خرج القائد العام لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، قبل أيام لإبداء انفتاحه على الحوار مع من أسماها “الأطراف الوطنية” في إدلب شمال غربي سوريا، حيث تسيطر “هيئة تحرير الشام” وهي فصيل “جهادي” معارض للنظام.
حديث عبدي جاء خلال اجتماع مع فصيلي “جيش الثوار” و”لواء الشمال الديمقراطي”، وهما فصيلان سابقان في “الجيش السوري الحر” المعارض، ضمن اجتماع المجالس العسكرية لـ”قسد”، كانا قد غابا لسنوات عن الواجهة الإعلامية.
وأوردت “قسد” عبر موقعها الرسمي، في 18 من أيلول الحالي، قولًا لعبدي جاء فيه: “إن الحل السياسي السوري الشامل الذي يتحقق عبر الحوار والتفاهم بين القوى الوطنية والديمقراطية هو الأساس لحل القضايا المستمرة في سوريا”، معربًا عن انفتاحه على “الحوار مع كل الأطراف الوطنية في إدلب وكل القوى الوطنية السورية المخلصة لوحدة التراب السوري”.
طرح الحوار مع مكونات في إدلب هو جديد من حيث المضمون، لكنه تكرر مرارًا منذ مطلع العام الحالي من حيث الشكل، إذ سبق وطرح عبدي قبوله للحوار مع أطراف متناقضة، منها عدوته تركيا، والمعارضة السورية المدعومة من قبلها، وحتى النظام السوري.
ما موقف “تحرير الشام” من “قسد”
لا تتقاطع طرق “تحرير الشام” و”قسد” في سوريا، إذ تسيطر الأولى على محافظة إدلب، وأجزاء من حماة، وحلب، واللاذقية، وتنتشر شمال غربي سوريأ، في حين تسيطر الثانية على شمال شرقي سوريا.
وقد لا يرتبط اسم الجانبين بقضايا كثيرة، باستثناء أن بعض فصائل المعارضة التي طردتها “الهيئة” من مناطق سيطرتها، انضمت لـ”قسد” لاحقًا، مثل فصائل “جيش الثواء” و”لواء الشمال”.
وفي مطلع عام 2023، أطلق القائد العام لـ”تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”، تصريحات في قضايا عديدة تتعلق بالشأن السوري، ومسار التقارب التركي مع النظام، في لقاء قديم نشرته مؤسسة “أمجاد” الإعلامية، التابعة لـ”الهيئة”.
وقال “الجولاني”، إن مشروع “قسد” لا يمكن أن يستمر في المنطقة الشرقية، لأن “المعادلة متضاربة نوعًا ما، ومن يدفع بهذا الاتجاه من الأمريكيين وغيرهم لا يفهم طبيعة المجتمع وتاريخه والتداخلات الموجودة فيه”.
واعتبر أنه لا يمكن لمجموعة من حزب “العمال الكردستاني” (PKK) أن تحكم قبائل وعشائر ومنطقة واسعة بأغلبية عربية واضحة، وأن “هذا المسار سيفشل يومًا ما”، لافتًا إلى وجوب المساعدة على “تقوية العرب السنّة” شرق الفرات، وهي “وسيلة وهدف من أهداف الثورة للوصول إلى غاياتها”، حسب وصفه.
وتُتهم “قسد” بتنفيذ أجندات “العمال الكردستاني” في سوريا، وهو ما سبق ونفاه قادة فيها، ومنهم عبدي، في حين تعلن تركيا خلال فترات زمنية متفرقة عن اغتيال قادة في “PKK” بمناطق سيطرة “قسد”.
نتيجة ضغوط
منذ انطلاق مسار التقارب التركي مع النظام السوري، وتسارعه منتصف العام الماضي، أخذت “قسد” ومظلتها السياسية “الإدارة الذاتية” بطرح مباردات التقارب، وقبول الحوار مع مختلف الأطراف في سوريا.
ويرى الباحث المتخصص في فواعل ما دون الدولة بمركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، أسامة شيخ علي، أن التحديات الأمنية والسياسية التي طرأت خلال الأشهر الماضية، دفعت “قسد” لطرح مبادرات التقارب مع أطراف عديدة.
وأرجع الباحث خلال حديثه لعنب بلدي ظهور فصائل معارضة سابقًا، مثل “لواء الشمال” و”جيش الثوار”، إلى أن “قسد” تحاول تعزيز جبهتها الداخلية بما في ذلك الفصائل التي خرجت من مناطق بعيدة عن شمال شرقي سوريا.
وأضاف أن لمناطق سيطرة “تحرير الشام” خصوصية من وجهة نظر “قسد”، إذ لا تخضع لسلطة تركية مباشرة كما هو الحال في مناطق سيطرة “الحكومة المؤقتة” (المظلة السياسية لـ”الجيش الوطني السوري”)، وهو ما قد يجعلها احتمالًا بالنسبة لـ”قسد”.
وربط الباحث طرح “قسد” بمسار التقارب التركي مع النظام، إذ اعتبر أنها تحاول اللعب بأكثر من ورقة، وتأمين ائتلاف أو تحالف مع أكثر من طرف.
وأضاف أن الخرق الأمني الذي حصل بدير الزور، في آب الماضي، دفع “قسد” للبحث عن إصلاح جبهتها الداخلية، وتعزيز علاقتها مع مكوناتها العسكرية، ومحاولة إظهار أنها كيان عسكري متماسك بجميع مكوناته.
وفي مطلع آب الماضي اندلعت مواجهات في دير الزور عندما تسللت مجموعات ذات طبيعة عشائرية عبر نهر الفرات من مناطق سيطرة النظام السوري، وهاجمت مواقع عسكرية لـ”قسد” تحت غطاء مدفعي من جيش النظام، ما خلّف عشرات القتلى والجرحى.
خطوات متتالية
بالتوازي مع تسارع خطوات التطبيع بين تركيا والنظام والسوري، اتخذت “الإدارة الذاتية”، التي يعتبر مكافحة مشروعها على رأس أولويات هذا التطبيع، مجموعة خطوات ظهرت على أنها محاولة لتحسين جبهتها الداخلية.
أحدث إجراءات “الإدارة” كان الإفراج عن عائلات محتجزة في مخيم “الهول” شرقي الحسكة، وهو أحد المطالب التي حملها وجهاء عشائر دير الزور على مدار السنوات الماضية، ولطالما رفضت “الإدارة” تطبيقها، إذ تتهم قاطني المخيم بأنهم حاضنة لتنظيم “الدولة الإسلامية” الذي كان يسيطر على المنطقة قبل عام 2019.
سبق ذلك في منتصف تموز الماضي، قرار عفو عام، شمل متهمين بقضايا “إرهاب”، إلى جانب طرح متكرر بإعادة استكمال الحوار “الكردي- الكردي”، وأطروحات للحوار مع الجميع بمن فيهم تركيا والنظام.
الخطوات التي اتخذتها “الإدارة الذاتية”، خلال تموز، هي مطالب عمرها سنوات، لطالما رفضت “الإدارة” تلبيتها، ويُعتقد أن البدء بتحقيق هذه المطالب مرتبط بالضغط الناجم عن تقارب أنقرة- دمشق، ضد “الإدارة”.
دعوات للحوار
منذ بدء مسار التطبيع بين تركيا والنظام السوري، أبدت “الإدارة الذاتية” ومكوناتها استعدادها للحوار مع جميع الأطراف، وخصصت أطرافًا في بعض الأحيان، إذ قالت إنها مستعدة للحوار مع عدوها التقليدي في المعارضة السورية المدعومة من تركيا.
وأبدت لاحقًا استعدادها للحوار مع النظام السوري، وأخرى مع تركيا نفسها.
وفي مطلع تموز الماضي، قال نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي في “الإدارة الذاتية”، حسن كوجر، إن تركيا تريد استخدام جميع الأطراف في سوريا لتحقيق أجنداتها، لذلك ينبغي لـ”حكومة دمشق” ألا تنخدع بهذه الألاعيب.
وأضاف، “نحن لا نشكل أي تهديد لأي طرف ولسنا أعداء لأي طرف، نحن نسعى لنبني سوريا والحفاظ على سيادة أراضي البلاد، قلناها دائمًا إننا على استعداد لتحرير المناطق السورية المحتلة بالتشارك مع الجيش السوري”.
ومنذ الإعلان عن تأسيسها عام 2013، تراقب “الإدارة الذاتية”، المفاوضات بين المعارضة والنظام برعاية دولية، والمبادرة العربية وخطوات التطبيع مع النظام، إذ يبدو واضحًا عجزها عن الانخراط في أي منها، جراء عدم الاعتراف بها من قبل جميع الأطراف، حتى من حلفائها في الولايات المتحدة الأمريكية.
وحاولت “الإدارة” و”مسد” طرح مسار للحوار مع الأطراف كافة في سوريا، منها النظام السوري، لكنها لم تتمكن من إنجاز خطوات في أي من هذه المسارات حتى اليوم.