زيادة في الطلب ولا ضوابط
خلال عام.. إيجارات المنازل ترتفع 70% بإدلب
إدلب – سماح علوش
بات البحث عن بيت للإيجار مهمة شاقة في مدينة إدلب شمالي غربي سوريا، ويزيد أثرها على النازحين والمهجرين إلى المنطقة من الذين صار همهم الأكبر إيجاد السكن بما يتناسب مع قدراتهم المادية.
وعاد إيجاد السكن ليتصدر جدول المعاناة، ويخلق كابوسًا اسمه “أول الشهر”، بعد ارتفاع في أسعار العقارات لعدة أسباب، أبرزها زيادة الطلب، والكثافة السكانية.
ويعد البحث عن مكان للسكن أزمة متجددة في المدينة التي خرجت عن سيطرة النظام السوري منذ عام 2015، بعد أن صارت حاضنة لنازحين ومهجرين من معظم المدن والبلدات السورية.
معاناة كل شهر
ثناء الياسين، سيدة مهجرة من بلدة معرشمشة بريف المعرة، تزداد معاناتها في ارتفاع إيجار المنزل الذي تقطنه بإدلب، وقالت لعنب بلدي، إن مبلغ الإيجار “هم كبير يجثم فوق صدرها”، خاصة عندما يطالبها صاحب البيت بإخلائه.
وأضافت أن المطالبة بالإخلاء تكررت، والسبب أنه يريد رفع قيمة الإيجار أو ربما يريد أن يعطيه لأحد معارفه.
بعد الإخلاء، ذكرت السيدة أن الحال استقر بها حاليًا في منزل تدفع إيجاره 100 دولار أمريكي شهريًا، لصاحب محل عقاري، كون صاحبة البيت مسافرة، لكن بعض الإشكاليات حصلت بين صاحب المكتب وصاحبة المنزل، فطُلب منها تسليم المنزل.
لدى السيدة ابنة مريضة وهذا ما يمنعها من السكن في المخيمات، منهية حديثها بحسرة لا تخلو من الأمل بالعودة لبلدتهم، بأنها تحرم عائلتها الكثير من المستلزمات كالطعام واللباس وغيرهما لتجمع قيمة الإيجار شهريًا، وكي “نعيش تحت سقف بيت يؤوينا ويسترنا”.
طوابق عليا وأحياء “متطرفة”
أجبر ارتفاع أسعار الإيجارات العديد من العائلات على البحث عن سكن لا يلبي احتياجاتهم، وعلى سبيل المثال، يسكن أحمد في الطابق الخامس “الفني” (السادس) في بناء غير مزود بمصعد وبمنطقة تعد “متطرفة” (على أطراف المدينة) في إدلب، وذلك فقط ليضمن أن يكون الإيجار 100 دولار أو أقل.
وفي حال قرر الانتقال لسكن مماثل بثلاث غرف داخل المدينة وأقرب إلى السوق والأماكن الحيوية وبطابق ثالث، عليه أن يدفع 150 دولارًا شهريًا وربما أكثر.
قلة المعروض.. الترحيل من تركيا
صاحب مكتب عقاري في إدلب، قال لعنب بلدي، إن قيمة الإيجارات ارتفعت في إدلب من 60 إلى 70% منذ نحو عام، فالمنزل الذي كانت قيمة إيجاره 60 أو 75 دولارًا، صارت الآن 100 أو 125 دولارًا.
وأضاف أن السبب الأبرز هو قلة عدد البيوت المعروضة للإيجار، وذلك نتيجة الكثافة السكانية، خاصة بعد ترحيل آلاف السوريين من تركيا إلى الشمال السوري.
وتشهد المعابر الحدودية مع تركيا حركة عبور يومية لسوريين مرحلين قسرًا من “باب الهوى” و”باب السلامة” و”تل أبيض” و”جرابلس”.
وفي تصريح سابق، قال مدير المكتب الإعلامي لمعبر “باب الهوى“، مازن علوش، لعنب بلدي، إن عدد العائدين من تركيا إلى الشمال السوري عبر المعبر، في النصف الأول من عام 2024، بلغ 24334 شخصًا موزعين على 11973 “عائدًا طوعًا”، و12361 مرحلًا قسرًا.
وتابع صاحب المكتب العقاري أن هناك توجهًا واضحًا للسكن في المدينة، لأن مركز إدلب أصبح وجهة الشركات والمحال، وبالتالي مقصد اليد العاملة التي تحتاج إلى سكن قريب من مكان عملها.
وعند سؤاله عن إمكانية تحكم “الدلّالين” (السماسرة) بقيمة العقد حتى يحصلوا على نسبة “كمسيون” أعلى، رفض الفكرة، وقال إنها غير واقعية فصاحب المنزل يحتاج إلى أن يستمر تأجير منزله ليقبض الثمن، وبحال تمسك “الدلّال” بسعر مرتفع، فلن يؤجر المنزل.
وعن رأيه بأن تحدد الجهات الحكومية قيمة الإيجار، اعتبر أن هذا الأمر لا يمكن أن يقرره هو، لكن ربما يكون حلًا مناسبًا يحسم الكثير من الجدل حول أسباب ارتفاع العقارات.
وفي حديث مع “دلّال” آخر، أكد مصطفى الذي يعمل بمكتب “الميس العقاري” أن السبب الرئيس يعود إلى قلة عدد المنازل المعروضة للإيجار، وبالتالي يطلب أصحابها قيمة أعلى ويتحكمون بالأسعار.
لا ضوابط
تعاني إدلب اكتظاظًا سكانيًا يفرض صعوبات إضافية على سكانها، بينما تغيب الإحصائيات الواضحة لعدد سكانها، بسبب تداخلها مع مناطق من ريف حلب.
وتفاقمت مشكلة الاكتظاظ السكاني بعد كارثة الزلزال في شباط 2023، التي جعلت مدينة إدلب مقصد مئات العائلات المتضررة من الزلزال.
حول أزمة السكن والإيجارات، قال مدير العلاقات العامة في حكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب، عبد الرحمن محمد، إنه لا توجد أي ضوابط لأصحاب العقارات تحدد قيمة الإيجار.
وأضاف لعنب بلدي أن هناك بعض الخطوات والإجراءات المتخذة للتخفيف من معاناة الأهالي، كتسهيل أعمال الجمعيات والمنظمات في بناء المنازل السكنية، ومنح الأراضي مجانًا لمشاريع البناء السكني، ووضع معايير لتأمين سكن لذوي الإعاقة، حسب قوله.
ولفت إلى دور الحكومة في تشجيع البناء والاستثمار بالعقارات عبر تخفيض الرسوم وإلغاء جزء منها بشكل كامل للمساحات الصغيرة، وإلغاء الرسوم على الأبنية المتضررة بالزلزال ونتيجة القصف، والاستمرار في تنفيذ العديد من المشاريع كالجمعيات السكنية وإطلاق مشاريع سكنية جديدة.
وذكر أن ضبط عقود الإيجار بين المستأجر والمؤجر يكون في سبيل ضمان عدم رفع الإيجار بشكل مستمر من خلال خطوات غير مباشرة مثل:
- دراسة إمكانية تخفيف الضغط السكاني على المدن الأكثر طلبًا للإيجار من خلال توزيع المؤسسات والجامعات وغيرهما جغرافيًا، ما يخفف الطلب على إيجار المنازل.
- نشر الفكر التوعوي والديني حول خطورة الاستغلال وحرمته.
- دراسة إمكانية نشر مكاتب التوثيق العقاري جغرافيًا في المحاكم، التي تنظم وتضمن حقوق الطرفين.
- رفع أجور ورواتب العاملين ما يساعد شريحة مهمة من المواطنين على تغطية تكاليف الحياة ومنها أجور المنازل.
- إضافة شرائح تنظيمية جديدة مثل موضوع البناء في المناطق ذات البنية الصخرية، وكذلك إدخال شرائح للمخططات التنظيمية ودراستها بما ينسجم مع الواقع وتطلعات الناس بحسب كل منطقة، وكذلك إمكانية الترخيص على الشيوع في عقارات معيّنة.
- توفير تغذية راجعة للجهات الاختصاصية عبر المجالس المحلية بما يسهم في توجيه البنى التحتية اللازمة لتنشيط حركة العمران وبالتالي تخفيف هذه المعاناة بشكل أو بآخر.
يسكن شمال غربي سوريا 5.1 مليون شخص، منهم 4.2 مليون بحاجة إلى مساعدة، و3.4 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، 3.4 مليون منهم نازحون داخليًا، ومليونان يعيشون في المخيمات، وفق الأمم المتحدة، في حين تتحدث إحصائيات محلية عن 5.5 إلى 6 ملايين شخص.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :