لمى قنوت
لم يكن الخطاب المتودد للولايات المتحدة الأمريكية الذي أدلى به الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، في نيويورك مؤخرًا هو الوحيد بين خطابات الرؤساء “الإصلاحيين” الهادفة لتحسين العلاقات والحوار والتفاوض معها، لكنه خطاب أتى في سياق ابتعاد إيراني، ولو كان مؤقتًا، عن درة تاج محوره “حزب الله”، في وقت يعاني فيه من اختراق أمني أودى بكبار قادته العسكريين، ويتعرض ولبنان لهجمات إسرائيلية وحشية كثيفة كان آخرها، وقت كتابة هذا المقال، حين ألقت طائرات “F16″ 85 قنبلة فراغية BLU-109″” على مجمع سكني (مؤلف من 6 مبانٍ) بالضاحية الجنوبية، في 27 من أيلول الحالي، وهي قنابل تخترق التحصينات والهياكل الصلبة ذات الغلاف الفولاذي من 4-6 أقدام من الخرسانة المسلحة، مستهدفة اجتماعًا في المقر المركزي للحزب بقيادة حسن نصر الله، الذي نعاه الحزب في اليوم التالي، وتأكد مقتل قائد “فيلق القدس” في لبنان، عباس نيلفروشان، في هذا الهجوم.
كما أتى هذا الخطاب المتودد لأمريكا بعد أن تعرضت إيران أيضًا لاختراق أمني إسرائيلي كبير عقب اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ”حماس”، إسماعيل هنية، في مقر يديره ويحميه “الحرس الثوري الإيراني” في طهران، الأمر الذي وصفه حسن نصر الله في وقتها بأن “إسرائيل مسّت شرف إيران”، لكنها، أي إيران، استنكفت عن الرد بعد تهديدات أعلنت عنها.
أراد بزشكيان عزل نفسه عن سياسات سلفه السابق إبراهيم رئيسي وتياره المتشدد عندما قال، “أنا لا أفهم في السياسة”، ويبدو أن لقاءه في إطار حوار الأديان مع المؤرخ الإسرائيلي المتخصص في تاريخ إيران والباحث في جامعة “بنسلفانيا” ليور استرنفلد لم يكن مصادفة، فهو كان يعلم بأنه إسرائيلي كما ورد في صحيفة “The Times Of Israel“.
لقد حاول خامنئي ترقيع ما صرح به بزشكيان في المقابلة التي أجراها مع شبكة “CNN“، حين قال، إن “حزب الله” وحده لا يستطيع أن يقف في وجه دولة مسلحة تسليحًا جيدًا جدًا ولديها القدرة على الوصول إلى أنظمة أسلحة تتفوق بكثير على أي شيء آخر”، وتساءل، “ماذا يستطيع (حزب الله) أن يفعل بمفرده؟”، ويختلف هذا الخطاب عن سياقات التصريحات الإيرانية المعتادة، التي تركز على نصر “مجاهدي المحور”، ويبدو أن كلام بزشكيان قد أحرج القيادات الإيرانية، فنشر حساب خامنئي على منصة “إكس” بأن “حزب الله منتصر”.
أما وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، فتولى نفي كلام بزشكيان أمام وسائل الإعلام في أمريكا، وبأن إيران مستعدة لخفض التوتر مع إسرائيل، فالكلام الذي قاله بزشكيان بعيد عن صيغة خطابات نظام الملالي حيث انتشر تسجيل صوتي له قال فيه، “الإرهابي هو إرهابي إن كان عربيًا أو فارسيًا أو إسرائيليًا أو أمريكيًا، إذا ارتكبوا اغتيالًا فهم إرهابيون”، وتابع أن “إيران مستعدة لوضع أسلحتها جانبًا إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانبًا”، وأضاف، “دعونا نتفاعل، لا نتقاتل، نحن لسنا أنبياء ولكنا بشر ولسنا دعاة حرب“.
الاختراقات الأمنية في صفوف الحزب
ثمة سؤال يطرح نفسه بعد الاختراق الأمني الكبير والضربة القاسية التي تلقاها “حزب الله”، وأودت بكبار قادته، مقارنة مع حركة “حماس” في فلسطين المحتلة وكيف حصنت نفسها أمنيًا، فرغم الحصار الخانق وضعف إمكانياتها، استطاعت القيام بعملية “طوفان الأقصى” وفشل الاحتلال استخباراتيًا في منعها!
بعض اتجاهات الرأي تشير بأصابع الاتهام إلى دور إيراني ابتعدت فيه عن “الحزب” مقابل عدم توسع الحرب إقليميًا، ورغم ضعف حجج هذا الرأي، وأيًا كان سبب ومصدر امتلاك الاحتلال معلومات واسعة عن قيادات “الحزب” وتراتبيتها، والمقار، واختراق شبكة اتصالاتها، وطرق الإمدادات الإيرانية إليها، فإن الخطأ القاتل الذي شتت إمكانية “الحزب” بأمنه واستخباراته وقوّض سمعته، هو قتاله في سوريا بتوجه طائفي دفاعًا عن نظام الأسد، ومساهمته البارزة والواسعة في تهجير نصف شعبها قسرًا.
ومع استمرار الإبادة الجماعية في غزة، وتأكيد جيش الاحتلال استعداده لغزو لبنان بريًا، وحفره “خنادق” خلف السياج الفاصل بين الجولان السوري المحتل وعلى طول الحدود السورية، بعمق لا يُسمح فيه لمرور مركبات، ما يعني عسكريًا بأنها حقول ألغام استباقية لمنع أي عملية توغل برية على غرار عملية “طوفان الأقصى”، ثمة مخاوف من توسع الحرب في المنطقة حسب الخريطتين اللتين أبرزهما نتنياهو لدول المنطقة في أثناء خطابه بالجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي، والتي كتب على إحداها كلمة “اللعنة” وعلى الأخرى كلمة “البركة”، وتظهر الخريطتان ضم الاحتلال كلًا من قطاع غزة والضفة الغربية لكيانه.
يبدو في خريطة “البركة” الممر التجاري المقترح عبر بحر العرب من الهند إلى الإمارات العربية المتحدة، ثم يعبر المملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل قبل أن يصل إلى أوروبا، وقال خلال كلمته، “رسالتي إلى إيران، إذا ضربتمونا سنضربكم”، وأضاف أنه “لا يوجد مكان في إيران لا تستطيع الذراع الطويلة لإسرائيل الوصول إليه. وهذا ينطبق على الشرق الأوسط بأكمله”. وهذا ترهيب وتهديد مباشر لدول المنطقة ومن على منبر الأمم المتحدة، وهو دليل إضافي على عجز المنظومة الدولية عن كبح جماح هذا المشروع الاستيطاني الإحلالي التوسعي في المنطقة.