حسن إبراهيم | علي درويش
تغيّر وجه منطقة إدلب شمال غربي سوريا عقب سيطرة فصائل المعارضة السورية عليها، فقربها من الحدود التركية وخروجها عن سيطرة النظام مبكرًا عام 2015، جعلاها وجهة فصائل “الجيش الحر” ومن بعدهم “الجهاديون”، وبرز فيها أخيرًا فصيل “هيئة تحرير الشام” الذي لا يزال يقود دفة الحكم فيها اليوم، رغم وجود مؤسسات وجهات مدنية.
“جبهة النصرة” (تحرير الشام اليوم) التي خرجت من رحم “القاعدة” وانفصلت عنها لاحقًا، أعطت مساحة حرية كبيرة لشرعيين سوريين وغير سوريين، وخلقت بيئة داعمة لفتواهم، فأقامت “الحدود الشرعية”، وارتكب عناصرها انتهاكات بحق الأقليات، وسلّمت سياط التعذيب لبعض مقاتليها بذريعة إقامة حدود الله، كما أنهكت فصائل “الجيش الحر” وأقصت عددًا منها تحت مسمى “القصاص والردة والبغي”.
عقب فك ارتباط الفصيل بـ”القاعدة”، بدأ هذا النهج بالانحسار تدريجيًا مع تحولات في الخطاب المتشدد إلى لين على لسان قائد “الهيئة”، “أبو محمد الجولاني” وشرعييها، وسعي لتصدير صورة “معتدلة” للفصيل ونمط حكمه في المنطقة، لكنه رسخ عبر خطوات وقرارات سلطة دينية تحكم إدلب وريف حلب الغربي، ومفاهيم تقصي التعددية، ما فتح الباب أمام تسليط سهام اتهامات “المنكر والتكفير” في المجتمع وعزز الشرخ بين مكوناته.
توالت السنوات، ومع تغيير “الهيئة” للسلوك واللباس والخطاب وخلع قائدها العمامة، وما تبعه من حديث عن رعاية الأقليات، وإقامة كيان سنّي، وإدارة الحلال والحرام، وطرح مشروع قانون الآداب العامة، لم تتوقف انتهاكات مبررها ديني، وذلك بحسب أحدث تقرير عن مكتب الحريات الدينية الدولية لعام 2023.
وبعد أن تكرر مصطلح “الكيان السنّي” على لسان “الجولاني” أكثر من مرة، عاد المصطلح مطلع أيلول الحالي إلى الواجهة مجددًا، عقب إطلاقه من الإعلامي أحمد موفق زيدان المقرب من “الهيئة”، ليخلق حالة استنكار وموجة غضب لما فيه من “إقصاء وانفصال”، وحرّك أقلام ومنابر شرعيين ومحللين، محذرين من خطورته وعواقب اللعب على وتر “الدين والطائفة”.
في هذا الملف، تسلط عنب بلدي الضوء على فترة وجود وحكم “تحرير الشام” في إدلب منذ نشأتها تحت مسمى “جبهة النصرة” نهاية عام 2011، وتناقش مع مسؤولين وشرعيين وخبراء ومختصين، تحولات الفصيل وبصماته الدينية التي أثرت على بنية المجتمع في إدلب، ومآلات هذا النهج وتبدلاته على الجانب السياسي والاجتماعي للمنطقة.
حكم تحت راية الدين
من “الجهاد العالمي” إلى “الجهاد المحلي” البراغماتي، وتغيير في البنية الفكرية للتنظيم على مختلف مستوياتها، تحول كبير طرأ على “هيئة تحرير الشام” على مدار 12 عامًا، حافظت خلاله على شخصيات قيادية محددة، بينما أصبح العديد من قياداتها خارج المشهد، إما بالموت في المعارك أو الاغتيال أو التخفي هربًا من “إخوة الأمس”.
أفضت التحولات المتعددة إلى حكم “تحرير الشام” واحدة من أبرز المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، المتمثلة بأجزاء واسعة من محافظة إدلب إلى جانب أجزاء من أرياف حلب الغربي وحماة الشمالي واللاذقية الشرقي، والتي كانت ملاذًا لمئات آلاف السوريين النازحين والمهجرين من مختلف المدن والقرى، حيث يقطن فيها حوالي ثلاثة ملايين و484 ألفًا، 51% منهم من النازحين، بحسب إحصائية لـ”وحدة تنسيق الدعم”.
وكانت تحولات وقرارات “الهيئة” نتيجة تبدلات في مراحل مختلفة، كادت الأحداث والمخاطر أن تعصف بها في كل مرحلة، فاستخدمت تطبيق الشريعة شماعة ووسيلة لاستمرارها، وعجلت باستخدام هذا السلوك لأهداف داخلية تخص الجماعة والحفاظ على عناصرها.
إقامة حدود.. صدام مع الفصائل
“الهيئة” حافظت على منهجها السلفي رغم كل التحولات، إلا أنها حاولت خلال السنوات الماضية التخفيف مما يسميه الباحثون “التشدد” الذي مارسته سابقًا من تفعيل الحسبة وتطبيق الحدود (الجلد والقصاص والرجم).
“النصرة” التي فكّت ارتباطها عن تنظيم “القاعدة” عام 2016، اصطدمت مع الفصائل المحلية نتيجة عدة أسباب أحدها منهجها الديني “المتشدد”، وانخرطت باشتباكات مع الفصائل، كما حاربت تنظيم “الدولة الإسلامية” وحتى “حركة أحرار الشام” وفصائل إسلامية أخرى كانت سابقًا معها في “جيش الفتح”.
تواصلت عنب بلدي مع المتحدث باسم “المجلس الإسلامي السوري” للاستفسار عن إمكانية تطبيق الحدود من قبل أي فصيل أو جهة عسكرية في سوريا منذ 2012، أو شرعية سيطرة فصيل على سلاح فصيل آخر والأحكام المرتبطة بذلك، والأثر الديني لنهج “هيئة تحرير الشام” في سوريا، لكنه اعتذر بسبب “الانشغال”.
كما تواصلت عنب بلدي مع مكتب العلاقات الإعلامية في وزارة الإعلام بحكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب (تعتبر مظلة سياسية لـ”تحرير الشام”)، للاستفسار عن إمكانية تطبيق الحدود من قبل أي فصيل أو جهة عسكرية في سوريا منذ 2012، أو شرعية سيطرة فصيل على سلاح فصيل آخر والأحكام المرتبطة بذلك، ولا تزال عنب بلدي تنتظر ردًا على أسئلتها.
أثر سلبي
الدكتور في الفقه والقانون بسام صهيوني قال لعنب بلدي، إنه “لا يجوز أخذ سلاح فصيل مقاتل يعمل على تحرير أرضه من النظام”، فقد أجمع العلماء على تحريم الاعتداء أموال المسلمين ودمائهم، وليس هناك مبرر شرعي لأخذ أسلحة وأموال الفصائل، حتى لو فرضنا جدلًا أنه كان منها “بغي حقيقي”، فمع ذلك لا يجوز أخذ أسلحتها وأموالها كما صرح بذلك فقهاء المذاهب المتبعة.
الدكتور صهيوني، الذي كان له دور في إنشاء حكومة “الإنقاذ” وترأس سابقًا “مجلس الشورى” في إدلب، أوضح لعنب بلدي، أنه بالرجوع إلى الحجج التي كان يستند إليها “الجولاني”، نرى أنها عبارة عن حجج للسطو والسيطرة على الساحة، ومع الزمن نرى أنه وقع في العديد مما كان يتهم به غيره بكل وضوح، مما يدحض الحجج التي كان يخدع بها جنوده وأتباعه لقتال الفصائل وأخذ سلاحها.
أضعف “الجولاني” القوة العسكرية للفصائل الثورية بشكل كبير، والدليل على ذلك أنه عقب كل اقتتال تسقط مناطق كبيرة بيد النظام، ومن أسباب ذلك فقدان الحاضنة الثورية وتهجير المقاتلين من أرضهم كما حصل في ريف حماة وغيرها من المناطق، بحسب بسام صهيوني.
القيادي والشرعي السابق في “تحرير الشام”، “أبو يحيى الشامي”، قال لعنب بلدي، إن “هذه أحكام شرعية تطبيقها وعدمه ليس بالرأي، بل الشريعة ذاتها تحكم في ذلك بالنظر إلى الواقع، وأنا أكدت وأوكد دائمًا أن تطبيق أي حكم وإيقاع أي عقوبة لا يجوز إلا بعد محاكمة علنية منضبطة بإجراءات سليمة تحت أي ظرف من الظروف، وإلا فما الفرق بين حكومة وعصابة؟”.
سؤال عنب بلدي حول تأثير النهج أو التيار الديني الذي اتخذته “هيئة تحرير الشام” وحكمت من خلاله إدلب على مناطق سيطرتها، رد عليه القيادي المنشق عن “تحرير الشام” أن “النصرة” مارست دورين متضادين خدما سياقًا واحدًا.
الأول دور “التشدد والتكفير وتنفير الناس من الإسلام”، والثاني التفلت والتساهل ومحاربة دعاة الالتزام والوسطية.
وخلّف ذلك أثرًا سلبيًا في المجتمع، جعله منقسمًا على نفسه، ومالت فئة كبيرة إلى رفض أهل العلم ودعوتهم بسبب الصورة السلبية التي زرعها “الجولاني” بداية ونهاية، ومحاربته لأهل العلم الملتزمين.
الشريعة للحفاظ على الفصيل
ظهرت “تحرير الشام”، تحت قيادة “أبو محمد الجولاني”، لأول مرة كان في كانون الثاني 2012، تحت مسمى “جبهة النصرة لأهل الشام”، وكانت فرعًا لتنظيم “الدولة الإسلامية في العراق” المبايع لتنظيم “القاعدة”.
لكن “النصرة” لم تكن تريد تكرار أخطاء “الدولة الإسلامية في العراق”، بحسب تقرير للقيادي السابق في “النصرة” صالح الحموي، الملقب بـ”أس الصراع”، من خلال عدم التدخل في شؤون المدنيين والإدارات في المناطق “المحررة”، وترك إدارة المنطقة للأهالي، وعدم إبراز المقاتلين الأجانب في مناصب مهمة، وعدم السماح لهم بالاحتكاك مع الأهالي، وعدم الاشتباك مع أي فصيل في سوريا.
الخلافات الداخلية في “النصرة” بين جناح “الجولاني” (كوادر النصرة في سوريا) وجناح العراق، دفع تنظيم “الدولة الإسلامية” لتقييد “الجولاني” وفرض سياسة الأمر الواقع بإعلان قيام “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، في 9 من نيسان 2013، وهو ما قوبل في اليوم الثاني بإعلان “الجولاني” رفض الاندماج، وتأكيد ولائه لـ”القاعدة” وزعيمها السابق أيمن الظواهري.
خلاف يحوّل الدفة
ما قبل إعلان الولاء لـ”القاعدة” ليس كما بعده، إذ كانت لـ”النصرة” شعبيتها في سوريا عام 2012 جراء عملياتها ضد قوات النظام وابتعادها عن التدخل في شؤون المدنيين، حتى إن السوريين استنكروا تصنيفها على قوائم “الإرهاب” في جمعة “كلنا جبهة النصرة”، في 14 من كانون الأول 2012.
قيادات من المعارضة السورية كمعاذ الخطيب وجورج صبرا انتقدوا التصنيف، واعتبروها فصيلًا محليًا يهدف إلى إسقاط النظام ويمتنع عن تعريف نفسه بأنه الذراع السورية لتنظيم “القاعدة”، ولا يستقطب مقاتلين أجانب، ولا يتدخل في شؤون المدنيين.
نتيجة الخلاف مع تنظيم “الدولة” وإعلان الولاء لـ”القاعدة” خسرت “النصرة” جزءًا كبيرًا من عناصرها، وهو ما قوبل من “الجولاني” وقيادة “النصرة” بإعلان “الإمارة الإسلامية والشريعة الإسلامية” لثني العناصر عن ترك صفوفها، بحسب ما ذكره صالح الحموي.
بالفعل، نجح “الجولاني” بالحد من نزيف العناصر، لكنه أدخل “النصرة” في مرحلة جديدة عنوانها مواجهة الشارع الحاضن لها والفصائل العسكرية الأخرى على مختلف توجهاتها.
منذ 2013 إلى مطلع 2016، بقي الحال كما هو عليه بالنسبة لـ”النصرة”، إلى أن أعلنت في 28 من كانون الثاني 2016 فك ارتباطها بـ”القاعدة” وتشكيل فصيل يسمى “جبهة فتح الشام” بعد انضمام عدد من الفصائل إليها.
الانفصال عن “القاعدة” دفع العديد من الشرعيين والقياديين في النصرة إلى الانشقاق عن الفصيل تباعًا، أبرزهم “أبو جليبيب” و”أبو همام السوري” (فاروق السوري) وسامي العريدي.
خطوة أخرى بعد عام لـ”الجولاني” وقادته اتخذت، وكانت أحد أبرز التحولات في تاريخ الجماعة “الجهادية”، وامتد تأثيرها إلى اليوم وهو تأسيس “هيئة تحرير الشام”، في 28 من كانون الثاني2017، بعد اندماجها مع فصائل أخرى منها “حركة نور الدين زنكي” و”جبهة أنصار الدين” و”جيش السنة” و”لواء الحق”، إلا أن بعض الفصائل المنضمة حينها خرجت لاحقًا، أو اصطدمت مع الفصيل.
تراجع المنافسين فسح مجالًا للتغيير
منافسة “النصرة” على الفكر “السلفي الجهادي” في سوريا لم تكن مقتصرة فقط على تنظيم “الدولة”، فهناك فصيل آخر يسمى “جند الأقصى”، كان أحد أبرز الفصائل التي زاحمت “النصرة” على استقطاب أصحاب الفكر “السلفي الجهادي”.
لكن التنظيمين تراجعت قوتهما تباعًا خاصة في 2017، وبعد نحو شهر من تشكيل “هيئة تحرير الشام” أعلنت الهيئة، في شباط 2017، إنهاء “لواء الأقصى” (بقايا جند الأقصى في شمال غربي سوريا)، سبقه خروج دفعات من مقاتليه إلى مناطق سيطرة تنظيم “الدولة” في محافظة الرقة.
يرى صالح الحموي أنه بالقضاء على “جند الأقصى” وتراجع قوة تنظيم “الدولة” لم يعد لـ”تحرير الشام” منافس على الأرض (بنفس الفكر)، ومع الأخذ بالحسبان أنه لم يبقَ لدى عناصر “الهيئة” بديل حقيقي يمكّنهم من ترك التنظيم، صار قادة التنظيم “أكثر شجاعة بمسألة التغييرات التنظيمية والفكرية”.
استكمل “الجولاني” نهجه “البراغماتي” بمحاولة إقناع عناصره بعد دخول تركيا إلى مناطق سيطرته بأن “الهيئة” ليست مشكلة بالنسبة لتركيا، والموقف السلمي تجاه تركيا غير مخالف للشرع.
“لا جهاد عابر ولا عداء مع الغرب”..
“كيان سنّي” في إدلب
كان حديث “الجولاني” عن التخلي عن الطموحات الجهادية العابرة للحدود، والتركيز فقط على حكم المنطقة الواقعة تحت سيطرة “تحرير الشام” في 2020، كافيًا لرسم مسار تقربه وفصيله من الغرب، وسبقه في 2019 إعلانه بداية مرحلة جديدة قائمة على قتال إيران وروسيا.
تجاوز الأمر مسألة عدم العداء مع الغرب إلى التعاون والتنسيق مع بعض الدول وأجهزة الاستخبارات فيها، وهو ما أكدته قضية ملف “العمالة” التي زعزعت أركان “الهيئة” وعصفت برأس هرم الفصيل، وأسفرت تداعياتها عن انشقاق الرجل الثالث جهاد عيسى الشيخ (أبو أحمد زكور)، وسجن الرجل الثاني “أبو ماريا القحطاني” ثم تبرئته، قبل أن يجري اغتياله في نيسان الماضي.
احتاج “الجولاني” إلى خطاب ديني يبرز تحولاته الاستراتيجية وتوجهه نحو “سَورَنة” التنظيم، وهو ما تكفل به عدد من الشرعيين في مقدمتهم مظهر الويس، وعبد الرحيم عطون، والقحطاني (قبل سجنه واغتياله)، إذ يظهر شرعيو “الهيئة” بعد كل حدث سياسي أو عسكري لتحديد رؤية “تحرير الشام” وموقفها، مستخدمين أساليب ومفردات مستمدة من الخطاب الإسلامي تضفي هالة دينية وامتدادًا أيديولوجيًا على خطاب الحشد والإقناع، وفق بحث أعده الباحث المتخصص بدراسة الحركات الإسلامية وتحولات “السلفية الجهادية” عزام القصير.
“كيان لأهل السنّة”
لم يكن مصطلح “الكيان السنّي” جديدًا على المنطقة، فقد قاله “الجولاني” عام 2016، ثم تبعه حديث عن الكيان نفسه مرتين في 2022، و2023، قبل أن يكون وقعه أقوى على المسامع في 2024، حين قاله الإعلامي أحمد موفق زيدان، خلال ندوة في معرض الكتاب، متسائًلا “لماذا لا نقبل أيضًا بهوية الكيان السنّي في إدلب مضطرين؟”.
خرج زيدان بعدها في مقابلة مصورة، قال خلالها إن المصطلح ليس جديدًا لأنه يستخدمه كثيرًا، لكن بمفهومه “الخلدوني العصبوي السنّي السياسي”، وهو لشد عصب السنّة في أي مكان، وإنه لم يقصد فيه المفهوم الجغرافي التقسيمي التجزيئي.
الداعية والشيخ عبد الرزاق المهدي، قال إنه يخشى إن تم الإعلان عن “الكيان السنّي” وبشكل رسمي على هذه البقعة الصغيرة أن يبادر النظام إلى الاعتراف بذلك، ثم ينتج عنه أن يعمل مع إيران ولو تدريجيًا على إفراغ مناطق السنّة وخاصة المناطق الثائرة في درعا وحمص كتلبيسة مثلًا، ونفيهم إلى إدلب وشمال حلب.
وحذر “المجلس الإسلامي السوري” من خطورة استخدام مصطلح “الكيان السنّي”، معربًا عن عدم رضاه عن تداوله لأنه يهدد وحدة سوريا، وينطوي على ظلم كبير للمسلمين، ويسهم في تأسيس كيانات على أسس طائفية، مثل الكيان الكردي أو العلوي أو الدرزي.
ماذا عن الأقليات؟
مع مرور السنوات، انخفض التنوع الديموغرافي الذي كانت تشهده مدينة إدلب، حيث كانت حاضنة لتعددية عرقية ومذهبية وطائفية، وصفتها منظمات حقوقية بأنها فسيفساء سكانية، حيث ضمت وفق أرقام تقديرية محلية نحو 3000 مسيحي كانوا في حي وسط مدينة إدلب، وقرى اليعقوبية والقنية والجديدة في جسر الشغور، وضمت نحو 13 ألف درزي توزعوا على 18 قرية، أبرزها كفتين وكفربني وبنابل وقلب لوزة وكفركيلا وعبريتا وجدعين، لكن العدد انخفض أضعافًا مع تعرض بعضهم لانتهاكات ومخاوف آخرين منها.
وفق توضيح لدائرة شؤون الأقليات في حكومة “الإنقاذ”، لعنب بلدي، فإن الحكومة تعمل على إعادة بناء مجتمع محطّم تأثر بشدة بالصراع والفوضى، فالأقليات في المنطقة تعرضت أيضًا لأضرار خلال السنوات الـ13 سنة الماضية، ما خلف جراحًا لا تزال تعالَج.
وذكرت دائرة شؤون الأقليات أنها تبذل “جهودًا كبيرة لتعزيز الشمولية وفهم اهتمامات هذه الأقليات، بهدف التأكد من أن جميع الأشخاص الذين يعيشون في المنطقة يتمتعون بحماية حقوقهم، وهذا الأمر يشكل حافزًا كبيرًا لعودة الأهالي إلى مناطقهم”.
وقال مصدر في جسر الشغور، لعنب بلدي، إنه قبل عام 2011، كانت نحو ألف عائلة مسيحية تعيش في ثلاث قرى (القنية، اليعقوبية، الجديدة)، أما اليوم فبقيت نحو 200 عائلة، جميع أفرادها مسنون.
مصدر محلي من قرية كفتين شمالي إدلب (من الطائفة الدرزية)، قال لعنب بلدي، إن الأهالي عاشوا حالة رعب خلال السنوات الماضية، وكانوا يحرصون على عدم الخروج ليلًا إلا للضرورة القصوى خوفًا من التعرض لأي اعتداء أو قتل، لكن بعد زيارة “الجولاني” لمنطقة جبل السماق في 2022، تغيّر الحال قليلًا، إذ أرجعت “الهيئة” منازل وأراضي صادرتها إلى بعض الأهالي، عدا أن يكون صاحبها مرتكبًا لانتهاكات أو منخرطًا في صفوف قوات النظام أو ميليشيات مقربة منه (شبيح).
رغم ذلك، لا تزال المخاوف موجودة، ويحرص أصحاب الطائفة الدرزية على عدم ذكر أنهم دروز، مؤكدين أنهم دخلوا في الإسلام، ولفت المصدر المحلي إلى أن ارتفاع أعداد الدروز يعود إلى وجود ولادات خلال السنوات الماضية.
رغم انخفاضها عن السابق، فإن الانتهاكات التي يتعرض لها أبناء الطوائف والديانات الأخرى في مناطق سيطرة “تحرير الشام” على أساس ديني لا تزال موجودة.
“الشبكة السورية لحقوق الإنسان” تقدّر أن أغلبية ممتلكات المدنيين من الديانة المسيحية في محافظة إدلب والتي يوجد أصحابها خارج مناطق سيطرة “تحرير الشام” قد تم الاستيلاء عليها من قبل “الهيئة” أو مُنع أقرباؤهم من الإشراف عليها.
وشكّلت، في 10 من حزيران 2015، مجزرة في قرية قلب لوزة شمالي إدلب نقطة فارقة في تاريخ الطائفة الدرزية بإدلب، إذ قُتل حوالي 25 شخصًا منهم داخل القرية على يد عناصر من “جبهة النصرة”، تبعها تبرير بعد الحادثة بأيام، بأن ما حصل هو مشاركة عناصر بالحادثة، دون الرجوع إلى أمرائهم، و”أنه خطأ غير مبرر ودون علم القيادة”.
بعد شهر من الحادثة، أكد “الجولاني” حماية القرى الدرزية والمسيحية في ريف إدلب، وإرسال دعاة إسلاميين إلى قراهم لتوضيح أخطائهم، على حسب وصفه، ورأى أن “النصارى” سيخضعون لـ”الحكم الإسلامي” في حال أقيم نظام إسلامي في سوريا، متعهدًا بحمايتهم.
وعكست بعض الحوادث تغيّر سياسة “تحرير الشام” ونظرتها إلى الأقليات، منها لقاء “الجولاني” بشخصيات ووجهاء من الطائفة الدرزية بقرى جبل السماق بريف إدلب الشمالي، خلال افتتاح وتدشين “مشروع بئر مياه”، في 9 من حزيران 2022، ووعد برد “أي مظلمة”.
كما زار “الجولاني” عددًا من الأهالي في قرى القنية واليعقوبية والجديدة أتباع الديانة المسيحية جنوبي إدلب، في 19 من تموز 2022، تبعتها حادثة إعادة افتتاح كنيسة “القديسة أنّا” في قرية اليعقوبية بريف إدلب الغربي للمرة الأولى منذ سيطرة فصائل المعارضة على المنطقة، في 28 من آب 2022، بحضور عشرات الأشخاص، دون أن تعلق “الهيئة” على الأمر.
آداب عامة..
إدارة “الحلال والحرام”
هذا النهج عزز بعض المفاهيم وفرض بعض القرارات بدافع ديني لتطبيق “أحكام الشريعة وعدم مخالفتها”، سواء من قبل “تحرير الشام” أو من مظلتها السياسية حكومة “الإنقاذ”، كما حرّكت دعوات من شرعيين “الإنقاذ” لاتخاذ خطوات في منع فعاليات أو إغلاق مطاعم ومرافق بسبب “مخالفة الشرع”.
أحدث هذه الحالات كانت فعالية الألعاب البارالمبية التي أقامتها منظمة “بنفسج” في الملعب “البلدي” بإدلب، وأثارت، في آب الماضي، جدلًا واسعًا، ووصفها شرعيون ودعاة بأنها “منكر وثقافة شركية وكفر”، منهم عبد الرزاق المهدي ومصلح العلياني، مطالبين بتفعيل جهاز “الحسبة” فورًا.
حالة الجدل دفعت “الإنقاذ” لاستدعاء المنظمة وإنذارها وتوجيهها بتعليق جميع أنشطتها، واعتبار ما حصل في الفعالية مخالفًا للثقافة والعادات والتقاليد، تبعها إصدار قرار يمنع إقامة أي فعالية دون موافقة منها.
سلطة التحريم “عند الله فقط”
خلال لقاء، في نيسان 2023، قال “أبو محمد الجولاني“، إن سلطة التحريم هي “عند الله فقط”، والسلطة على الأرض لها حق المنع ولها إدارة الحلال والحرام، ولا يمكن اعتبار المحرم إلا بقطعية الدلائل والإثبات.
وأضاف “الجولاني” أن وجود “سيّاف” على باب محكمة أو داعية في الأسواق، هو “تقزيم للشريعة”، حسب وصفه، لافتًا إلى وجود شرطة “آداب عامة” ووزارة داخلية تتعامل مع المخالفات، ولديها تعميمات على المطاعم والمقاهي تضبطها ضمن إطار معيّن.
مطلع العام الحالي، حصلت عنب بلدي على نسخة غير رسمية من “مشروع قانون الآداب العامة” من حكومة “الإنقاذ”، متضمنًا 128 مادة، وينقسم إلى خمسة أبواب، تتضمن مجموعة من القواعد والأحكام المتعلقة بالنظام الأخلاقي والسلوكي لأفراد المجتمع في إدلب.
وتنص الممنوعات الدينية التي أقرتها “الإنقاذ” على منع سب الله وأنبيائه ودينه، والانتقاص من شعائر الإسلام ورموزه وعلمائه، ومنع السحر والشعوذة وقراءة الفنجان والكف، والمجاهرة بالإفطار خلال شهر رمضان، ومنع فتح المحال وقت صلاة الجمعة، وخروج الفتيات ممن بلغن الـ12 عامًا دون ارتداء زي ساتر.
ويتضمن فصل مخالفات الآداب العامة، ومنع الاختلاط بين الجنسين إلا بإثبات أنهما من المحارم، ومنع المعازف والعروض المرئية المسموعة “المخالفة للدين والذوق”، ومنع التدخين في المؤسسات العامة والخدمية، والمستشفيات والمراكز الطبية والصيدليات، ووسائل النقل.
قيادة “هيئة تحرير الشام” تريد تحقيق مصلحتها من خلال النهج الذي يحقق هذه المصلحة، فإن دعت مصلحتها إلى التشدد وإعلان التكفير من جديد، ستجد قادتها عادوا إليه صباحًا، وإن دعت مصلحتهم إلى التمييع والتغريب، تراهم مساء غيروا إليه.
أبو يحيى الشامي
شرعي وقيادي سابق في “تحرير الشام”
جيل شرعي
تنتشر مدارس “دار الوحي الشريف” بكثرة في محافظة إدلب، وتحمل شعار “نحو جيل قرآني فريد”، وتحظى بدعم من “تحرير الشام”، في وقت تعاني فيه المدارس العامة نقصًا في الكتب وضعفًا في الدعم، وسط احتجاجات لمعلمين منذ سنوات.
تأسست هذه المدارس نهاية عام 2017، وبدأت تتوسع في مدن وبلدات إدلب، ووصل عدد طلابها عام 2021 إلى 13500 طالب (7000 طالب و6500 طالبة)، وتحمل أربعة أهداف هي:
- العمل بقول النبي “خيركم من تعلم القرآن وعلمه”.
- حفظ القرآن وإتقان علومه والعمل به.
- بناء أجيال مؤهلة علميًا وتربويًا ومتميزة تنهض بالمجتمع بالمنطقة.
- غرس القيم الإنسانية والأخلاقية وزرعها في نفوس الطلاب.
تحولات أفضت إلى واقع جديد في إدلب
مساعد الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” فاضل خانجي، قال إن “تحرير الشام” أعادت إنتاج نفسها أيديولوجيًا، بشكل يوازن بين خلفيتها الراديكالية والحاجة البراغماتية لإدارة علاقتها مع المجتمع المحلي كسلطة إدارية من جهة، وتقديم صورة مختلفة للخارج من جهة أخرى.
وأضاف خانجي، لعنب بلدي، أن هذه الحالة جعلتها تتخذ خطوات للأمام والوراء بحسب تفاعل الديناميات الداخلية، وعلى رأسها استمرارية وجود تيار راديكالي يدفع نحو فرض “أدلجة إسلاموية” على المجتمع.
سلفية وطنية
الباحث في الجماعات “الجهادية” حسن أبو هنية، قال لعنب بلدي، إن “تحرير الشام” بعد فك ارتباطها بـ”القاعدة” أصبحت معادية للجهادية العالمية سواء بحربها ضد “حراس الدين” (فرع القاعدة حاليًا في سوريا) أو تنظيم “الدولة”.
وأوضح أبو هنية أن “تحرير الشام” تتبنى نهجًا أو سياسة دينية على اعتبار أنها حركة لا يوجد لها أهداف عالمية ومرتكزة على عملها محليًا في سوريا.
لكن بالنهاية، وصلت إلى ما هي عليه الآن، حركة “سلفية براغماتية محسوبة وفق التغيرات”، لكن بشكل محلي دون أثر للجهاد العالمي، وتشبه نظامًا دكتاتوريًا استبداديًا، كما هو حال أنظمة المنطقة، بحسب تعبير أبو هنية، لذلك ليس هناك ديمقراطية بالتأكيد، بل هناك حركة سلطوية تسيطر بقوة السلاح.
وعلى الصعيدين السياسي والإقليمي، تعتبر “تحرير الشام” أقل الشرور بالنسبة للسياسات الإقليمية والدولية، لذلك تخلت عن “الجهاد العالمي”، وحاولت أن تظهر نفسها فقط كحركة محلية بمواجهة النظام، وكانت تحاول مغازلة التحالف الدولي، وتحديدًا الولايات المتحدة الأمريكية، كي ترفع عن قوائم “الإرهاب”، لكن هذا لم يفلح لأن أمريكا تنظر إليها على أنها حركة دينية “متشددة”، وبالتالي يصعب قبولها أو إعطاؤها شرعية وأيضًا رفعها عن قوائم “الإرهاب”، وهو ما استبعده أبو هنية.
وعلى الصعيد الإقليمي، تتعامل إيران مع “تحرير الشام” كخصم، ولا تزال تركيا، رغم وجود نوع من التعامل معها، تصنفها كحركة “إرهابية”، وبالتالي كل “نهج الجولاني البراغماتي المحسوب”، حسب وصف أبو هنية، لم يفضِ إلى تغيير النظرة الدولية والإقليمية تجاهها لكن تم قبولها كأفضل الموجود على أرض الواقع.
ومع عدم وجود قبول لتنظيم “الدولة” و”القاعدة” وحتى بقية الحركات كونها ضعيفة، ومع تموضع “الجولاني” وفق براغماتية محسوبة ضمن هذا الواقع المعقد في شمال غربي سوريا، صار هناك نوع من “شرعية الضرورة” وليس الشرعية القانونية أو السياسية، وفق أبو هنية.
وذكر أبو هنية أن كل التغيرات التي أحدثها “الجولاني” بعد فك الارتباط بـ”القاعدة” كانت تخدم مصالح الجميع، بما فيها النظام وروسيا، فعندما تحارب “تحرير الشام” تنظيم “الدولة” أو “حراس الدين” فهذا أمر يسر الولايات المتحدة وحلفاءها وأيضًا تركيا وإيران وروسيا والنظام.
اللعب على التناقضات
تحاول “تحرير الشام” أن تلعب على التناقضات الموجودة لغاية الآن، مع عدم وجود أي حلول واضحة في المستقبل، فلذلك مستقبلها هو رهن بتبدل هذا الوضع الإقليمي والدولي، وهي ترسخ قوتها ولن تسمح بظهور أي قوة تنازعها السلطة في هذه المنطقة، بحسب أبو هنية.
وتفرض “الهيئة” سياسات دينية سلفية محلية، ولن تتحول هذه السلفية البراغماتية المحسوبة إلى جماعة ديمقراطية ولا ليبرالية، وبالتالي ستبقى تفرض سيطرتها لعدم وجود أي حل لسوريا أو بدائل إقليمية ودولية، وعدم وجود أي قوة في شمال غربي سوريا قادرة على إزاحة أو فرض تغيرات جوهرية في تصورات “الجولاني” ضمن إطار السلفية، ولا يمكن أن يذهب أكثر من ذلك.
الدكتور بسام صهيوني، الذي أسهم في تأسيس حكومة “الإنقاذ”، أشار أيضًا إلى أن ما يقوم به “الجولاني” هو عبارة عن عمليات براغماتية لا تنبع من تغيير النهج الديني بقدر ما تنبع من النهج المصلحي النفعي، وأدواته في ذلك تتغير عند تغير المصلحة وتبدلها.
“الجولاني” عند احتياجه لفتاوى “التكفير” استعان بمن يكفّر الفصائل بحجة التعاون مع الخارج، وعندما تتبدل المصلحة يتغير النهج ويستبدل بآخر يدعو إلى الانفتاح، وقد لا يستبعد أن يستخدم “التكفير” مجددًا بحق أشخاص معينين أو جهات معينة لغرض سياسي وليس لغرض ديني.
واستدل صهيوني، في حديثه لعنب بلدي، على أن المنفتح يتحمل التيارات والأفكار المخالفة له في الرأي، وما نراه من إغلاق المعاهد الشرعية (كمعهد الشاطبي) لمجرد خلاف في الرأي، يدل على البراغماتية المطلقة، فالمفترض بغير المتشدد أن يسمح بالتنوع الفكري الذي يذخر به التاريخ الإسلامي، لا أن يغلق المدارس ويمنع الخطباء والمدرسين المخالفين له في الرأي.
واعتبر صهيوني أن الاستبداد المطلق بكل القرارات، كقرار السلم والحرب والاستحواذ على قرار المؤسسات بشكل تعسفي يعتمد تقديم الولاء لـ”الجولاني” وعدم التحرك إلا ضمن رأيه وسياسته، وتعطيل الشورى والرقابة، والسيطرة المحكمة على الموارد المالية، التي هي حق للشعب وللثورة، والتكتم والتعمية عن أماكن صرفها.
ويتبع ذلك السيطرة على القوة الأمنية والعسكرية التي قد يستخدمها الفصيل لقمع المتظاهرين وسجنهم وضربهم، والاستحواذ على المنصات الإعلامية وتتبع الإعلاميين وغير ذلك من الممارسات التعسفية التسلطية التي يعلمها القاصي والداني، وهي من جنس تصرفات المستبدين الجائرين وليس من تصرفات أهل الرشد والحكمة، حسب الدكتور بسام صهيوني.
السلطة أساس التغيير
حسان برد
قيادي سابق في “هيئة تحرير الشام”
التنظيمات والجماعات والدول عادة تقوم على أفكار ومبادئ يجتمع حولها من يؤمن بها ويضحون من أجلها، وقلما نهضت جماعات دون فكرة جامعة تجمع الناس حولها ويؤمنون بها.
ونادرًا ما تكون الجماعة أو الحكومة أو الدولة تقوم على مبدأ السلطة والمال، إلا في حالة الحكومات القائمة في الوطن العربي، والتي لا تعبّر بالأصل عن شعوبها ولا تفكر بمصالحهم.
هذه المقدمة ضرورية جدًا لمعرفة هل هناك مبادئ وأفكار مرتبطة بالدين أو الشرع جعلت “هيئة تحرير الشام”، ومن قبلها “النصرة” هي السبب في الأفعال والتوجهات والعلاقات الدولية التي أقامتها “الهيئة” حتى في بداية تشكيلها.
“تحرير الشام” لم تقم على فكر ثابت أو مبادئ راسخة يجتمع حولها من يعمل معها أو يناصرها، بل كانت عبارة عن عواطف لعبت على وترها قيادة “الهيئة” وخاصة “الجولاني”.
بداية الثورة كان الشباب متعطشًا للدين وناقمًا على كل ما يرتبط بحزب “البعث”، وهذه النقطة التي انطلق منها “الجولاني”. في هذه البيئة حشد كل الكوادر والمقاتلين حوله وكذلك بعض النخب، وقد كانت شعارات تحرير روما والأقصى والموت لأمريكا السلعة الرائجة في تلك الفترة.
وأقول لأول مرة، وحتى في ظل خلاف “الجولاني” مع “البغدادي”، فإن خروج الأول من عباءة الثاني لم يكن بسبب مصلحة للأمة أو “الجهاد” أو الثورة، وإنما سلطة وجاه فقط ولا غير، وهذا ما أثبتته الأيام فيما بعد من إعادة دراسة تجربة “النصرة” وكلمات “الجولاني” السابقة وبعض من حوله.
وفي هذا السياق، لا بد من الطعن ومهاجمة كل الفصائل التي ليست على نهج النصرة سواء كانت فصيلًا إسلاميًا أو فصيلًا مناضلًا، وكانت فتاوى استباحة الدماء تسافر عبر الحدود، وما يزيد أوارها تجربة العراق وتجربة “الصحوات”، التي كانت “البعبع” الذي يخوف به “الجولاني” عناصره.
مسألة البغي وقتال الفصائل المحرك الرئيس لها هو السلطة وحب جمع المال والتصدر بالوكالة الحصرية للدول هذه بالنسبة لـ”الجولاني”، بينما العناصر والمقاتلون كانت تحركهم أيديولوجيا أنهم المشروع الإسلامي الوحيد.
وتبين لاحقًا أن هذه المبررات كانت كذبًا واضحًا وخداعًا، وقد هدمت “تحرير الشام” كل ما قامت عليه بداية.