“حياة الماعز”.. هل تتخطى السينما حدودها
يصل نجيب، الشاب الهندي، إلى السعودية للعمل في إحدى الشركات، لكنه لا يتحدث اللغة العربية ولا يعرف من هو كفيله السعودي، ما يضعه في مأزق خلال لحظات الوصول الأولى، سرعان ما سيذهب مع شخص سعودي إلى صحراء قاحلة حيث سيبقى هناك لوقت طويل في ظروف شديدة الصعوبة، متعرضًا للقهر والذل.
هذه باختصار القصة التي يرويها فيلم “حياة الماعز” (The Goat Life) الذي عُرض خلال العام الحالي عبر شبكة “نتفليكس” بإنتاج هندي، وبطولة هندية وبمشاركة ممثلين عرب.
الفيلم أثار جدلًا واسعًا خلال الأسابيع الماضية باعتبار أنه يسلط الضوء على مشكلات تتعرض لها العمالة الأجنبية في السعودية منذ سنوات طويلة، أغلبها يتعلق بحقوق العمال وعلاقتهم مع كفيلهم السعودي (تشترط الرياض وجود كفيل من الجنسية السعودية حتى تمنح تأشيرة العمل للأجانب ويُعرف بنظام الكفيل).
جاء الفيلم في وقت تسعى في السعودية لتغيير صورتها أمام العالم، من مملكة مغلقة على نفسها ومتزمتة دينيًا وتعتمد على النفط كمورد اقتصادي وحيد، إلى بلد منفتح يستضيف الفعاليات الفنية وأبرز المغنين العالميين وفعاليات ترفيهية عبر “موسم الرياض”، وكذلك عبر كرة القدم من خلال الصفقات الضخمة لنجوم عالميين استقطبهم دوري “روشن” السعودي، ككريستيانو رونالدو وكريم بنزيما ورياض محرز وغيرهم، وكذلك مهرجان “البحر الأحمر السينمائي”.
تعرض نجيب لأقصى معاملة سيئة، لا يمكنه الخروج من مزرعة للإبل وسط الصحراء، وغذاؤه لا يتجاوز رغيف خبز والقليل من المياه لا تروي العطش، بالإضافة إلى الضرب والإهانة المتكررة، وتمزيق جواز سفره خلال محاولته الهرب في الأيام الأولى لوصوله.
ركز مخرج الفيلم الهندي “بليسي” على الألوان لإيصال رسائل فيلمه، هناك في القرية الهندية الصغيرة، نهر واسع ومياه ولون أخضر يهيمن على الشاشة، مكان أشبه بالجنة، ويغمره حب زوجته وحنان أمه، صورة على النقيض تمامًا عن تلك الموجودة في حياته بالسعودية، حيث عطش الصحراء واللون الأصفر والوجوه العابسة.
طيلة عقود، تناولت تقارير صادرة عن منظمات حقوق الإنسان الدولية ظروف العمالة في السعودية ومشكلاتها، يأتي الفيلم للوهلة الأولى مكملًا لهذه التقارير، لكن الدراما الزائدة والأحداث المبالغ بها ستضر بقضية محقة ولن تنفعها، وفي حين تبدو الرسالة الأولى إنسانية، لكن بقليل من التفكير نجد أن الأمر هدفه الطعن لا النقد.
في ختام الفيلم، يتعرض عشرات العاملين الهاربين للضرب داخل أقسام الشرطة على يد كفلائهم السعوديين في مشهد هدفه توضيح “الذل” الذي يتعرضون له، وكأن كل الأحداث الواردة غير كافية، دراميًا هذا أمر يضر بالقصة وبالفيلم وبالرواية كلها، وذلك لا ينفي بطبيعة الحال وجود انتهاكات وحقوق مسلوبة يعرفها المقيمون في السعودية جيدًا.
الدراما الزائدة لا تأتي هنا عبر تفاصيل الحكاية فقط، بل بأداء الممثلين والمبالغة بالمقارنات وبتطويل متعمد لا يضيف شيئًا لا للمشاهد ولا للقصة، علمًا أن العنصر الأساسي في الدراما، “الصراع”، موجود وعلى عدة مستويات، سواء صراع البقاء أم الصراع مع الكفيل أو مع الظروف الحالية.
ويبدو الاستهداف واضحًا من أحد المشاهد الأولى للفيلم عبر حديث غرضه الظاهر الحديث عن مدى ثراء السعوديين، لكنه يشير إلى رائحتهم “البشعة” كذلك.
ولم يصدر رد فعل من قبل السلطات السعودية، أو تعليق مباشر على الفيلم، إلا أن وسمًا حمل اسم الفيلم نفسه، أطلقه سعوديون، أشار إلى حجم الاستياء بينهم، فيما نشر آخرون تسجيلات مصورة لاعتداءات وانتهاكات تعرض لها المقيمون قبل عرض الفيلم، في محاولة لتأكيد ما تحدث عنه الأخير.
الكاتب بلال الصباح قال في مقال نشره موقع “العربية نت” السعودي، في 15 من أيلول الحالي، إن السينما ليست مجرد وسيلة للترفيه بل أداة فعالة لتحفيز الفكر النقدي، معتبرًا أن الفيلم ركّز على السياق الاجتماعي والسياسي، منتقدًا في الوقت نفسه الذهاب لمحاولة فقط تفنيد الرواية الهندية وتكذيبها وحصر التحليل في إطار ضيق.
فيما نشر الكاتب علي صالح الضريبي في الموقع نفسه مقالًا، في 29 من آب الماضي، قال فيه إن ظاهر الفيلم هو حقوق الإنسان في السعودية والخليج، وباطنه تسويق للقصة على أنها الحقيقة المطلقة.
كما قدم الكاتب رواية مختلفة عن تلك التي رواها الفيلم، مشيرًا إلى أن عاملًا اختلف مع كفيله حول تأخر أجوره وعدم السماح له في السفر، ومع تطور الجدل قُتل الرجل السعودي، ثم سامح أولاده العامل وجمع له الناس مبلغ الدية ومنحوها له، وفق الرواية المذكورة.
الفيلم حصل على تقييم بلغ 7.1 عبر موقع “قاعدة بيانات السينما العالمية” (IMDb)، وهو من بطولة Prithviraj Sukumaran وK.r. Gokul، والفيلم مقتبس من رواية حملت الاسم نفسه ونشرت في عام 2008.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :