روسيا تنشط سياسيًا وتجمد تحركها العسكري في سوريا

  • 2024/09/29
  • 11:06 ص
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس النظام السوري بشار الأسد في قاعدة حميميم باللاذقية - 11 كانون الاول 2017 (شينخوا)

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس النظام السوري بشار الأسد في قاعدة حميميم باللاذقية - 11 كانون الاول 2017 (شينخوا)

عنب بلدي – هاني كرزي

مضت تسع سنوات على التدخل العسكري الروسي في سوريا، الذي كان هدفه الأول حماية النظام السوري من السقوط ودعمه عسكريًا لاستعادة السيطرة على المناطق السورية، لكن شكل هذا التدخل وأدواره بدأت تتغير على مدار سنوات، ليتحول إلى حالة نشاط سياسي لتأهيل رئيس النظام، بشار الأسد، وتحقيق المصالح الروسية في السياسة الخارجية مقابل برود عسكري.

بدأ التدخل الروسي في سوريا في 30 من أيلول 2015، وكان النظام حينها يفقد السيطرة على أكثر من ثلثي الأراضي السورية، قبل أن يتحول إلى المسيطر الأكبر في الصراع السوري.

منذ أن تدخلت روسيا عسكريًا في سوريا اختلف المسار العسكري وتغيرت خريطة السيطرة، وتوسع النظام السوري في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، وتغير أيضًا مسار العملية السياسية.

خلال التدخل العسكري، شنت القوات الجوية الروسية أكثر من 100 ألف طلعة جوية قتالية في سماء سوريا، وفق تصريحات قائد القوات الجوية الروسية الموفدة إلى سوريا، يفغيني نيكيفوروف، على هامش احتفالية للقوات الروسية في قاعدة “حميميم” الجوية بريف اللاذقية، في 12 من آب 2021، بمناسبة الذكرى الـ109 ليوم الطيران القتالي الروسي.

ووفق “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، قتلت القوات الروسية 6969 مدنيًا، بينهم 2055 طفلًا و1094 امرأة، منذ تدخلها في سوريا حتى حزيران الماضي.

114 موقعًا روسيًا

سعت روسيا عقب تدخلها في سوريا إلى إنشاء قواعد ونقاط عسكرية وصلت إلى 132 موقعًا في عام 2022، ثم تراجع عدد المواقع العسكرية الروسية في سوريا إلى 105 في عام 2023، مع اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية.

لكن سرعان ما عادت موسكو لزيادة مواقعها العسكرية في سوريا خلال الفترة بين منتصف عامي 2023 و2024، إذ ارتفع عددها من 105 إلى 114 موقعًا، وفق مركز “جسور للدراسات”.

المواقع الروسية في سوريا هي عبارة عن 21 قاعدة و93 نقطة عسكرية، بواقع 17 في حماة، و15 في اللاذقية، و14 في الحسكة، و13 في القنيطرة، و12 في حلب، و8 في ريف دمشق، و8 في الرقة، و8 في دير الزور، و6 في إدلب، و4 في حمص، و3 في درعا، وموقعين في كل من محافظات دمشق والسويداء وطرطوس.

تعود معظم الزيادة في عدد المواقع الروسية التي جرت خلال النصف الأول من عام 2024 لانتشار هذه القوات ضمن عدد من المواقع الجديدة التي انسحبت منها الميليشيات الإيرانية في محافظة القنيطرة.

هيمنت روسيا أيضًا على مفاصل الجيش، وربطت جميع القوى العسكرية وسلاح الجو بقاعدة “حميميم”، لتصبح وزارة دفاعها هي التي تقود جميع العمليات العسكرية في سوريا، بالتعاون مع القوات الإيرانية.

ويرى الدكتور نصر اليوسف، الخبير بالشأن الروسي، أن روسيا تهيمن اليوم على القرار الاستراتيجي للدولة السورية، أي أن بشار الأسد لا يستطيع أن يتخذ أي قرار إلا بعد أن يستأذن موسكو، وإذا كان هناك نوع من المماطلة يُستدعى إلى موسكو لكي يتلقى التعليمات مباشرة للتطبيق وللتنفيذ دون أي تردد أو تذمر.

وأشار اليوسف إلى أنه منذ صعود فلاديمير بوتين إلى السلطة، وضع نصب عينيه استعادة دور الدولة العظمى لروسيا الاتحادية الذي فقدته في مرحلة التسعينيات، لهذا كانت سوريا أول مرتكز للانتشار الروسي على صعيد الدولة العظمى، ولتحقيق هذا الهدف نشرت نقاطًا وقواعد عسكرية لها على الأراضي السورية.

وأكد اليوسف لعنب بلدي، أن مطار “حميميم” والقاعدة البحرية في طرطوس هما ذراع قوي لروسيا في مواجهة أعدائها الأوروبيين، وأصبح الفاصل بين القوات الروسية وأوروبا هو البحر الأبيض المتوسط، وهذا يعني أن روسيا باتت تستطيع أن تضرب أوروبا في الخاصرة من خلال قواعدها في سوريا.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث إلى رئيس النظام السوري في سوتشي – 18 أيار 2018 (AFP)

جمود عسكري

رغم زيادة روسيا عدد مواقعها منتصف العام الحالي إلى 114، فإن هذا الرقم يبقى أقل من عدد المواقع الروسية التي أقامتها روسيا عام 2022 والذي وصل إلى 132 قاعدة عسكرية.

في 5 من آذار 2020، وقع الرئيس التركي مع نظيره الروسي اتفاق “موسكو”، وجاء في بنوده إعلان وقف إطلاق النار اعتبارًا من 6 من اَذار 2020، على طول خط المواجهة بين النظام السوري وفصائل المعارضة.

سبق هذا اتفاق آخر وقعته روسيا وتركيا ضمن اتفاقية “أستانة” عام 2017، لـ”خفض التصعيد”، تبعته اتفاقية “سوتشي” في أيلول 2018، ونصت على وقف إطلاق النار في محيط إدلب.

رغم الاتفاق الروسي- التركي لتجميد الجبهات في الشمال السوري، يلجأ النظام بشكل متكرر إلى قصف تجمعات المدنيين في شمال غربي سوريا بشكل شبه يومي، عبر المسيّرات الانتحارية أو المدفعية، بينما يقتصر عمل سلاح الجو الروسي على تنفيذ عمليات الاستطلاع وفق ما تذكره مراصد الطيران.

وقال الدكتور نصر اليوسف، إن البرود العسكري في الشمال السوري سببه اقتناع روسيا بعدم وجود خطر حقيقي يهدد خطوط الجبهات العسكرية، التي جمدتها عقب الاتفاق مع أنقرة عام 2020، وبنفس الوقت لا ترغب روسيا في القيام بأي تصعيد عسكري يضر بعلاقتها مع تركيا التي توجد شمال غربي سوريا، لا سيما أن موسكو ماضية في التنسيق مع أنقرة لإعادة تطبيع علاقاتها مع دمشق.

وتنتشر القوات الروسية في محيط مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا بصفة “ضامن” لاتفاق “خفض التصعيد” الموقع مع تركيا، وينص على تجميد جبهات القتال بين النظام والمعارضة.

في 18 من أيلول الحالي، أعلن المركز الروسي للمصالحة، وهو أحد أقسام وزارة الدفاع الروسية، أن روسيا أفشلت محاولة “مسلحين” اختراق مواقع “القوات الحكومية” في إدلب، ما أسفر عن مقتل “إرهابي” واحد.

الإعلان الروسي عن التصدي لهجوم انطلق من المناطق التي تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام” شمال غربي سوريا هو الأول من نوعه، إذ لطالما اعتمد مركز المصالحة الروسي على إحصاء عدد الهجمات، وإحصائيات القتلى والجرحى على إثرها، دون ذكر دور الجيش الروسي في الهجمات.

وفي الوقت الذي تغيب فيه عمليات القصف الجوي الروسي عن شمال غربي سوريا، تعلن موسكو كل فترة عن استهداف مواقع في البادية السورية، لمسلحين انطلقوا من منطقة التنف التي تتمركز فيها قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا.

الإعلانات الروسية دائمًا ما تأتي من طرف واحد، إذ لم تعلن واشنطن عن أن موسكو ضربت مواقع قريبة منها.

وذكر مركز “جسور” للدراسات، أن روسيا حاولت مرارًا كسر الحواجز الميدانية في سوريا، والتي صنعتها أمريكا وتركيا، فضلًا عن إيران، لكنها أدركت عدم القدرة على ذلك، لأسباب تعود إلى عدم التوازن العسكري مع تلك القوى، ولإصرار كل منها على الحفاظ على نفوذها في ظل غياب أي أفق لحل سياسي شامل للمسألة السورية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يخاطب جنوده في قاعدة حميميم في سوريا – 11 من تشرين الثاني 2017 (إ.ب.أ)

انشغال روسي بحرب أوكرانيا

بدأ النفوذ الروسي العسكري في سوريا يشهد تراجعًا محدودًا لحساب إيران التي ملأت الفراغ الناجم عن استثمار موسكو لكوادرها العسكرية التي درّبتها في سوريا ونقلتها إلى جبهات أوكرانيا.

تركيز روسيا على الحرب في أوكرانيا أدى إلى تراجع الالتزام بآليات التنسيق مع القوى الخارجية في سوريا، والتي صمّمتها منذ تدخلها عام 2015، حيث زادت وبشكل غير مسبوق حوادث الاختراق لبروتوكول منع التصادم بين القوات الأمريكية والروسية، ولم تعد إسرائيل تلتزم كثيرًا بآلية الخط الساخن، وتراجع الاهتمام بالدوريات المشتركة بين القوات الروسية والتركية شرق الفرات، وفق مركز “جسور للدراسات”.

وأعربت روسيا عن قلقها من تحركات التحالف الدولي خاصة فيما يتعلق بالطلعات الجوية التي ينفذها الطيران الأمريكي بطريقة استفزازية في مناطق النفوذ الروسي، حيث انتهكت المجال الجوي السوري في منطقة التنف، وفقًا لرئيس مركز المصالحة الروسي، 360 خلال آب الماضي فقط.

في هذا السياق، قال المحلل السياسي الروسي ديميتري بريجع، لعنب بلدي، إن التراجع الروسي في سوريا يعود إلى انشغالها بحرب أوكرانيا، حيث أرسلت روسيا عددًا كبيرًا من قواتها إلى الجبهات الأوكرانية للدفاع عن الأراضي الروسية، مشيرًا إلى أنه لا يمكن مع استمرار الحرب بين موسكو وكييف أن تبقى كل القوات الروسية في سوريا.

وأضاف بريجع أن هناك نوعًا من تخفيف الاهتمام حاليًا من قبل روسيا في الملف السوري، لانشغالها بأمور أكثر أهمية، كالصراع مع الغرب وحرب أوكرانيا، وبناء العلاقات مع الشرق ولا سيما دول الخليج وشرق آسيا.

ولفت بريجع إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، كان لها موقف حاد ضد روسيا بسبب تدخلها في أوكرانيا، وهو ما تسبب في تراجع العلاقات الروسية- الأمريكية، ما انعكس بشكل سلبي على الحضور الروسي في سوريا، ولكن في حال إيجاد حل للأزمة الأوكرانية وتغيير الإدارة الأمريكية وفوز دونالد ترامب، قد تعود العلاقات الروسية- الأمريكية للتحسن، وبالتالي يعود الدور الروسي للبروز في سوريا، كما حصل في فترة حكم ترامب.

كانت جبهة أوكرانيا شهدت حالة من البرود لأشهر، لكن في 6 من آب الماضي، هاجمت أوكرانيا منطقة كورسك الروسية، واستولت على جزء من الأراضي في أكبر هجوم أجنبي على روسيا منذ الحرب العالمية الثانية، فضلًا عن هجمات طالت مدنًا روسية أخرى، وتسببت في تعطيل حركة مطارات موسكو.

وقال الباحث في مركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني، لعنب بلدي، إن الحرب الروسية- الأوكرانية أثرت بشكل تدريجي على النفوذ الروسي في سوريا، وهو ما استغلته إيران لتزيد من إجراءاتها إلى جانب النظام لتعزيز حضورها في الجنوب، وهذا ما تفسره التدخلات البرية الإسرائيلية في عمق الأراضي السورية مؤخرًا.

فشل روسي في ضبط الأمن

رغم توقيع روسيا وتركيا اتفاقيات لـ”خفض التصعيد” ووقف إطلاق النار في الشمال السوري، فإن موسكو فشلت في ردع النظام عن التصعيد ضد المدنيين.

شهد آب الماضي تصعيدًا عسكريًا، حيث وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل 57 مدنيًا في سوريا خلال آب لوحده، 21 منهم على يد قوات النظام، إذ لم تتوقف الأخيرة عن هجماتها تجاه مناطق سيطرة “الجيش الوطني” أو “هيئة تحرير الشام”، بما فيها هجوم استهدف نقطة مراقبة تركية في مناطق “خفض التصعيد”.

الفشل الروسي في ضبط الأمن بعد تسع سنوات من التدخل في سوريا، لم يقتصر على مناطق “خفض التصعيد” في الشمال السوري، بل حتى في مناطق التسويات التي أشرفت روسيا عليها.

ففي الجنوب السوري، تشهد محافظة درعا بشكل متكرر تصعيدًا بين مجموعات محلية مسلحة وقوات النظام في أرياف درعا، حيث تلجأ المجموعات المحلية لاستهداف قوات النظام ردًا على حالات الخطف أو الاعتقال التي يتعرض لها أبناء المحافظة على يد مخابرات النظام، رغم “الضامن الروسي”.

وقال الكاتب في الشأن السياسي السوري عاصم الزعبي، لعنب بلدي، إن التدخل الروسي جاء في ظاهره تحت عنوان “إعادة الأمان إلى درعا”، كنوع من الترويج لعودة الاستقرار لتشجيع المستثمرين على إعادة الإعمار وعودة اللاجئين من دول الجوار أبرزها الأردن، لكن في الواقع روسيا ضربت الاستقرار في المنطقة، وزادت الوضع الأمني سوءًا، ولم تستطع موسكو وحليفها الأسد إعادة الأمن للمنطقة، بل زادت حالات الاغتيال والتوترات الأمنية بالمنطقة رغم تلك التسويات.

اعتمدت روسيا على “اللواء الثامن” منذ عام 2018 كذراع لها لضبط الأمن في الجنوب السوري، واستمرت بدعمه حتى عام 2022، حيث أدت الحرب الروسية- الأوكرانية إلى تراجع نفوذ روسيا في الجنوب السوري، ما فتح الباب لتمدد الميليشيات الإيرانية التي نشرت المخدرات وتسببت في انتشار الفوضى والاغتيالات.

المواقع العسكرية الروسية في سوريا

ما “اللواء الثامن”؟

استمالت روسيا فصيل “شباب السنة” عقب “التسوية” عام 2018، واستطاعت ضمه إلى “الفيلق الخامس” المشكّل روسيًا عام 2016، وأطلقت عليه اسم “اللواء الثامن”، بعدما جردته من سلاحه الثقيل، بينما حافظ على سلاحه المتوسط والفردي.

فصيل “شباب السنة”، أحد فصائل “الجبهة الجنوبية” المعارضة للنظام جنوبي سوريا، بقيادة أحمد العودة، وكان أحد أهم الفصائل المقاتلة والمنظمة، والفصيل الوحيد في مدينة بصرى الشام.

برز دور “اللواء الثامن” خلال سنوات “التسوية” كقوات فصل استطاعت فض اشتباكات متكررة بين قوات النظام ومقاتلين سابقين بفصائل المعارضة، إضافة إلى إشراف “اللواء” على ترحيل مقاتلين للشمال السوري بأوامر روسية.

روسيا أعلنت أن الهدف من تشكيل “اللواء الثامن” هو الحد من عمليات الفلتان الأمني الذي تعيشه محافظة درعا، المتمثل بعمليات قتل واغتيال وسطو مسلح وسرقة وانتشار المخدرات، لكنه فشل في ذلك.

استمرت روسيا بدعم “اللواء الثامن” حتى نهاية 2021، وكانت خلال تلك الفترة تمنح العنصر في “اللواء” راتب 200 دولار فضلًا عن كتل مالية للدعم اللوجستي، ما أدى إلى تنامي قوته العسكرية في المحافظة.

وفي مطلع 2022، تراجع الدعم الروسي للفصيل، وأتبع قيادته لشعبة “المخابرات العسكرية”، لكن كان اللواء ينفي دومًا صلته بالنظام.

التوترات في مناطق “التسويات” التي ترعاها روسيا امتدت إلى ريف حمص الشمالي، ففي مطلع أيلول الحالي، نفذت قوات النظام السوري حملة أمنية في مدينة تلبيسة.

وذكرت إذاعة “شام إف إم” المحلية، أن الجهات المختصة وبالتعاون مع أهالي بلدة تلبيسة، بدأت “حملة لتوقيف الخارجين عن القانون من تجار المخدرات وعصابات الخطف والسلب، ممن يقطعون الأوتوستراد الدولي حمص- حماة، وذلك بهدف إعادة الأمن والهدوء إلى المنطقة”.

معظم “التسويات” التي رعتها روسيا وخاصة في درعا كانت فاشلة، إذ لم تحقق ما كان يرجوه النظام في ضبط السطوة الأمنية، كما لم تحقق مطالب أبناء مناطق “التسوية” في ظل عدم التزام روسيا بتعهداتها بعدم دخول النظام لمناطقهم أو شن اعتقالات.

وقال الخبير في الشأن الروسي رائد جبر، لعنب بلدي، إن السبب الأساسي في فشل روسيا بضبط الأمن ضمن مناطق “التسويات”، يعود إلى أن موسكو ليست مهتمة حاليًا بهذه الملفات، وأصبح تركيزها منصبًا على تعويم الأسد عبر مسارات التطبيع، وبنفس الوقت تعزيز حضورها بشكل استراتيجي في شرق المتوسط وشمال إفريقيا، وهذا يدخل في إطار الجهد الروسي الأوسع لمواجهة الغرب.

عناصر من الشرطة العسكرية الروسية في مدينة حلب (سبوتنيك)

روسيا في مأمن من التطورات الإقليمية

في نهاية العام الماضي، قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إن وجود قوات بلاده في سوريا مستمر “طالما كان ذلك مفيدًا لروسيا”، مشيرًا إلى أن بلاده لا تخطط بعد لسحب هذه الوحدات العسكرية من سوريا.

وفي شباط الماضي، خرج بشار الأسد بتصريحات تبرر الوجود الروسي في سوريا حيث قال، إن تدخل روسيا إلى جانبه بالعمليات العسكرية في سوريا كان حماية لموسكو، مشيرًا إلى أن بوتين لو لم يرسل قواته إلى سوريا لعانت بلاده (أي روسيا) من “الإرهاب”.

وشهدت المنطقة خلال الأشهر الماضية تطورات كثيرة، كان أبرزها حرب غزة، والقصف الإسرائيلي المتكرر الذي طال مواقع لإيران في سوريا، وآخرها التصعيد الإسرائيلي على لبنان، ما طرح تساؤلات حول تأثير تلك التطورات على الوجود الروسي في سوريا.

وفي هذا الإطار، استبعد الدكتور نصر اليوسف أن تؤثر أحداث لبنان وغزة على الوجود الروسي في سوريا، مشيرًا إلى أن علاقة روسيا مع إسرائيل جيدة، إذ إن الأخيرة لم تعلن دعمها لأوكرانيا أبدًا رغم أن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، يهودي وطلب المساعدة أكثر من مرة من إسرائيل لكنها لم تجب.

كما أن نتنياهو وهو صديق بوتين لم يسمح لأي من وزرائه بإصدار بيانات تدين الغزو الروسي لأوكرانيا، إضافة إلى أن علاقة الروس مع لبنان والدول العربية جيدة، ما يجعل روسيا في مأمن من التطورات الإقليمية، وفق اليوسف.

بدوره، يرى رائد جبر أن روسيا تخطط للبقاء إلى الأبد، “جميع الأوساط الروسية العسكرية والسياسية تتحدث عن وجود دائم وقوي لروسيا في سوريا”، إلا في حال حدوث ظروف كبيرة وتعرض روسيا لمواجهة، وهو ما استبعده الخبير في الوقت الحالي، كما تخطط لتعزيز حضورها بشكل أكبر خلال المرحلة المقبلة.

وفي حال التوصل إلى تسوية فيما يخص الشأن السوري، فإن أحد شروط روسيا سيكون حول طبيعة علاقة النظام في المستقبل مع الحضور العسكري الروسي، بحسب ما قاله جبر.

وأضاف جبر أن موسكو تسعى لتجنيب انخراط النظام في أزمات إقليمية قد تضر بمصالحها أو بمستقبل الأسد، لذلك حرصت بشكل واضح على إجبار الأسد على عدم التدخل في حرب غزة ولبنان، إضافة إلى أن موسكو تركز في المرحلة الراهنة على التضييق على المصالح الأمريكية في سوريا مستغلة ضعف إدارة بايدن.

نشاط سياسي للتطبيع مع الأسد

فرضت روسيا نفسها عرّابة الحل السياسي للقضية السورية، من خلال رعايتها محادثات “أستانة” إلى جانب تركيا وإيران، فضلًا عن لعبها دورًا على مستوى مفاوضات جنيف، من خلال “منصات” لـ”المعارضة السورية”.

بعد مسارات سياسية أبرزها “أستانة” و”سوتشي”، والتي استطاعت من خلالها روسيا تمكين الأسد من استعادة معظم المناطق السورية وتجميد الجبهات العسكرية، اتجه النشاط الروسي على الصعيد السياسي نحو عملية إعادة تأهيل الأسد، عبر مسار التقارب العربي وسلسلة اجتماعات مع دول الخليج.

كثفت روسيا نشاطها السياسي لضمان بقاء الأسد، ففي تموز 2023، اجتمعت روسيا مع مجلس التعاون الخليجي في موسكو، بغية طمأنة الدول العربية بأن النظام السوري سوف يلتزم بـ”المبادرة الأردنية”.

وتركز “المبادرة” على تسهيل النظام عودة اللاجئين، وإخراج القوات الإيرانية من سوريا، ومكافحة تهريب المخدرات، والاتفاق على صيغة حكم أكثر شمولًا، وانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة، لكن النظام لم يتلزم بتلك البنود ما أثار استياء العرب.

روسيا قادت كذلك مسار اللجنة الدستورية وسعت للتحكم به، لدرجة أنها قامت بعرقلة عقد الجولة التاسعة التي كانت مقررة في حزيران 2022.

عقب غزو روسيا جارتها أوكرانيا، تحولت سويسرا، التي تحتضن في ثاني أكبر مدنها (جنيف) محادثات اللجنة الدستورية، إلى بيئة غير محايدة بنظر موسكو، لأنها تعارض الغزو الروسي لأوكرانيا، كدول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكثير من دول العالم.

هذه المعطيات تركت الجولة التاسعة رهينة بتوافق على دولة بديلة تستضيف على أراضيها أعمال اللجنة الدستورية، وبدأت روسيا تسعى لتعطيل هذا المسار عبر إصرارها على عقد اللجنة في دمشق أو مسقط أو بغداد، وهي أماكن لم تلقَ قبول المعارضة.

النشاط الروسي الأبرز في الملف السياسي السوري، كان عبر رعايتها ملف التقارب بين أنقرة ودمشق، الذي افتتحته ورعته موسكو، في 28 من كانون الأول 2022، لكن المبعوث الخاص للرئيس الروسي، ألكسندر لافرنتييف، أعلن انهيار المسار في 29 من كانون الثاني 2024.

روسيا عادت لتنشيط هذا المسار عبر إرسالها لافرنتييف إلى دمشق نهاية حزيران الماضي، لإقناع الأسد بالانخراط في هذا المسار، فضلًا عن لقاء روسيا مع مسؤولين أتراك، لتقريب وجهات النظام بين سوريا وتركيا.

وفي 31 من آب الماضي، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عن التحضير لاجتماع جديد لتطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري، مؤكدًا أنه سيعقد في وقت قريب جدًا.

وقال المحلل ديميتري بريجع، إنه عقب حرب أوكرانيا في شباط 2022، تراجع التركيز الروسي على الجانب العسكري في سوريا، وأصبح نشاطها منصبًا على الجانب السياسي، الذي تركز في الضغط لمساعدة سوريا في عودة علاقاتها الدبلوماسية مع الدول العربية وتركيا، إضافة إلى عملها على ضمان استقرار سوريا، من خلال جملة الإصلاحات السياسية والاقتصادية.

في المقابل، قال رائد جبر، إن النشاط السياسي لروسيا في سوريا أخذ شكلًا آخر، فبدلًا من تركيز موسكو كما السابق على عدة ملفات سياسية معًا، كمسائل مثل اللجنة الدستورية و”أستانة” و”سوتشي” و”جنيف”، أصبح الجهد الروسي حاليًا يتركز بشكل أساسي على التقارب بين النظام وتركيا.

مقالات متعلقة

  1. ماتيس: روسيا تعزز نفوذها في سوريا بالتغطية على جرائم الأسد
  2. الأسد لقناة روسية: على الشعب الروسي أن يفخر بنجاح جيشه في سوريا
  3. خبراء: موسكو جادة بإيجاد حل سياسي لتغطية فشلها العسكري في سوريا
  4. مسؤول روسي جديد بمنصب المبعوث الخاص لوزير الخارجية في سوريا

سوريا

المزيد من سوريا