خبراء: تغيير وجوه لا يبدل في الواقع الاقتصادي
الأسد يوجه حكومته الجديدة بعدم رفع سقف الطموح
عنب بلدي – يامن مغربي
عقد رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 24 من أيلول الحالي، “اجتماعًا توجيهيًا” مع وزراء حكومته الجديدة، برئاسة محمد غازي الجلالي.
خلال مدة زمنية تجاوزت الـ20 دقيقة، تحدث الأسد لوزرائه حول ما يجب عليهم فعله خلال المرحلة المقبلة.
ولم يقدم الأسد جديدًا لحل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، وكان لافتًا عدم تفاؤله بشأن تحسن الاقتصاد خلال المرحلة المقبلة، وإشارته مجددًا، وإن كان بشكل غير مباشر، إلى الدعم ورفعه، كما طالب الوزراء بعدم تقديم وعود غير قابلة للتحقق.
وليس وحده حديث الأسد الذي يشير إلى نيته عدم التراجع عن رفع الدعم، إذ إن اختياره لوزير الاقتصاد الجديد، محمد ربيع قلعه جي، أيضًا دليل على ذلك، وهو أحد أشد المتحمسين لخطوات رئيس النظام في مجلس الشعب فيما يخص هذا الملف تحديدًا.
أما الجلالي الذي يعد أول رئيس حكومة تعود أصوله إلى الجولان السوري المحتل، فيبدو للوهلة الأولى رجلًا اقتصاديًا يحمل شهادة الدكتوراة في الاقتصاد الهندسي، من جامعة “عين شمس” المصرية عام 2002، إلا أن عمله يتصل فعليًا بالهندسة بقدر ما يتصل بالاقتصاد، ولا يرتبط بالتنمية الاقتصادية وحل الأزمات المعيشية.
لا جديد للمرحلة المقبلة
في سوريا، يحتاج 16.7 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية، بزيادة قدرها 9% على عام 2023، وفق تقديرات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
ويحتاج 80% من السكان السوريين إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية في عام 2024، وفق إحصائية صدرت في 12 من شباط الماضي عن برنامج الأغذية العالمي (WFP) حول أعداد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي سوريا.
ويعاني نحو 55% من السكان في سوريا أو 12.9 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، منهم 3.1 مليون يعانون بشدة من انعدام الأمن الغذائي.
تشير هذه الأرقام بشكل مباشر إلى الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعيشها سوريا، وخصوصًا مناطق سيطرة النظام السوري، يضاف إليها تراجع القوة الشرائية وانهيار الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي.
ويقترب سعر صرف الليرة السورية من 00015 ليرة لكل دولار واحد وفق موقع “الليرة اليوم”.
وسط هذه الأرقام والأزمات، يستمر الأسد بالحديث بشكل دائم ومكرر عن رفع الدعم، وقال خلال اجتماعه بالوزراء، إن السياسات التي اتبعتها سوريا خلال عقود لم تأتِ بنتيجة وأثبتت عدم فعاليتها، في حين أن جميع دول العالم تسير بطريقة مختلفة ويجب مراجعة هذه السياسات، بحسب تعبيره.
ويرى الباحث الاقتصادي زكي محشي، أنه يمكن ملاحظة نقطتين في كلام الأسد بالشق الاقتصادي، الأولى أنه لا يرى أن هناك تغييرات إيجابية جذرية في الاقتصاد السوري خلال المرحلة المقبلة، خاصة مع طلبه عدم رفع سقف الأهداف الاقتصادية للحكومة، بمعنى أن الأهداف يجب أن تكون واقعية وضمن الموارد المتوفرة.
أما النقطة الثانية، بحسب ما ذكره محشي لعنب بلدي، فتتعلق بالسياسات الاقتصادية التي تحدث عنها الأسد، والتي تشير إلى رفع الدعم الحكومي وتحرير الاقتصاد.
وتبنت سوريا نهجًا اشتراكيًا منذ عام 1936 في إدارة شؤونها الاقتصادية والسياسية، وهو نظام يقوم على ملكية الدولة لوسائل الإنتاج والإدارة والتعاونية الاقتصادية.
ومنذ وصول حزب “البعث” إلى السلطة بانقلاب عسكري في 1963، اتبع سياسات اشتراكية تفاوتت حدتها وفق الأطراف الحاكمة ضمن الحزب نفسه، حتى وصل حافظ الأسد بانقلاب آخر على رفاق دربه في 1971، وثبّت السياسات الاشتراكية التي اعتمدت عمليًا على دور فاعل للقطاع العام، ولكن دون تطبيق المبدأ بشكل كامل.
وعمليًا، بدأ بشار الأسد مع وصوله إلى الحكم بالاتجاه لسياسات اقتصادية أكثر انفتاحًا ضمن “اقتصاد السوق الاجتماعي”، عبر السماح بدخول البنوك والمدارس الخاصة، وتحرير أسعار بعض المواد الأساسية من الدعم كالمحروقات والخبز وغيرهما، أي أن سوريا استمرت ضمن نهج اشتراكي وإن لم يطبّق بشكل كامل.
ثم فرض اقتصاد الحرب واقعًا اقتصاديًا جديدًا على النظام السوري، عقب توجيه موارد الدولة للمجهود العسكري، ارتبط بعمليات خصخصة وبيع لمشاريع اقتصادية تعود ملكيتها للدولة، سواء عبر تأجير المواني، واستخراج الفوسفات، وكذلك الاستثمار في مطار “دمشق الدولي”.
وترافقت هذه التحركات مع إعلانات مستمرة حول رفع الدعم الحكومي عن شرائح من المواطنين، شمل المحروقات والخبز والغاز المنزلي.
ومنذ مطلع شباط 2022، بدأت حكومة النظام تطبيق إزالة “الدعم الحكومي” عن مجموعة من حاملي “البطاقة الذكية” وفق فئات وصفات معينة، منها وجود سجل تجاري لدى أحد أفراد عائلة، أو سيارة بمواصفات معينة، وغيرها من المعايير.
وطال رفع الدعم شرائح واسعة من المجتمع السوري، بمن في ذلك المهندسون والمحامون والتجار.
وفي كانون الأول 2023، كشفت غرفة تجارة دمشق عن خروج أكثر من 100 ألف تاجر لديهم سجل تجاري من السوق السورية، مرجعة السبب لنقص الدعم الحكومي للتجار.
اقتصاديون بلا خلفية اقتصادية
يحمل رئيس الحكومة الجديد دكتوراة في “الاقتصاد الهندسي”، وهو مصطلح لاختصاص يجمع بين الاقتصاد والهندسة، ويختص بتطبيق التقنيات الاقتصادية على المشاريع بمختلف أنواعها من وجهة نظر هندسية، لتقييمها وخفض تكلفتها قدر الإمكان، دون التنازل عن مبادئ التصميم الهندسية ومعايير ضمان جودتها، وفق موقع “رواد” الاقتصادي المختص بالمحاسبة والاقتصاد وإدارة المال والأعمال.
ويرتبط المفهوم، وفق الموقع، بالشكل التقليدي للاقتصاد الجزئي، الذي يشمل وصف سلوك الاقتصاد عند حدوث التغييرات المرتبطة برفع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية للمستهلكين، وتظهر أهميته في إيجاد الحلول البديلة عندما تعاني المشاريع من نقص الموارد.
كما يعدّ الاقتصاد الهندسي ذا طبيعة مرنة واقعية، ويحاول تقديم الحلول التي تخفض تكاليف تنفيذ المشاريع وبالتالي خفض الموارد المستخدمة.
وبالنظر إلى حديث الأسد خلال “الاجتماع التوجيهي”، والخلفية الاقتصادية للجلالي، الذي شغل سابقًا منصب وزير الاتصالات والتقانة، يمكن فهم التوجه المقبل للاقتصاد السوري، إلى جانب اختيار وزير الاقتصاد الجديد في الحكومة، محمد ربيع قلعه جي.
شغل قلعه جي منصب رئيس لجنة الموازنة والحسابات في مجلس الشعب، وهو أحد أكبر داعمي عملية رفع الدعم عن السلع والخدمات.
وفق محشي، تشير عملية اختيار كلا الرجلين لمنصبي رئيس الحكومة ووزير الاقتصاد إلى شكل الاقتصاد المقبل على يد الحكومة الجديدة.
ولدى قلعه جي شهادة الدكتوراة في المحاسبة من جامعة “حلب” عام 2012، بتخصص معايير محاسبة دولية وأزمات مالية ومصرفية، وعمل مستشارًا اقتصاديًا في غرفة صناعة حلب بين عامي 2011 و2016.
وفق محشي، فإن وزير الاقتصاد الجديد ليس خبيرًا في التنمية الاقتصادية والاقتصاد المستدام والاقتصاد التطميني وتحليل الاقتصاد الكلي، بل لديه نظرة الموازنة بين الإنفاق والإيرادات والجباية والأرباح والخسائر، وليس لديه نظرة تنموية، وبالتالي هذه النظرة المحاسبية ستعزز التسريع برفع الدعم، مع الأخذ بعين الاعتبار توجيهات الأسد في هذا الخصوص.
وبناء على اختيارات الأسد للشخصيات الجديدة، وحديثه في “الاجتماع التوجيهي”، لا يبدو أن هناك توقعات بتغييرات كبيرة في الاقتصاد السوري خلال المرحلة المقبلة.
يرى محشي أن تعيين الجلالي كرجل ذي خلفية اقتصادية لا يعني أن هناك رسالة واضحة، بسبب نوعية هذه الخلفية وعدم امتلاكه فكرًا اقتصاديًا أو انتمائه لمدرسة واضحة حتى يجري تغييرات جذرية في الاقتصاد السوري، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، لا يمكن إحداث تغيير إلا بتوجيهات بشار الأسد نفسه أو توجيهات القيادة، وبالتالي فإن تعيين الجلالي هو إجراء تقني وروتيني يحمل رسائل للسوريين بإمكانية التغيير في الأداء الحكومي نتيجة تبديل الوزراء، لكنه محدود، خصوصًا أن الأسماء الجديدة لا تملك القدرة على الفعل على أرض الواقع، وهم مجرد منفذين لتوجيهات الأسد، بحسب محشي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :