روث الحيوانات يؤرق السكان في إدلب
سئم محمد من رائحة روث الحيوانات المنبعثة من منزل جيرانه، وبدأ البحث عن منزل جديد في إدلب، بعد أن استنفد جميع المحاولات بإقناع جاره بعدم تجميع روث الحيوانات قرب المنزل، دون أن يتغير أي شيء.
قال محمد الأشقر، لعنب بلدي، إن الروائح أرهقت عائلته طيلة الصيف، وحاول مرارًا شرح الوضع لجاره، ووصف له صعوبة السكن في المنزل بسبب الروائح المنبعثة من منزله، لكنه لم يستجب بسبب عدم وجود مكان آخر، وهي مشكلة منتشرة في عدة أحياء سكنية بإدلب.
لا يعد استخدام وتجفيف روث الحيوانات جديدًا، لكنه كان يقتصر في مناطق الريف بالقرى والبلدات والمزارع نظرًا لتوفر مساحات واسعة، أما اليوم فيمكن مشاهدة أكوام روث الحيوانات داخل المدينة، خاصة مع تزايد استخدامها كوسيلة للتدفئة، ولا يمكن تجنب رائحتها وأضرارها.
روائح وأمراض
أضاف محمد الأشقر، وهو ناشط إعلامي، أن أبواب ونوافذ منزله دائمًا مغلقة لتخفيف الرائحة قدر الإمكان، ما زاد من قساوة الحر في الصيف، وتوقف عن استقبال الضيوف بسبب الرائحة، التي تشتد مع هبوب الرياح.
اعتبر محمد أن السكن في المنطقة بات “مستحيًلا”، فهو يقيم على أطراف مدينة إدلب، وله جار يعمل مربيًا للأغنام يسكن في الجانب الشرقي من منزله، ويضع روث الحيوانات في مكان مشمس أمام المنزل لتجفيفها، واستعمالها للتدفئة في الشتاء.
وأوضح الناشط أن المشكلة لا تتعلق بالرائحة فحسب، وإنما سبب انتشار روث الحيوانات العديد من الأمراض التنفسية لأسرته، كما ساعدت في تكاثر الحشرات وانتشارها بشكل كبير في المنطقة، ويصعب مكافحتها، وزادت من خطورة انتشار الأمراض التي تنقلها الحشرات في المنطقة خصوصًا الجلدية منها.
وذكر محمد أن الضرر يطال سكان المنطقة أيضًا، والذين تقدموا بالعديد من الشكاوى لدائرة العلاقات العامة في حكومة “الإنقاذ”، ولم يتلقوا سوى وعودًا بالعمل على تأمين بدائل دون حل المشكلة.
حالة محمد وجيرانه من قاطني الحي مشابهة لعشرات العائلات في مناطق إدلب، حيث أجبر ارتفاع أسعار المحروقات المواطنين على البحث عن بدائل للتدفئة في فصل الشتاء، ومنها روث الحيوانات.
وتجمع عائلات روث الحيوانات وتضعها في أماكن مشمسة طيلة الصيف لتجف تمامًا، ثم تجميعها على شكل قطع لاستعمالها لاحقًا في التدفئة، وهي عملية تصبح “مؤذية” وضارة في مناطق التجمعات السكنية.
لا بديل للتدفئة
عملية تجميع روث الحيوانات أدت إلى انتشار الحشرات على نطاق واسع، وزادت من الأمراض التنفسية والجلدية بين السكان، وحتى مستخدميها لاحقًا.
مدير دائرة المكبات في شركة “E-Clean” (البيئة النظيفة) العاملة في إدلب وريف حلب الغربي، محمد كوريني، قال لعنب بلدي إن ظاهرة استخدام روث الحيوانات من أجل التدفئة توسعت بسبب الفقر، وقلة الموارد وعدم إمكانية استخدام الوقود في التدفئة، لافتًا إلى عدم إمكانية منع هذه الظاهرة دون تأمين البديل.
وذكر أن الشركة تتابع التراكمات والقمامة المنتشرة ضمن المناطق بشكل يومي من خلال الأعمال الروتينية لعمال النظافة المنتشرين في أغلب المناطق، لكن لا تتدخل في عملية إزالة تجميع روث الحيوانات.
ولفت إلى أنه في حال وجود قمامة بمكان مفاجئ وجديد، يمكن التواصل مع الشركة والإبلاغ عبر الهاتف أو مراجعة الشركة لإزالة القمامة.
ويبلغ سعر ليتر المازوت من النوع الأول في إدلب نحو 36 ليرة تركية (الدولار يقابل 35 ليرة تركية)، والنوع الثاني (المحسّن) 22 ليرة تركية.
بينما لا تتجاوز أجرة العامل يوميًا 100 ليرة تركية في أحسن الأحوال، وبالكاد تكفي لتأمين وجبة طعام لعائلته.
يُجفف روث الحيوانات تحت أشعة الشمس لفترة زمنية، حتى يفقد معظم الرطوبة التي يحتويها، ثم يخلط بالتبن (بقايا السيقان والأجزاء الجافة بعد حصاد القمح والشعير)، ثم يقطع إلى أقراص أو كتل مضغوطة لتخزينه وحرقه لاحقًا.
آثار صحية خطيرة
وقد تنجم أضرار صحية خطيرة بسبب ظاهرة تكديس روث الحيوانات قرب الأماكن السكنية، إذ تشكل هذه التراكمات بيئة خصبة للحشرات.
مدير شعبة الأمراض المعدية في مديرية الرعاية الأولية بوزارة الصحة في حكومة “الإنقاذ”، الطبيب عبد الحليم مراد، قال لعنب بلدي إن تجميع روث الحيوانات قرب الأبنية السكنية يؤثر على صحة الإنسان، ويؤدي إلى تأثيرات صحية خطيرة مثل التهاب الجلد والتعرض لبكتيريا الكزاز والطفيليات التي ترتبط من فضلات الحيوانات.
وأوضح الطبيب أنه في حال تكدس هذه الفضلات، فإن المخاطر الصحية لا يمكن حصرها، فقد يحدث تلوث لمياه الشرب، والمياه السطحية التي يمكن استخدامها لسقاية المزروعات، وبالتالي زيادة حالات الإصابة بالسالمونيلا، والتهاب الكبد.
واعتبر الطبيب أن الظاهرة تحمل في طياتها تأثيرات بيئية خطيرة منها تلوث الهواء بالروائح الكريهة، واستجلاب أعداد كبيرة من القوارض والحشرات، وتشويه المنظر للحي السكني، وغيرها.
وذكر مراد أن النصائح التي يقدمها المختصون، بأن تكون تربية الحيوانات ضمن مساحات محددة ومدروسة بعيدة عن أماكن السكن، وكذلك تجميع روث الحيوانات في أماكن مخصصة بعيدة عن أماكن السكن.
وأضاف مراد أن مكان تجميع روث الحيوانات يجب أن يكون بعيد عن مصدر المياه السطحية، وأن يتم استخدام الروث كل فترة في تسميد الأراضي الزراعية والاستفادة منه.
وبحسب الطبيب، لا توجد إحصاءات دقيقة حول انتشار الأمراض الجلدية، وإنما مؤشرات وبائية، ونظرًا للوضع المعيشي والاكتظاظ السكاني يبدو أن الإصابات الجلدية منتشرة بشكل ضخم جدًا، وهذا الموضوع يتطلب تكاتف من جميع شرائح المجتمع لرفع الوعي الصحي للفرد وتعزيز الصحة العامة.
ودفعت حالة الفقر والعوز الشديد للأهالي في المنطقة إلى بدائل تدفئة خطرة على الصحة والبيئة، منها حرق البلاستيك والأحذية والفحم الحجري وروث الحيوانات.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :