“سينما الشعر”.. تفسير لغة “الفن السابع”
يلعب النقد والتحليل دورًا مهمًا في عملية تطوير السينما، طالما أنه صادر عن أصحاب الاختصاص، خاصة أنه يفسر ما يريد المخرج إيصاله من خلال اللقطات وأحجامها وطريقة استخدامه لباقي العناصر الفنية، بما في ذلك أداء الممثلين والمونتاج، وحتى مستوى الصوت وعناصره، بما في ذلك الصمت (أن يخلو المشهد من أي صوت مهما كان).
النظريات التي تتحدث عن وجود لغة سينمائية تتحدث الأفلام من خلالها نشأت مع تطور السينما، وتعود إلى المخرج الإيطالي بير باولو بازوليني (1922-1975)، الذي امتلك بدوره قدرات جعلته يعمل في مجالات الصحافة وكتابة الروايات والشعر والفلسفة، بالإضافة إلى عمله كمخرج.
في 2017، أصدر الكاتب عبد الكريم القادري، عبر دار “منشورات المتوسط”، كتابه “سينما الشعر”، الذي حاول من خلاله دراسة جوانب “اللغة في السينما”، وشرح هذه النظرية وإمكانية خلق لغة في السينما عبر ما يعرف بـ”علم العلامات” (السيميولوجيا).
وتعرّف “السيميولوجيا” بأنها علم يدرس السلوك الإنساني المرتبط بالإنتاج الثقافي المنتج للمعنى، وعلامات يضعها الإنسان عبر اختراعها ووضع دلالات معينة لها.
ويمكن ربط هذا التعريف بالسينما عبر محاولة قراءة الدلالات التي يضعها المخرج باعتباره قائد العمل الأول، من خلال العناصر الفنية التي يستخدمها في أفلامه.
الكتاب المكون من 246 صفحة من القطع المتوسط، يذهب لشرح جميع المفاهيم المرتبطة بكل من السينما و”السيميولوجيا”، وعلاقتها بمذاهب فكرية تعود إلى الفكر الماركسي الذي وضعه الفيلسوف الألماني كارل ماركس، ونشأ عنه مصطلح “علم الجمال الماركسي”، الذي أنتج بدوره عددًا من النظريات الفلسفية في هذا المجال.
ليس بالضرورة أن تتكون اللغة المشار إليها في السينما من حروف وكلمات، شريط الصوت ينتج جملًا في هذه اللغة، أداء الممثل، أحجام اللقطات، إيقاع المونتاج، حركة الكاميرا، كلها عناصر في لغة سينمائية، قد تبدو للمشاهد غير المختص أو غير المهتم بأنها مجرد تفاصيل غير مهمة.
لكن الكتاب يثبت العكس تمامًا، أهم ما يمكن إثباته بعد القراءة، أن السينما وبعد أكثر من 100 عام على نشوئها، علم قائم بحد ذاته ولا يقل عن أي علم آخر من العلوم الإنسانية، التي يحاول الإنسان من خلالها معرفة محيطه وذاته ونقاش مشكلاته وتفاصيل مجتمعه، وكيف تشكل السينما سلاحًا في غاية الأهمية والخطورة.
إضافة إلى شرح اللغة السينمائية، يحتوي الكتاب على مجموعة واسعة من آراء المختصين السينمائيين فيما يخص عملية اللغة في هذا الفن، سواء كانوا نقادًا أم مخرجين، وكذلك شرح عملية بناء الفيلم في السينما وترابط العناصر كلها.
يعد الكتاب مرجعًا مهمًا لصنّاع الأفلام في عالم “الفن السابع” على اختلاف عملهم، وكذلك من الضروري الاطلاع عليه من قبل من يقدمون مراجعات الأفلام والمسلسلات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لفهم عمق العمل الفني، وعدم الاكتفاء بانتقاد الظواهر المرتبطة بلباس الفنانين والفنانات، وأخطاء مساعدي الإخراج، والانتقال إلى مرحلة تفيد المشاهد والمحلل معًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :