أهشّ بها على غنمي!
غزوان قرنفل
الغنم، هي أفصح تعبير عن المعارضة السورية التي صار مآلها مجرد قطيع خاضع لأوامر ونواهي الراعي، الذي يتوكأ على عصاه التي له بها مآرب أخرى، ربما تتعلق تلك المآرب بضمان الامتثال وعدم الخروج عن المسار الذي قرره الراعي ويتعين على القطيع السير به.
والمؤسف أنه لطالما كان الخضوع والامتثال سلوكًا مكرسًا من قبل تلك المعارضة، على الأقل هذا ما أنبأتنا به تصريحات أحد رموز تلك المعارضة، في مقابلة معه على شاشة “تلفزيون سوريا”، حكى فيها مفصلًا عمّا مفاده أن جميع الدول المنخرطة في الصراع السوري، والتي أسمت نفسها “أصدقاء الشعب السوري”، كانت تملي عليهم وعلى أدواتهم العسكرية إملاءات وسياسات لم تكن في مصلحة السوريين وثورتهم، لكنهم مع ذلك اتبعوها وامتثلوا لها، ولم يكاشفوا السوريين، الذين يفترض أنهم يمثلونهم، بما يحصل، حتى آلت أمورنا اليوم إلى خواتيمها التي هي عليها الآن.
مؤخرًا، وعقب آخر لقاء لوزير الخارجية التركي مع قادة المعارضة السورية، أصدرت وزارته بيانًا أكدت فيه دعم تركيا لجهود “الحوار والتفاوض الهادفة والواقعية التي من شأنها تمهيد الطريق لحل سياسي على أساس القرار 2254″، لكن السياق الذي تشتغل عليه تركيا لفتح صفحة جديدة مع النظام السوري لا يؤشر إلى أي إمكانية لحصول مثل هذا الحوار والتفاوض بينه وبين المعارضة، وكل التسريبات عن عناصر هذا الاتفاق (التركي– السوري) المفترضة إن صحّت، ليس فيها ما يعزز أي فرصة للتفاؤل بإمكانية حصول ذلك.
فالنظام الذي عطل مسار العملية السياسية ونقل أعمال اللجنة الدستورية إلى ثلاجة الموتى لا يرى في ظل الأوضاع الحضيضية للمعارضة السياسية ولأدواتها الميليشيوية، وفي ظل التهافت العربي والإقليمي عليه، ما يجبره، أو حتى ما يشكل ضغطًا عليه يدعوه لخوض مفاوضات “هادفة وموضوعية” معها، فضلًا عن صناعة حل يُعتقد أنه سيقدم فيه تنازلات حتى لو كانت شكلية هو ليس مضطرًا لتقديمها.
كما أن المقاربة التركية للتصالح مع النظام، والتي تقوم على “انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية وبسط سلطة الدولة السورية على كامل أراضيها وضمان حماية الحدود المشتركة مع تركيا والحفاظ على وحدة الأراضي السورية ومحاربة التنظيمات الإرهابية”، لا تؤشر إلى أي رؤية تتعلق بحل سياسي شامل للصراع في سوريا، رغم الإطناب بالحديث عن مثل هذا الحل وفق القرار “2254”، بقدر ما يعكس تسليمًا كاملًا بمطالب النظام الذي يرفض السماح لتركيا بالخروج من الوحل السوري بأي مكاسب مفترضة، بل وتعني أكثر، تسليمًا تركيًا لكل المناطق التي تخضع لحكم الميليشيات التابعة لها، حتى الحدود الدولية، على أن تجرى تسويات لأوضاع تلك الميليشيات، وكل ذلك مقابل وهم قيام النظام السوري بمحاربة “قسد” واستعادة مناطقها وإعادة بسط سيطرته عليها، رغم إدراك جميع الأطراف أن تلك المهمة أكبر كثيرًا من قدرة النظام على القيام بها لأسباب مختلفة، وفي مقدمتها استمرار وجود الغطاء والدعم الأمريكي لـ”قسد” ولمشروعها.
هي إذًا عملية مقايضة لا أكثر، يدفع فيها الغنم الذي تهشه عصا الراعي فاتورتها ضمن العملية التفاوضية “الهادفة والواقعية”، التي أشار إليها بيان الخارجية التركية، الذي أشار أيضًا إلى توافق المؤتمرين عليها.
في هذه المقايضة نحاول التنقيب عبثًا عن مطالب السوريين، وعن مندرجات القرار الدولي الذي يتلطى الجميع خلفه، لكن لا أحد يعمل أو يمهد الطريق لإنفاذ موجباته، وعن الدستور المزعوم والانتخابات الحرة تحت الرقابة الدولية، وعن المعتقلين والمخفين قسرًا، وعن المحاسبة والمساءلة، فلا نجد لها أثرًا. ومع ذلك نسأل: ما الذي يجبر النظام على فعل ذلك طالما أنه أسقط المعارضة واستعاد المناطق والمعابر والطرق وأعاد الجميع لبيت الطاعة، وكل ذلك بصفقة واحدة لا يقدم فيها سوى وعد بمحاربة المشروع الانفصالي المتوهم.
وما الذي سيتحصل عليه السوريون المناهضون لسلطة العصابة من تلك الصفقة، وهل تبقى لديهم أصلًا ما يعطيهم وزنًا في معادلة الصراع والحلول، خصوصًا أنهم سيفقدون بتسليم مناطق سيطرتهم آخر ما يفترض أنها أوراق قوة لديهم، فهل من عاقل يتصور أن يحصل هؤلاء السوريون على أي تنازلات من سلطة سحقت أمانيهم بعد أن سحقت ثورتهم ومدنهم وممتلكاتهم!
أمام هذا الواقع، هل لا تزال هيئات المعارضة الحالية تملك خيارات وبدائل مغايرة عما هو مطروح أو مفروض عليها، وهل يجب أن يعوّل عليها السوريون أصلًا؟
أزعم أن واقع الحال والمآل، يحرضنا على توخي أو توهم الأمل بخطوة واحدة فقط من المعارضة يسجلها لهم التاريخ ربما، وهي قرار بإعلان إقالة حكومتها المؤقتة وحل كل الهيئات واللجان التفاوضية وإعادة سلطة تشكيل ما يمثل السوريين للسوريين أنفسهم في محررهم ومهجرهم، بما يفقد الفاعلين والرعاة القدرة على فرض أي حلول عليهم لا يرغبون بها ولا تحقق لهم مطالبهم، عندها ستفقد العصا التي يهش بها أولئك الرعاة على السوريين القدرة على تحقيق المآرب الأخرى، وليتصالح حينها مع النظام من يتصالح وليقم معه ما شاء من العلاقات، لكن في كل الأحوال علينا ألا نمنح النظام ومن يرعى إعادة إنعاشه وفرضه على السوريين أي فرصة ليقسرنا على الرضوخ والامتثال والتوقيع على ما لا نرغب.
حينها ستبقى كل الحلول المزعومة هشّة ومتهالكة ومعلقة، إلى أن يقرر السوريون المناهضون لحكم العصابة ما يستجيب لمطالبهم ولحاجات ومنطق الحلول وبناء الدول، وإلا فليذهب الجميع إلى الجحيم، فنحن سبق أن ذهبنا إليه واختبرناه، ولم يعد يغرينا الزعم أو الوهم أن عقد صفقة مع الشيطان ستنقلنا إلى جنان النعيم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :