شهد عام 1924 تأسيس “الحزب الشيوعي السوري”، بعد أربع سنوات فقط من حل “المملكة السورية” وإعلان الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان عام 1920.
خلال سنوات، لعب الحزب دورًا في الساحة السياسية السورية، واختلف ذلك الدور مع وصول حزب “البعث” إلى السلطة في انقلاب 1963، ومن ثم دخوله في “الجبهة الوطنية التقدمية”، واختياره الاستمرار إلى جانب الرئيس السابق حافظ الأسد، على أن يكون في صفوف معارضيه.
خلال 100 عام من تأسيسه، تعرض الحزب لمصاعب وعقبات وملاحقات لأفراده وقياداته، بعضهم من قتل وآخرون بقوا خارج سوريا، وانقسم الحزب تحت رئاسة مؤسسه، خالد بكداش، لعدة أحزاب قبل وفاة الأخير عام 1995، وتولي زوجته وصال فرحة للقيادة.
يبدو تاريخ الحزب حافلًا بالعمل السياسي، مع الأسماء التي كان لها ثقلها، كخالد بكداش نفسه وفرج الله الحلو وجورج حاوي ويوسف فيصل وآخرين في سوريا ولبنان.
وفي 2015، أصدر محمد علي طه، أحد أعضاء الحزب، كتابًا حاول من خلاله تناول السير الذاتية لأفراد لا قادة، تحت عنوان “كيف أصبحنا شيوعيين”، تحدث خلاله حوالي 90 عضوًا عن كيفية دخولهم إلى الحزب واقتناعهم بأفكاره، معظمهم من كبار السن ومن الرعيل الأول للعمل السياسي في سوريا خلال فترتي الستينيات والسبعينيات، قبل أن يبسط الأسد سيطرته على الحكم في سوريا بشكل كامل، عقب صراعه مع “الإخوان المسلمين” في ثمانينيات القرن الـ20.
يبدو الكتاب للوهلة الأولى خاصًا بالمؤمنين بالأفكار الشيوعية، والمهتمين بتاريخ “الحزب الشيوعي” في سوريا، ولكن بنظرة أخرى، يمكن تصنيفه ضمن كتب توثيق التاريخ الشعبي للبلاد.
من الطبيعي أن تعمل الأنظمة الدكتاتورية في أي مكان على صياغة تاريخ البلاد بما يكرّس هيمنتها وروايتها، ويسهم في السيطرة الفكرية على الأجيال المتعاقبة ومحاولة كبح جماح أي أفكار مقبلة للتغيير، ومن هنا يمكن الحديث عن زاوية أخرى يوردها الكتاب، تتعلق بأمر بسيط للغاية، التاريخ يرويه أشخاص عاديون انخرطوا بالعمل السياسي في سوريا خلال سنوات طويلة، بغض النظر عن أفكارهم العقائدية أو مواقفهم مما سيحصل في سوريا لاحقًا (بعض الأعضاء انخرطوا في الثورة السورية منذ بدايتها)، لكن الكتاب يحمل شهادات لتاريخ يُروى.
تاريخ واسع ومظاهرات وأفكار سياسية قدّر لها أن تبقى تحت السيطرة بعد وصول الأسد إلى السلطة عام 1970، عبر انقلاب عسكري على رفاق دربه من البعثيين، على رأسهم صلاح جديد.
الكتاب الذي يبدو أنه طبع بمجهود شخصي من كاتبه محمد علي طه (لا ذكر لدار نشر ضمن الكتاب)، يأتي في 346 صفحة من القطع المتوسط، وهو جمع للقاءات أسبوعية أجريت خلال سنوات ضمن صحيفة “قاسيون”.