مواجهة الموت للخلاص
المخاطر لا تثني أبناء درعا عن فكرة الهجرة
عنب بلدي – علي درويش
ينظر أحمد إلى أشجار الرمان في أرضه الممتدة على مساحة 20 دونمًا، التي أمضى سنوات طويلة وهو يعتني بها ويكسب رزقه مما تنتجه، سارحًا في طريق السفر الموحش والخطير للوصول إلى حياة أفضل على البر الأوروبي.
فكرة السفر تراود أحمد (42 عامًا) خلال الفترة الأخيرة، بعد تنامي ظاهرة الجفاف بريف درعا الغربي في السنوات الثلاث الماضية.
قال أحمد لعنب بلدي، إنه وجد صعوبة في سقاية محصوله بعد جفاف البئر في أرضه، متخوفًا من استمرار الجفاف إلى العام المقبل وبوتيرة أكبر، لذلك وجد في فكرة السفر السبيل الوحيد للبحث عن عمل يستطيع من خلاله إعالة أسرته، التي من الممكن أن تلتحق به بعد استكمال إجراءات لم الشمل.
محافظة درعا تعاني خلال السنوات الثلاث الأخيرة من نقص في مياه ري الأراضي الزراعية بعد جفاف بحيرة “مزيريب” وعدد من الينابيع والآبار، بسبب تراجع الهطول المطري وعدم تعويض فاقد المياه الجوفية، مع عدم اتخاذ حكومة النظام إجراءات فعالة لمواجهة المشكلة.
وهو ما يعني توجه المزيد من المزارعين إلى البحث عن مصادر رزق أخرى، ولعل الهجرة رغم المخاطر المحدقة بالشخص هي الخيار الأول لهم.
محافظة درعا خسرت العديد من أبنائها على طرق الهجرة، خاصة الطريق البحري من دول شمال إفريقيا (ليبيا وتونس والجزائر) وعبور البحر المتوسط للوصول إلى شواطئ إيطاليا.
ورغم انتشار أخبار عن غرق قوارب الهجرة قبل وصولها للشواطئ الإيطالية، وانتشار عصابات الخطف في ليبيا وطلب فدية من أهل المخطوف، وتشديد خفر السواحل الليبي، وسجنه وتعذيبه لبعض المهاجرين في ظروف سيئة، ما زال أبناء درعا يغادرون تحت أعين النظام السوري.
خطر الموت
في 31 من آب الماضي،وثقت شبكات محلية فقدان الاتصال بـ19 مهاجرًا من أبناء مدينة طفس غربي درعا في ليبيا، بينهم أطفال ونساء موثقون بالاسم، بعدما كانوا على متن قارب أبحر من السواحل الليبية.
خفر السواحل الإيطالي أعلن، في 4 من أيلول الحالي، إنقاذ سبعة سوريين من بين 28 مهاجرًا كانوا على متن قارب غرق قبالة جزيرة لامبيدوزا الإيطالية عقب إبحارهم من ليبيا.
وبعد أربعة أيام، انتشل خفر السواحل الإيطالي جثث ستة أشخاص، يعتقد أنهم من ركاب القارب الذي غرق في 4 من أيلول.
الحادثة الكبرى كانت في حزيران 2023، حين غرق قارب يعتبر سفينة صيد قديمة، قبالة السواحل اليونانية، بعد انطلاقه من ميناء طبرق الليبي، وكان على متنه نحو 750 شخصًا، العشرات منهم من درعا.
ومنذ بداية العام الحالي، توفي أو اختفى 1047 شخصًا، بحسب وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة.
الباحث في علم الاجتماع الدكتور حسام السعد، يرى أن الأسباب الرئيسة للهجرة رغم المخاطر التي قد تحدق بالشخص، هي انسداد أفق الحل النهائي سياسيًا في سوريا، وتجاوز مرحلة الرغبة بتغيير داخل البلد من قبل السوريين بسبب عدم إمكانية فعل التغيير في الوقت الحالي، يضاف إليها، تعقد الوضع الاقتصادي المترافق مع غياب فرص العمل والأمان.
وأوضح حسام السعد لعنب بلدي أن مغامرة الهجرة في هذه الحالة تكون متساوية مع البقاء، “القصد أن الخطورة في الحالتين متساوية”، فالبقاء يعني خيبة مستمرة ويأسًا، أما الهجرة فمن الممكن إذا استطاع الشباب تجاوز العوائق الأمنية أن تنفتح أمامهم حياة جديدة.
وسلوك طرق الهجرة رغم ما فيها من مخاطر، “هو درجة متقدمة من اليأس بتغيير داخل سوريا”، والبحث عن حياة أفضل حتى لو كان الثمن هو الموت، وهذا الأمر أيضًا يمكن أن نُرجِعه لغياب أي خطة دولية تضمن بيئة آمنة ومحايدة للبقاء في سوريا، بحسب السعد.
والموضوع عمومًا ليس بخطورة الطريق بقدر ما هو متعلق بالقرار، قال الدكتور حسام السعد، مشيرًا إلى أن فكرة الهجرة تدخل ضمن مناخ رؤية الشباب لمستقبلهم في سوريا، وبالتالي غياب أي طرح أو مبادرة دولية لها تأثير على المجموعات المختلفة أو بعض الشرائح داخل سوريا، يدفع الشباب للحلول الفردية والبحث عن الخلاص الفردي.
مواجهة الموت للخلاص
نبيل (40 عامًا) من سكان مدينة طفس، يريد السفر من أجل الاستقرار والزواج، فهو حاليًا لا يمتلك مقومات الزواج من منزل وتكاليف حفل الزفاف، لذلك قرر الهجرة، وبعدها يستطيع الزواج عبر لم الشمل عند تأمين مسكن وعمل له في المغترب.
وأوضح نبيل لعنب بلدي، أن تكلفة بناء المنزل تقارب 20 ألف دولار في حين تكلفة سفره تقارب 12 ألف دولار، مشيرًا إلى أن الهجرة “هي فرصة للبحث عن حياة أفضل”، حسب تعبيره.
وينتظر نبيل بيع موسم الرمان في تشرين الأول المقبل، الذي تقدّر عوائده بستة آلاف دولار، بالإضافة إلى بيع ثلاثة رؤوس من الأبقار واستدانة مبلغ من أحد أصدقائه.
في حين باع أحمد (20 عامًا) قطعة أرض مساحتها ثمانية دونمات، لتأمين أجرة طريق سفره.
وقال أحمد لعنب بلدي، إن الدافع لسفره هو هربه من الخدمة العسكرية، وتأمين حياة بعيدة عن هاجس القبضة الأمنية والسوق لخدمة العلم التي يرفضها، يضاف إلى ذلك، بحسب أحمد، كثرة عمليات الاغتيال.
“مكتب توثيق الشهداء في درعا” وثق 39 عملية ومحاولة اغتيال، في آب الماضي، أدت إلى مقتل 18 شخصًا بينهم طفل، كما وثق اعتقال 31 شخصًا، أفرج عن 11 منهم في وقت لاحق.
من درعا إلى أوروبا.. طرق مختلفة
طرق الهجرة إلى أوروبا التي يسلكها أبناء درعا حاليًا متعددة، ويتخللها العديد من العقبات، تختلف من شخص إلى آخر، فالعقبة الأولى هي الوصول إلى لبنان سواء من المعابر النظامية أو طرق التهريب، أو الوصول إلى الشمال السوري عبر طرق التهريب.
المتخلف عن “الخدمة الإلزامية” أو المنشق عن جيش النظام لا يُمنح إذن سفر خارجي، وبالتالي هو مجبر على سلوك طرق التهريب للوصول إلى لبنان، وبالنسبة للشمال السوري فهو مجبر على أي حال على الانتقال عبر مهربين.
وبحسب ما رصده مراسل عنب بلدي في درعا، فإن نسبة كبيرة من المهاجرين أعمارهم ما بين 13 و19 عامًا.
يدخل السوري المطلوب أمنيًا إلى لبنان عبر طرق التهريب، بعد دفع ما يقارب 300 دولار أمريكي، ويكلف إصدار جواز السفر في لبنان ما يقارب 2000 دولار.
بعد حصول المهاجر على جواز السفر، أمامه عدة طرق، منها السفر إلى ليبيا أو قبرص أو صربيا، هذه الدول مكلفة، بسبب متطلبات الإقامة السياحية فيها لحين الانتقال إلى دولة اللجوء النهائية.
أما “فيزا” السفر إلى ليبيا فتكون جزءًا من أجرة الهجرة المقطوعة لدى المهرب للوصول إلى إيطاليا.
نبيل من أبناء درعا، ينوي الهجرة حاليًا عبر لبنان، وسيضطر لاستخراج جواز سفر من بيروت، لكنه يتخوف من الإقامة حاليًا في لبنان بعد تضييق السلطات اللبنانية على حركة السوريين، وتسليم المخالفين منهم إلى قوات النظام السوري، وهو ما يعتبره نبيل “مقتلًا” له، حسب تعبيره لعنب بلدي.
عرض المهرب على نبيل طريقًا تبلغ تكلفته 11 ألف دولار، بشرط عدم المكوث في ليبيا، ويوجد طريق عبر مهرب آخر بثمانية آلاف دولار، لكنه سيمكث في ليبيا حتى تأمين طريق، وفي هذه الحالة قد يكون عرضة لعمليات الخطف، كما أن المعيشة في المخازن قرب السواحل الليبية صعبة.
وكان تحقيق لعنب بلدي و”سيريا إنديكيتور”، وثّق الظروف غير الإنسانية للاحتجاز التعسفي بمراكز احتجاز المهاجرين في ليبيا، وتعذيب المحتجزين جسديًا ونفسيًا بشتى الوسائل، من دون إحالتهم إلى القضاء، إضافة إلى ابتزازهم قبل وفي أثناء الاحتجاز، وصولًا إلى مساومة ذويهم لإطلاق سراحهم مقابل المال.
وكشف التحقيق، الذي حمل عنوان “ابتزاز واغتصاب وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز الليبية“، عن وجود تنسيق في بعض الحالات بين شبكات الاتجار بالبشر وبين الأجهزة والميليشيات في شرقي وغربي ليبيا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :