخدم سوريا كقاعدة إسناد للحزب رغمًا عن إرادة النظام في حال تحولت الحرب إلى تهديد وجودي لـ”حزب الله” كما يحدث لـ”حماس” في غزة، وقد تحصل توترات وتغييرات داخل النظام السوري، خاصة بين العائلة الحاكمة وكبار النافذين في الأجهزة الأمنية والعسكرية حيال العلاقة مع الحزب وإيران.
العلاقة بين النظام السوري و”حزب الله” معقدة للغاية ومتشابكة مع التوازنات الإقليمية والدولية، ومن الصعب تقدير كيفية تطورها في ظل التحديات الحالية، مع عدم وضوح مدى التهديد الإسرائيلي لـ”حزب الله” وطبيعته، وما زال الوقت مبكرًا للغاية للتحليل الدقيق لمآلات هذه العلاقة.
نادر الخليل
باحث سياسي سوري
هل تكسر إسرائيل “المحور”؟
استغلت إسرائيل هجوم 7 من تشرين الأول، وصبت جام غضبها على “محور المقاومة” أو على الأقل على عدة أطراف فيه، فطالت ضرباتها السفارة الإيرانية في دمشق، مطلع نيسان الماضي، واغتالت قيادات فاعلة في المحور داخل وخارج إيران، ومنها قائد “قوات القدس” في سوريا ولبنان، محمد رضا زاهدي، الذي قتل في استهداف السفارة بالعاصمة السورية، ورئيس المكتب السياسي لـ”حركة المقاومة الإسلامية” (حماس)، إسماعيل هنية، الذي اغتالته في 30 من تموز الماضي، خلال وجوده في إيران، وبعد ساعات من لقاء المرشد الأعلى، علي خامنئي.
كما أن الانخراط السريع لـ”حزب الله” في “جبهة إسناد لغزة” قابله تصعيد إسرائيلي عنيف على مدار الأيام الماضية، حين اغتالت كبار القادة العسكريين في “الحزب” سواء بشكل متسلسل وبطيء منذ بدء الحرب، أو خلال تصعيد موجة الاغتيالات خلال الأسبوعين الأخيرين.
وبالتزامن مع ذلك كله، لم تتوقف الضربات الإسرائيلية على مواقع ونقاط عسكرية في مناطق سيطرة النظام السوري، أحدثها هجوم جوي إسرائيلي من اتجاه الجولان السوري المحتل، طال مواقع عسكرية على الحدود السورية- اللبنانية قرب كفير يابوس في ريف دمشق، وأدى إلى مقتل خمسة عسكريين وإصابة آخر، في 27 من أيلول.
ويأتي هذا القصف الإسرائيلي بعد ساعات من قصف مماثل، استهدف معبر “مطربا” على الحدود السورية- اللبنانية، إذ قال الجيش الإسرائيلي، في 26 من أيلول، إنه هاجم بنى تحتية على الحدود السورية- اللبنانية، يستخدمها “حزب الله” لنقل الأسلحة من سوريا إلى لبنان، موضحًا أنه يعمل على منع دخول الأسلحة إلى لبنان بهدف تسليح “حزب الله”، مع الإشارة إلى مواصلة مهاجمة القدرات العسكرية والبنية التحتية لـ”الحزب”.
كل هذه العوامل فتحت الباب أمام تساؤلات حول ما تريده إسرائيل من تصعيدها على أكثر من جبهة في وقت واحد، فالخطاب الرسمي الإسرائيلي الرافض لأي هدنة قبل “القضاء على حماس” و”تأمين الجبهة الداخلية الإسرائيلية” وضمان عدم تكرار 7 من تشرين الأول، لم يتوقف.
حرب برية قريبة
الباحث السياسي ومدير الأبحاث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، معن طلاع، يرى أن إسرائيل تسعى إلى توسيع قواعد الاشتباك وتغييرها ونقلها إلى مستويات أكثر تقدمًا، وباتت قريبة من الانزلاق إلى حرب برية، أو اجتياح بري.
وأوضح طلاع، في حديث لعنب بلدي، أن إسرائيل لديها غايات وأهداف من تصعيدها في لبنان، تتمثل في إنهاء أي ضغط محتمل من خارج غزة، وعدم التشويش على وضع القطاع، لا سيما في ظل ارتيابها من سياسات ما يعرف بـ”محور المقاومة”، إلى جانب تحسين الصورة الذهنية في الداخل الإسرائيلي التي ارتبطت بالجيش الإسرائيلي الذي ما زالت صورته تتخبط في غزة ولم يحقق أهدافه المعلنة.
كما أن هناك محاولة للبحث عن إرث ذاتي لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بمكان ما، ويسجل أنه رد على عملية “طوفان الأقصى” برد قاسٍ جدًا، مع دور ذلك في تأجيل ملفات المحاسبة التي تدار له في الداخل الإسرائيلي.
ومن العوامل التي تؤخذ بالحسبان اختبار ما يعرف بـ”استراتيجية تغيير القواعد الأمنية الناظمة لمعادلات الاشتباك مع إسرائيل”، وتهدف إلى إبقاء شكل “المحور” وتغيير مضمونه، بسلبه أدوات القوة النوعية، بالإضافة إلى قطع الطريق أو زيادة التحديات في مسيرة المفاوضات غير المعلنة بين طهران وواشنطن الزاهدة في المنطقة، فواشنطن ليست مندفعة للعودة إلى الشرق الأوسط خاصة في ظل الانتخابات الأمريكية وتحدياتها الحالية.
غاية إسرائيل إخراج الأوراق الضاغطة على أمنها القومي، عسكريًا وبشريًا وإداريًا، من معادلات الصراع، سواء عبر حرب غزة أو تدمير قوة الخصوم، أي عدم كسر المحور لكن الحفاظ على شكل آنيته لمصلحة تأمين الفشل الوظيفي والبنيوي داخل هذا المحور.
معن طلاع
باحث سياسي
وبحسب طلاع، فالمعطيات تتحدث عن ضربة قاسية لعناصر إيران، وبالتالي الانعكاسات بدأت تظهر منذ الآن، من خلال وضوح تغيير معادلات التجاذب السياسي في لبنان، وحصر خيارات النظام السوري ودفعها أكثر نحو التحجيم، ومقاومته لحلفائه في عدم جعل الجغرافيا السورية منصة حرب، بالإضافة إلى إضعاف إيران وإحداث خلل في صيغة النظام الأمني الإقليمي، والتي ستسعى بعض الدول والأطراف لملئه أو التكيف مع غياب أثره.
كما أشار معن طلاع إلى رغبة إيران باستخدام أدواتها الإقليمية، وتحسين شروط التفاوض على تعزيز تموضعها في النظام الأمني الإقليمي، دون منح أي مؤشر لانزلاق إلى حرب كبرى حتى وإن تغيرت قواعد الاشتباك، فهي تريد تحريك هذه الأدوات واستخدام شروط القوة في المفاوضات، إلى جانب رغبتها في الحفاظ على مكتسباتها في المنطقة، واستثماراتها طويلة الأمد التي كلّفتها ماليًا أو أمنيًا أو سياسيًا، وإنهاء حالة القلق على مصالحها في المنطقة، والتي بدأت ملامحها في غزة ولبنان، والتطبيع العربي الهش والتركي المحتمل مع النظام.
عزوف النظام عن التدخل
بالنسبة للنظام السوري، فالخيارات محدودة، وضيقة، ترتبط بالانكفاء على الداخل، ومحاولته فصل الملف السوري عن الملفات الإقليمية واستثمار الانفتاح السياسي عليه، ورغبته بتحويله الى انفتاح اقتصادي، مع توسيع هوامش الحركة مع “الحلفاء” أو حتى التماهي مع متطلبات التطبيع دون انجرار خلف أي خطوة كبيرة تعود سلبًا على نظامه وتحكمه بالمشهد السوري، وفق معن طلاع.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :