كيف تعامل النظام السوري مع حراك السويداء
يواصل متظاهرو السويداء حراكهم الذي انطلقت شرارته الأولى في آب 2023، ردًا على جملة قرارات حكومية برفع الدعم عن المستلزمات الأساسية للمواطن، ورفع سعر المحروقات.
سرعان ما تحولت المطالب الاقتصادية إلى مطالب سياسية تنادي بإسقاط النظام وتطبيق الحل السياسي الرامي إلى الانتقال الآمن للسلطة والإفراج عن المعتقلين، لتنتفض السويداء حينها ضد النظام السوري في مظاهرات شعبية انتشرت على رقعة المحافظة بشكل كامل.
في المقابل، اتخذ النظام عدة خطوات تجاه حراك السويداء، أبرزها بث الشائعات، وتعيين المحافظ الجديد اللواء أكرم علي في أيار الماضي، سبقه وصول تعزيزات عسكرية متتالية إلى محيط المدينة، أواخر نيسان الماضي، وهو ما أثار مخاوف من استخدام النظام الحل العسكري حينها.
وعود “خلبية”.. شائعات ومكايد
الصحفي حمزة المختار، قال لعنب بلدي إن النظام منذ بداية الاحتجاجات الشعبية أرسل وفودًا وعلى رأسهم محافظ السويداء السابق، بسام بارسيك، إلى الرئاسة الروحية في بلدة قنوات تتضمن وعودًا بتحسين بعض الخدمات كالمياه والكهرباء مقابل إيقاف المظاهرات.
وأضاف المختار، وهو أحد أبناء السويداء، أن هذه المفاوضات قوبلت بالرفض لدى الأهالي لأن المطالب كانت مرتفعة السقف حينها، ما دعا النظام لاستخدام العديد من الأساليب كبث الشائعات والترهيب بحق المتظاهرين.
وعمل النظام السوري منذ انطلاق الحراك على استخدام عدة وسائل أمنية، كبث الشائعات حول دخول “التنظيمات الإرهابية” للسويداء من البادية الشرقية عبر إعلاميين محسوبين عليه.
وسرعان ما لجأ لاستخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين في أكثر من مناسبة، منها إطلاق الرصاص من عناصر كتائب “البعث” على متظاهرين خلال محاولة إغلاق مقر حزب “البعث” في مدينة السويداء، وأدى إلى وقوع إصابات بين صفوف المتظاهرين.
قال الناشط المدني في حراك السويداء مروان حمزة لعنب بلدي، إن النظام يستخدم نفس الأساليب الأمنية منذ سنوات، والجميع يعلم دور حزب “البعث” في دس المكايد للأهالي، والدليل على ذلك هو عثور الناشطين على مئات الوثائق والتقارير الكيدية بحق أهالي السويداء خلال اقتحامهم المقار، وهذا يؤكد كيف يتعامل النظام مع مواطنيه.
“كنا نعلم أن الطريق الذي دخلنا فيه محفوف بالمخاطر، لذلك لم نستغرب عندما أطلق عناصر النظام النار علينا، بل زدنا إصرارًا وعزيمة للاستمرار في حراكنا السلمي حتى تحقيق كافة مطالبنا في نيل دولة العدالة والقانون وبشكل سلمي”.
مروان حمزة ناشط مدني في حراك السويداء |
أول قتيل في الحراك.. اعتقالات حاضرة
في مطلع شباط الماضي، أعلن النظام عن إجراء “تسوية” للمطلوبين والمشاركين في الحراك السلمي لتسوية أوضاعهم وإزالة الاستدعاءات الأمنية بحقهم، فتجمع المتظاهرون أمام مركز “التسويات” في السويداء (صالة السابع من نيسان) وطالبوا بإسقاط النظام.
رفض المتظاهرون “التسوية”، فحصلت مشادة كلامية بين المتظاهرين وعناصر الأمن، وتم إطلاق النار عليهم بشكل مباشر، ما أدى إلى إصابة الشاب جواد الباروكي الذي توفي قبل إسعافه للمستشفى، ليكون أول قتيل على يد قوات النظام في حراك السويداء.
وشيع المتظاهرون الباروكي من ساحة “الكرامة” بحضور وجاهات دينية واجتماعية واعتبروه “شهيد الواجب”، بحسب ما ذكرته شبكة “السويداء 24” المحلية.
ولم يتوقف النظام عند هذا الحد، بل لجأ لأسلوب الاعتقالات التعسفية بحق الناشطين وطلاب الجامعات.
في مطلع العام الحالي، اقتحمت قوات الأمن السكن الجامعي في اللاذقية، واعتقلت الطالب داني عبيد، بسبب منشور له على “فيس بوك” عن الاحتجاجات السلمية في السويداء، ليدوم اعتقاله 75 يومًا.
ذكر ذوو الشاب أنهم حاولوا حل قضية ولدهم بالطرق القانونية، إلا أن مطالبهم قوبلت بالتجاهل، ما دفع الفصائل المحلية في السويداء لاحتجاز عدد من ضباط قوات النظام، للضغط والإسراع في الإفراج عن الطالب، وسرعان ما تم الإفراج عنه مقابل تسيلم الضباط المحتجزين.
وفي هذا السياق قال الصحفي حمزة المختار، إن عملية احتجاز الضباط وضعت النظام في موقف حرج لأن السويداء التي كان يحسبها موالية له انتفضت ضده وطالبت بإسقاطه، “ما جعل ورقة التوت تسقط عنه، والكرت الذي كان يلوّح به عن حماية الأقليات احترق”.
وأضاف، لذلك استقدم النظام بعد حادثة احتجاز الضباط تعزيزات عسكرية كبيرة للسويداء ضمت أسلحة ثقيلة ومتوسطة وسيارات دفع رباعي ومئات العناصر، واستقرت هذه التعزيزات في مطاري “خلخلة” و”الثعلة” العسكريين، وفي “الفوج 44″، ومبنى فرع “أمن الدولة” في السويداء.
واعتبر حمزة أن تعزيزات النظام العسكرية إلى السويداء، كان لها دور إيجابي في إعادة الزخم للحراك، وكانت رسالة المتظاهرين للنظام بأن السويداء ستقف وقفة الرجل الواحد في حال استخدم النظام الحل العسكري، وأكدوا أنهم لن يسمحوا أن تكون السويداء ساحة للاقتتال العسكري، أو طريقًا لتهرب المخدرات.
حاجز أمني
في حزيران الماضي، أنشأ النظام حاجزًا أمنيًا بالقرب من دوار “العنقود” عند مدخل السويداء الشمالي، ونقلت منصات إعلامية موالية للنظام أن إقامة الحاجز تهدف إلى إلقاء القبض على المطلوبين والعصابات.
وتمركز الحاجز قرب دوار “العنقود” وتخللته سواتر ترابية ورشاشات وضباط وعناصر تم استقدامهم من فرع “أمن الدولة” في السويداء وفقًا لشبكة “الراصد المحلية”.
بعدها، خرج المتظاهرون إلى أمام الحاجز وأعطوا مهلة ثلاث ساعات لإزالته بشكل سلمي دون استجابة، ما دفع الفصائل المحلية للتحرك إلى الحاجز وحصلت اشتباكات بين قوات النظام والفصائل المحلية، وسرعان ما تدخلت الوساطات لتهدئة الوضع، مع وعود بعدم تعرض الحاجز للمدنيين.
وفي 17 من آب الماضي، استقدم النظام تعزيزات أمنية للحاجز ولوحظت زيادة عناصر النظام، بينما ذكرت شبكة “الراصد” نقلًا عن مصادر “أمنية لم تسمّها” أن الحاجز يهدف للحد من ملف “تهريب المخدرات والقضاء على الإرهاب”.
إثر هذا الموقف، أعلنت الفصائل المحلية وعلى رأسهم “حركة رجال الكرامة” رفع الجاهزية، وأعطت إنذارًا للحاجز بعدم التعرض للمدنيين والمارة، وعدم فرض الإتاوات على التجار، وعدم اعتقال الشباب لتأدية الخدمة الإلزامية.
فصل موظفين
في أيلول الحالي، أصدرت حكومة النظام قرارًا بفصل 41 موظفًا في شركة كهرباء السويداء، بسبب التخلف عن الخدمة الاحتياطية، وسط مخاوف من تطبيق القرار، ما سيشل شركة الكهرباء ويوقعها في عجز كارثي، وفق ما ذكرته شبكة “السويداء 24” نقلًا عن مصادر وصفتها بـ”الخاصة”.
وأوضحت المصادر أن القرار الحكومي بفصل هؤلاء الموظفين، جاء بحجة تخلفهم عن الخدمة الاحتياطية، رغم امتثالهم لعدة “تسويات” سابقة، مشيرة إلى أنه لا يمكن لشركة الكهرباء الاستغناء عن هذا العدد الكبير من الموظفين، نتيجة نقص الكوادر.
وليست المرة الأولى التي يلجأ فيها النظام إلى الفصل التعسفي للموظفين في السويداء، بل سبق أن أصدر عدة قرارات بفصل موظفين عاملين في مؤسسات مختلفة، ومنها قرارات فصل طالت مدرسين وموظفين في مديريات الزراعة والصحة والخدمات الاجتماعية بالسويداء.
وفي آب الماضي، فصلت القيادة المركزية لحزب “البعث“، 100 عضو عامل في محافظة السويداء من صفوف الحزب، بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات.
“هيئة عامة” للحراك
مطلع تموز الماضي، أُعلن عن تشكيل “هيئة عامة” تمثل الحراك، بمباركة من الرئيس الروحي لطائفة المسلمين الموحدين، الشيخ حكمت الهجري.
“الهيئة” المعلن عن تشكيلها عبر حسابات إخبارية محلية، منتخبة من قبل ناشطي الحراك في عموم المحافظة، إلى جانب فريق مكلف من الشيخ الهجري، تهدف لتشكيل نواة للحراك القائم في السويداء.
كما تهدف “الهيئة”، بحسب ما قاله أحد الأعضاء المؤسسين فيها لعنب بلدي، إلى “المضي قدمًا باستمرار الحراك السلمي حتى تحقيق مطالبه التي تلبي طموحات السوريين والوصول به إلى بر الأمان وسط محاولات النظام الحثيثة لكسر سلميته وبث الفتنة والتفرقة بين مكوناته”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :